
"من الأسد إلى الرحباني.. اسم يُفجّر الخلاف"

الكاتب : شيماء مصطفى
زياد الرحباني يُشعل سجالاً بين اللبنانيين وحافظ الأسد يعود إلى الواجهة.. شارع يتحوّل إلى ساحة معركة سياسية
لم تمضِ أيام على رحيل الفنان والموسيقي اللبناني الشهير زياد الرحباني، حتى تحوّل اسمه إلى محور جدل سياسي حاد في لبنان، تجاوز الفن والثقافة ليصل إلى عمق الانقسامات التاريخية بين الفرقاء اللبنانيين. فقد أشعل قرار الحكومة اللبنانية بتغيير اسم "جادة حافظ الأسد" إلى "جادة الرحباني" على طريق المطار، عاصفة من الردود المتباينة عبر الشارع اللبناني وعلى منصات التواصل الاجتماعي، ما أعاد إلى الأذهان شبح الوصاية السورية والاصطفافات القديمة التي ما تزال تتحكم بالمشهد السياسي اللبناني.
تكريم أم تصفية حسابات؟
بالنسبة للكثير من اللبنانيين، جاء هذا القرار بمثابة تكريم مستحق لرجل ترك بصمة لا تُنسى في الوجدان الشعبي اللبناني والعربي، باعتباره واحداً من أبرز رموز الموسيقى والمسرح السياسي، ومثقفاً متمرداً لم يُجامل يوماً في آرائه. لكن في المقابل، رأى آخرون في القرار خطوة استفزازية وكيدية، لا سيما في ظل ما يمثله اسم الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد من حساسية تاريخية للبعض، ورمزية تحالفية للبعض الآخر.
الهجوم المضاد.. أنصار الأسد يردّون
جبهة الاعتراضات اشتعلت بسرعة، قادها أنصار النظام السوري والمقربون من حزب الله. إذ غرّد المحلل السياسي فيصل عبد الساتر معتبراً أن القرار "ناتج عن كيدية سياسية ومرفوض تماماً"، مضيفاً أن صلاحية تسمية الشوارع تعود إلى البلديات لا إلى الحكومة. وطالب بلدية الغبيري، التي تقع ضمن نطاقها الجادة، برفض القرار، في إشارة إلى ما وصفه بـ "محاولة لتهميش رموز المقاومة في الذاكرة اللبنانية".
شارع يُعيد نبش الذاكرة
قرار تغيير اسم الشارع لم يكن مجرد إجراء إداري. بل بدا وكأنه نبش في الذاكرة السياسية اللبنانية، التي لا تزال تعاني من آثار الهيمنة السورية التي امتدت لأكثر من ثلاثة عقود. فقد كان النظام السوري في عهد الأسد الأب ثم بشار، يفرض هيمنة مباشرة على لبنان سياسياً وعسكرياً، انتهت رسمياً عام 2005، لكنها لا تزال تُلقي بظلالها على المشهد اللبناني، خصوصاً في العلاقة المعقدة مع حزب الله.
مارك ضو: "هوية لبنان أولاً"
في الجهة المقابلة، رحّب النائب اللبناني مارك ضو بقرار الحكومة، وكتب: "طرقات لبنان يجب أن تعكس هويتنا الوطنية، لا رموز الوصاية". ورأى في الخطوة "تحريراً رمزياً للمساحات العامة من الإرث السياسي الذي لا يتوافق مع سيادة الدولة اللبنانية واستقلالها".
زياد الرحباني.. فنان خارج التصنيفات
ولد زياد الرحباني في كنف عائلة فنية عريقة، فهو ابن الأسطورة فيروز والموسيقار الراحل عاصي الرحباني. غير أنه اختار منذ بداياته طريقاً مختلفاً، حيث جمع بين الفن والموقف، وعبّر عبر مسرحياته وأغانيه عن نقد اجتماعي وسياسي لاذع. عُرف بمواقفه اليسارية ودعمه للمقاومة الفلسطينية، كما دعم حزب الله في كثير من مراحل حياته، رغم أنه انتقده لاحقاً لمشاركته في الحرب السورية دفاعاً عن الأسد.
زياد الذي رحل عن 69 عاماً بعد صراع مع تليف الكبد، عاش سنواته الأخيرة في منطقة الحمرا، حيث يُطالب العديد من المثقفين بأن يُطلق اسمه على أحد شوارعها، كونها تحمل بصماته الثقافية والفكرية أكثر من أي مكان آخر.
رمزية ما بعد الرحيل
الجدل الدائر يعكس إلى حد بعيد التحولات التي يشهدها لبنان في صراعه بين الذاكرة والانتماء، بين من يريد طي صفحة الماضي، ومن يتمسك بها كجزء من هويته السياسية أو الإيديولوجية. وربما لا تكون "جادة الرحباني" مجرد شارع يمر به الناس، بل محطة جديدة في حرب الرموز التي لم تهدأ بعد في لبنان، حتى بعد رحيل أصحابها.