
ساناي تاكايتشي تقتحم نادي الرجال في اليابان

الكاتب : شيماء مصطفى
بانتخابها زعيمة للحزب الليبرالي الديمقراطي، فتحت ساناي تاكايتشي، البالغة من العمر 64 عاما، الباب أمام النساء في اليابان لتولي رئاسة الحكومة، في سابقة تاريخية في بلد طالما هيمنت عليه الذكورية السياسية.
ففي مجتمع لا تتجاوز فيه نسبة النساء 15 في المئة من مقاعد مجلس النواب، وتحت حزب يسيطر عليه الرجال منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، تبدو رحلة تاكايتشي قصة صعود استثنائية وشديدة الصعوبة داخل منظومة محافظة.
من البرلمان إلى القمة
دخلت ساناي تاكايتشي البرلمان لأول مرة عام 1993 ممثلة عن مسقط رأسها نارا، وخلال أكثر من ثلاثة عقود، رسخت مكانتها داخل الحزب عبر الانضباط والعمل الجاد وبناء تحالفات متينة، أبرزها قربها من رئيس الوزراء الراحل شينزو آبي الذي كان يمثل التيار المحافظ الأقوى داخل الحزب.
تنقلت تاكايتشي بين عدة مناصب وزارية، منها وزيرة الشؤون الداخلية، ووزيرة المساواة بين الجنسين، ووزيرة الأمن الاقتصادي، وهو ما منحها خبرة بيروقراطية وإدارية عميقة داخل مؤسسات الدولة، ورسّخ صورتها كشخصية من داخل النظام لا خارجه.
كسر السقف الزجاجي دون شعارات نسوية
المفارقة أن تاكايتشي نجحت في اختراق الحزب الحاكم الذي يُتهم بإعاقة تمكين المرأة، لكنها فعلت ذلك دون رفع شعارات نسوية أو تصادمية، فقد تجنبت خلال حملتها الانتخابية الحديث عن قضايا المساواة بين الجنسين، لكنها وعدت بعد فوزها بزيادة عدد الوزيرات في حكومتها.
في المقابل، تبنت مواقف محافظة في قضايا الأسرة والقيم، أبرزها دعم قصر وراثة العرش على الذكور ورفض زواج المثليين، إضافة إلى التحفظ على تعديل القانون المدني الذي يسمح للأزواج بحمل ألقاب عائلية مختلفة.
بهذه المعادلة، تمكنت من طمأنة الجناح المحافظ داخل الحزب، دون أن تتخلى عن رمزيتها كامرأة كسرت احتكار القيادة.
صقر قومي في ثوب مدني
لم تخف تاكايتشي نزعتها القومية الواضحة، إذ واصلت زياراتها الدورية لضريح ياسوكوني الذي تعتبره الصين وكوريا الجنوبية رمزا للنزعة العسكرية اليابانية.
كما تتبنى مواقف متشددة تجاه الصين، وتدعو إلى تعزيز الردع العسكري وتحديث القدرات الدفاعية، واقترحت إنشاء تحالف شبه أمني مع تايوان.
وتدعم تاكايتشي مراجعة الدستور السلمي لليابان، ما يعزز صورتها كـصقر سياسي، لكنه يضعها أمام تحديات دبلوماسية دقيقة في التعامل مع الجوار الآسيوي، إضافة إلى اختبار علاقتها مع حليف الحزب المعتدل كوميتو.
توجهات اقتصادية على خط آبي
اقتصاديا، تسير تاكايتشي على خط سياسة آبينوميكس التي أطلقها شينزو آبي، إذ تميل إلى توسيع الإنفاق وخفض الضرائب لتحفيز الطلب.
وقد انتقدت سابقا رفع أسعار الفائدة، مطالبة بنك اليابان بمراعاة هشاشة النمو وتباطؤ الأجور، وفي أولى خطواتها بعد الفوز، أعلنت نيتها توفير حزم دعم وتخفيضات ضريبية، مع التشديد على الحذر المالي.
ومع استمرار قلق الأسواق بسبب الدين العام الهائل، تبقى التحديات الاقتصادية أمامها كبيرة في تحقيق التوازن بين دعم الاقتصاد وضبط العجز المالي.
مدمنة عمل تقود بصلابة
تعترف ساناي تاكايتشي بأنها مدمنة عمل وأنها تخلت عن مبدأ التوازن بين الحياة الشخصية والعمل، ما يعكس شخصيتها الصلبة والمنضبطة، ويثير في الوقت نفسه نقاشا حول ثقافة العمل في اليابان.
ورغم هذه الصورة المتشددة، فإنها تمتلك رؤية تنفيذية واضحة تركز على تخفيف كلفة المعيشة وتعزيز الأمن الاقتصادي، مع الحفاظ على التحالف الاستراتيجي مع الولايات المتحدة في مجالات الاستثمار والدفاع.
كيف اخترقت نادي الرجال؟
نجاح تاكايتشي في الوصول إلى زعامة الحزب الحاكم اعتمد على أربعة محاور أساسية.
أولها البراغماتية السياسية، إذ اختارت الاصطفاف مع التيار المحافظ بدلا من تحديه ،والثاني تمثل في طمأنتها للنواة الصلبة للحزب في قضايا الأسرة والهوية، ما خفف من مقاومة صعودها.
أما المحور الثالث فكان اعتمادها على رصيد إداري ضخم وخبرة في ملفات حساسة مثل الأمن الاقتصادي والإدارة الداخلية، بينما جاء المحور الرابع في استثمارها الحذر لرمزيتها كأول امرأة تقترب من رئاسة الحكومة، دون أن تصطدم بالمؤسسة الحزبية.
زعامة تاريخية أم تجربة عابرة؟
يرى المراقبون أن تاكايتشي ليست ظاهرة نسوية عابرة، بل نتاج طويل لمسار محافظ عرف كيف يخترق منظومة الحزب من الداخل.
فهي لا ترفع شعارات الإصلاح الاجتماعي بقدر ما تقدم نفسها كسياسية صارمة وفعالة تنتمي إلى المؤسسة ذاتها التي كانت تستبعد النساء.
لكن مستقبلها السياسي سيعتمد على مدى نجاحها في إدارة الاقتصاد الياباني المثقل بالدين، والتعامل مع القضايا التاريخية الحساسة في الجوار الآسيوي، وإعادة الثقة الشعبية إلى الحزب الحاكم.
وإذا تمكنت من تحقيق التوازن بين الإنفاق والانضباط المالي، وخففت كلفة المعيشة دون المساس بمصداقية السوق، وفتحت الباب أمام مشاركة أوسع للنساء في الحكم، فإنها قد تسطر صفحة جديدة في تاريخ اليابان.
أما إذا فشلت، فستتحول إلى سطر آخر في سجل الاستثناءات العابرة.