
استقالة مفاجئة تفجّر أزمة حكم في فرنسا

الكاتب : شيماء مصطفى
استيقظ الشارع الفرنسي صباح الاثنين على حدث غير متوقع، بعدما أعلن قصر الإليزيه استقالة رئيس الوزراء سيباستيان لوكورنو وحكومته بعد ساعات قليلة فقط من تسلمه المنصب، وجاءت الخطوة لتعمّق الأزمة السياسية التي تعصف بالبلاد منذ أشهر، وسط انقسام حاد في البرلمان وصعوبات تواجه الرئيس إيمانويل ماكرون في إدارة المشهد السياسي.
ثلاثة خيارات أمام الرئيس الفرنسي
أفادت مصادرنا أن أمام الرئيس ماكرون ثلاثة خيارات لحل الأزمة.
الخيار الأول هو استقالته شخصيا، وهو احتمال مستبعد حاليا.
أما الخيار الثاني فيتمثل في حل الجمعية الوطنية والدعوة إلى انتخابات تشريعية مبكرة، لكن هذا الخيار محفوف بالمخاطر، إذ لا يضمن لماكرون الحصول على أغلبية نيابية تدعم سياساته.
أما الخيار الثالث، وهو الأرجح، فيكمن في تكليف شخصية جديدة بتشكيل الحكومة في محاولة للهروب إلى الأمام دون تغيير فعلي في موازين القوى، خصوصا أن الكتلتين الرئيسيتين في البرلمان من اليسار وأقصى اليمين تستعدان لعرقلة أي حكومة لا تلبي مطالبهما، مما قد يجعل ماكرون رهينة لهما ويهدد بسقوط حكوماته المتعاقبة.
أسباب الاستقالة المفاجئة
كشفت مصادر إعلامية فرنسية أن استقالة لوكورنو جاءت نتيجة خلافات حادة داخل الائتلاف الحاكم واحتجاجات من نواب ووزراء على تشكيلته الوزارية. فقد سمى رئيس الوزراء المستقيل ثمانية عشر وزيرا في حكومته الجديدة، من بينهم اثنا عشر وزيرا خدموا في حكومات سابقة سقطت بحجب الثقة، ما اعتبره معارضوه دليلا على تجاهل الرئيس ماكرون لإرادة البرلمان وإعادة تدوير الوجوه ذاتها.
كما أشارت المعلومات إلى أن لوكورنو كان من المقرر أن يلقي خطاب السياسة العامة أمام البرلمان الثلاثاء، إلا أنه فضّل الاستقالة قبل مواجهة تصويت محتمل على حجب الثقة كانت أحزاب اليسار قد هددت بتقديمه.
سابع رئيس وزراء في عهد ماكرون
تأتي استقالة لوكورنو لتضيف اسمه إلى قائمة رؤساء الحكومات الذين تعاقبوا على المنصب في عهد ماكرون، حيث يعد السابع منذ تولي الأخير الرئاسة. وكان ماكرون قد عيّنه قبل يوم واحد فقط في محاولة لإخراج البلاد من حالة الشلل السياسي، إلا أن الخطوة لم تصمد طويلاً.
في التشكيلة التي أعلنها لوكورنو، تولى برونو لو مير حقيبة الدفاع بعد أن شغل منصب وزير الاقتصاد لسبع سنوات، بينما تسلم رولان ليسكيور وزارة الاقتصاد خلفا له، في مهمة صعبة لإعداد موازنة العام المقبل. كما احتفظ عدد من الوزراء بمناصبهم، بينهم جان نويل بارو في الخارجية، وبرونو ريتايو في الداخلية، وجيرالد دارمانان في العدل، فيما بقيت رشيدة داتي وزيرة للثقافة رغم مواجهتها محاكمة في قضية فساد العام المقبل.
جمود سياسي غير مسبوق
تعيش فرنسا حالة من الجمود السياسي منذ أن دعا ماكرون إلى انتخابات مبكرة منتصف العام الماضي، في محاولة لتعزيز سلطته بعد خسارته الأغلبية البرلمانية، لكن النتيجة جاءت بعكس ما أراد، إذ أفرزت انتخابات منقسمة بين ثلاث كتل كبرى، الوسط المؤيد للرئيس، واليسار، وأقصى اليمين.
هذا الانقسام جعل تمرير أي قانون مهمة شبه مستحيلة، وأدى إلى إسقاط حكومات متتالية بسبب الخلافات على الموازنة وسياسات التقشف ،كما أُقيل اثنان من أسلاف لوكورنو، فرنسوا بايرو وميشال بارنييه، إثر صدامات تشريعية متكررة مع البرلمان.
مستقبل غامض في الإليزيه
مع استقالة الحكومة الجديدة بعد أقل من 25 ساعة على تعيينها، يجد الرئيس الفرنسي نفسه أمام مأزق تاريخي يهدد قدرته على إدارة البلاد حتى نهاية ولايته، وبين الدعوة إلى انتخابات جديدة أو المضي في تشكيل حكومة جديدة، تبدو فرنسا مقبلة على مرحلة من عدم الاستقرار السياسي قد تمتد لأسابيع أو حتى أشهر، ما لم يتمكن ماكرون من كسر الجمود وبناء توافق وطني واسع.