المصدر / وكالات - هيا
يعيش الرأي العام التونسي على وقع أسوأ الجرائم الصحية والاجتماعية بشاعة، ففي حين لم تجف دموع بعض الأهالي حزنا على وفاة أكثر من 12 رضيعا دفعة واحدة في مستشفى الرابطة بالعاصمة تونس انهار آخرون جراء اغتصاب أكثر من 20 تلميذا من قبل أستاذ مارق.
تكاد هذه المصائب تجعل الولدان شيبا، لكن الوضع يسير في تونس برتابة قاتلة من دون أدنى حالة استنفار من قبل أجهزة الدولة ووسط تكتم مريب، ورغم أن الوضع يتطلب تفاعلا استثنائيا من المندوب العام لحماية الطفولة يفضل الأخير الصمت ويرن هاتفه مرارا دون مجيب.
في الأثناء، يرجح أن يرتفع عدد الضحايا إلى أكثر من 20 تلميذا قاصرا لا تتجاوز أعمارهم 10 سنوات بمدرسة ابتدائية في محافظة صفاقس (جنوب) في ظل إمكانية التعرف على ضحايا جدد، حسب الناطق الرسمي باسم محاكم صفاقس.
يقول الناطق مراد التركي للجزيرة نت إن شكوى جديدة قدمت للمحكمة الابتدائية في صفاقس من قبل ولي أمر ضد هذا الأستاذ بتهمة الاعتداء الجنسي على ابنته الصغيرة بالمدرسة، والخطير في الأمر أن استنطاق التلاميذ (17 فتاة و3 أولاد) أثبت أن جزءا من الاغتصاب "كان بالإيلاج".
لكن ما خفي كان أعظم، إذ تتجه شكوك التحقيق في أن يكون أستاذ الفرنسية المتورط سابقا في اغتصاب طفل دون محاسبة قد ارتكب نفس الجرم في حق ابنته الصغيرة، ويقول التركي إن التحقيقات لا تزال جارية مع المتهم الموقوف بسجن مدينة صفاقس منذ 8 مارس/آذار الجاري.
ليس من السهل على عائلات الضحايا التحدث للإعلام بشأن قضية ما زال البعض يربطها بشرف العائلة، لكن والدة تلميذة بلّغت منذ 6 فبراير/شباط الماضي عن الأستاذ كشفت لموقع الصدى التونسي عن مغازلة المتهم ابنتها والتحرش بها باللمس مع أنها لا تتجاوز 10 أعوام.
وتقول الأم المكلومة إن "الذئب" كان يطلب من زوجها أن يدّرس ابنته دروس مراجعة في بيته حتى دون مال، وبما أن عددا من التلاميذ كانوا يدرسون لديه سمحت الأم لابنتها بالذهاب لنهل العلم لكن صعقت من أقوال ابنتها بأنه كان يلمسها ويحاول تقبيلها ومفاحشتها فبلغت عنه.
ورغم أن المصيبة أقوى من أن تتحملها لم يكن التعاطي الرسمي في بداية الأمر جديا وفق تأكيدها، لكن تهديدها بفضح الأمر دفع بعض المسؤولين كالمدير الجهوي للتعليم ومندوب حماية الطفولة في صفاقس بالتوجه إلى المدرسة ومقابلة التلاميذ، وهناك صرخ الأطفال بكاء، كما تقول.
وتصل عقوبة مفاحشة القاصرين بالإيلاج من دون سن 16 سنة وفق الفصل 227 جديد من قانون القضاء على العنف ضد المرأة إلى السجن المؤبد، لكن العديد من الأهالي يطالبون بتطبيق عقوبة الإعدام المجمدة ضد الجناة في ظل تصاعد جرائم الاغتصاب، ولا سيما داخل المؤسسات التربوية.
ويؤكد رئيس الجمعية التونسية للدفاع عن حقوق الطفل معز الشريف للجزيرة نت أن التحرش بالأطفال واغتصابهم حقيقة ثابتة في مدارس ورياض أطفال وفي بعض المؤسسات التي تزعم أنها تقدم الإحاطة للطفولة، "لكن هناك تكتم كبير، سواء من قبل السلطة أو العائلات".
ولا تزال قضية المدرسة القرآنية في الرقاب بمحافظة سيدي بوزيد الجنوبية واتهام القائمين عليها بتلقين الأطفال أفكارا مشددة وممارسة الفاحشة بحقهم غامضة في ظل تكتم كبير، في حين وجه البعض اتهاما إلى الإعلام بتكثيف الحديث عن تلك المدرسة والتعتيم على الجريمة الجديدة.
ويقول "نحن نعيش في بلد يعتبر فيه البعض أن الشرف أغلى من حقوق الطفل، فهناك من يتكتم على جرائم ارتكبت في حق أبنائهم خشية أن تلاحقهم ما يعتبرونها فضيحة"، وأشار إلى وجود ضغوط من نقابات التعليم بالمؤسسات التربوية لمؤازرة المدرسين "ظالمين أو مظلومين".
وبينما يهتز الرأي العام بسبب تدهور وضعية الطفولة مع استشراء جرائم التحرش الجنسي والاغتصاب والانقطاع المبكر عن التعليم وأطفال الشوارع واستهلاك المخدرات يقول معز الشريف إن نقابات التعليم فاقت تردي الأوضاع التعليمية جراء الإضرابات المتتالية في القطاع.
وكشفت إحصاءات وحدة الطب الشرعي في مستشفى شارل نيكول بالعاصمة عن وقوع نحو 800 حالة اغتصاب سنويا في تونس، واللافت للانتباه في الإحصاءات المنشورة في يناير/كانون الثاني الماضي أن 70% من ضحايا العنف الجنسي هم أطفال قاصرون، وأغلبهم إناث.
وينتقد طبيب الأطفال معز الشريف ما يعتبره تباطؤا في القيام بالتتبعات العدلية في قضايا الاغتصاب، مما يؤدي إلى إتلاف العينات البيولوجية الكاشفة لآثار الجريمة، مؤكدا للجزيرة نت أن "أغلب أحكام السلطة القضائية في أغلب الحالات لا تكون منصفة للضحايا الأطفال".
تقصير مؤسسات الدولة
من جهتها، تقول الناشطة النسوية والباحثة في علم الاجتماع فتحية السعيدي إن اغتصاب الأطفال في تونس ظاهرة قديمة، لكنها طفت على السطح بفضل حالات التبليغ، مفيدة بأن القانون التونسي شدد العقوبات على مرتبكي هذه الجرائم "لكن لا تتم ترجمتها على أرض الواقع".
وصدق البرلمان التونسي في سنة 2017 على قانون القضاء على العنف ضد المرأة الذي يحتوي على أحكام تجرم اغتصاب الأطفال، لكن السعيدي تقول باندهاش للجزيرة نت إنها لم تر أي حملة من قبل مؤسسات الدولة لتوعية الأطفال والآباء للوقاية من جرائم العنف.
وانتقدت ما اعتبرته تقصيرا من قبل مؤسسات الدولة لرعاية الطفولة وحمايتها، معربة عن أسفها من انعدام البرامج التوعوية الحكومية في المؤسسات التربوية وخارجها بحقوق الطفل والأخطار المحدقة بها، كما طالبت المجتمع المدني بالقيام بدوره في تأطير الناشئة.
وتضيف أن الملفات الصحية والاجتماعية والاقتصادية رغم تدهور مؤشراتها بشكل كارثي بقيت مهملة ولم ترتق إلى أولويات الطبقة السياسة التي تقود البلاد، في حين تطغى التجاذبات والحسابات الانتخابية بكل محطة انتخابات، مما جعل أوضاع البلاد منتكسة ومنهارة، وفق رأيها.
وبينما كان الرأي العام ينتظر أن تتخذ الدولة بعد جريمة الاغتصاب إجراءات رادعة في حق كل المتورطين في قضايا الفساد والإهمال داخل الفضاءات التربوية قررت وزارة المرأة والأسرة والطفولة وكبار السن إلغاء جميع المظاهر الاحتفالية الخاصة بعيد الطفولة هذه السنة.