
غزة بعد عامين من الحرب دمار وجوع بلا أفق

الكاتب : شيماء مصطفى
بعد عامين على اندلاع الحرب بين إسرائيل وحركة حماس، لا تزال غزة تعيش واحدة من أكثر الكوارث الإنسانية دمارا في تاريخها الحديث، إذ تتوالى التقارير التي توثّق حجم الخسائر البشرية والمادية والكارثة المعيشية التي تضرب القطاع الساحلي المحاصر.
وتشير أحدث بيانات مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية إلى أرقام صادمة تتعلق بعدد القتلى، وحجم الدمار، ومستويات الجوع والنزوح، ما يعكس واقعًا مأساويا يزداد قتامة كل يوم.
عشرات الآلاف من القتلى في غزة
تؤكد وزارة الصحة في غزة مقتل أكثر من 67 ألف فلسطيني منذ السابع من أكتوبر 2023، وهو اليوم الذي شنّت فيه حماس هجومها على تجمعات إسرائيلية في الجنوب، وتشير الإحصاءات إلى أن ثلث الضحايا تقريبا من الأطفال دون سن الثامنة عشرة.
ولا تميز الوزارة بين المدنيين والمقاتلين في بياناتها، في حين تزعم إسرائيل أن نحو 20 ألفا من القتلى ينتمون إلى الفصائل المسلحة، مؤكدة أن عمليتها العسكرية تستهدف عناصر حماس، بينما تتهم الحركة تل أبيب بارتكاب إبادة جماعية ضد المدنيين.
وفي تقرير صدر مؤخرا، خلصت لجنة تحقيق تابعة للأمم المتحدة إلى أن إسرائيل ارتكبت إبادة جماعية في القطاع، استنادا إلى نطاق عمليات القتل، وهو ما وصفته إسرائيل بأنه استنتاج متحيز ومخز.
خسائر إسرائيل أكثر من 1600 قتيل
من الجانب الإسرائيلي، تشير البيانات الرسمية إلى مقتل 1665 شخصا، بينهم 1200 في هجوم حماس في 7 أكتوبر 2023، كما أعلن الجيش الإسرائيلي مقتل 466 جنديا وإصابة ما يقارب 2950 آخرين خلال العمليات البرية التي بدأت في أواخر أكتوبر 2023.
أما قضية الأسرى، فتبقى واحدة من أكثر الملفات حساسية، إذ تؤكد إسرائيل أن حماس اقتادت 251 أسيرًا إلى داخل القطاع، ولا يزال 48 منهم محتجزين، يُعتقد أن 20 فقط على قيد الحياة، وتدور مفاوضات غير مباشرة لإتمام صفقة تبادل جديدة، لكن مسؤولين يؤكدون أن التوصل إلى اتفاق قريب غير مرجح.
دمار غير مسبوق في البنية التحتية
تحليل صادر عن مركز الأمم المتحدة للأقمار الصناعية أظهر أن نحو 193 ألف مبنى في غزة تعرض للدمار أو الأضرار، فيما طال القصف 213 مستشفى و1029 مدرسة.
ووفق منظمة الصحة العالمية، لا تزال 14 مستشفى فقط من أصل 36 تعمل جزئيا، فيما تواجه المرافق الطبية في جنوب غزة ضغوطا هائلة بسبب تدفق الجرحى والنازحين.
وأعربت مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان عن قلقها العميق إزاء حجم الدمار، محذّرة من أن أي محاولة لنقل السكان قسرا قد تُعتبر تطهيرا عرقيا.
نزوح متكرر وأوضاع إنسانية خانقة
تشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن 18% فقط من سكان القطاع يعيشون حاليا في مناطق لا تخضع لأوامر الإخلاء أو العمليات العسكرية، ومنذ توسع الهجوم الإسرائيلي على مدينة غزة في أغسطس الماضي، سُجل أكثر من 417 ألف حالة نزوح جديدة نحو الجنوب.
ويعيش مئات الآلاف في خيام مؤقتة أو ملاجئ مكتظة، وسط انهيار الخدمات الأساسية ونقص المياه والغذاء، وتصف منظمات الإغاثة الأوضاع بأنها كارثية، مع عجز شبه كامل للبنى التحتية عن استيعاب موجات النزوح المتكررة.
المجاعة تتفشى.و514 ألف شخص مهددون
بحسب أداة التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي IPC، يعيش نحو ربع سكان غزة أي ما يقارب 514 ألف شخص في حالة مجاعة حقيقية، وأكدت وزارة الصحة في غزة وفاة 177 شخصا، بينهم 36 طفلا، بسبب الجوع وسوء التغذية.
كما أوضح صندوق الأمم المتحدة للسكان أن أكثر من 60% من النساء الحوامل والأمهات الجدد يعانين من سوء التغذية، وسط نقص حاد في الرعاية الطبية الأساسية.
المساعدات لا تواكب حجم الكارثة
رغم رفع إسرائيل للحصار جزئيا في مايو الماضي بعد أحد عشر أسبوعا من المنع، فإن تدفق المساعدات ما زال محدودا للغاية ،وتؤكد وكالات الإغاثة أن العقبات اللوجستية مثل إغلاق معبر زيكيم وجسر الملك حسين تعرقل وصول الإمدادات.
وتشير بيانات مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية إلى أن 73% من شاحنات المساعدات الغذائية تم اعتراضها خلال سبتمبر، إما من قبل مدنيين جائعين أو مجموعات مسلحة.
وخلال محاولات الحصول على الطعام، قُتل ما لا يقل عن 2340 شخصا منذ مايو الماضي، نصفهم تقريبًا قرب مواقع الإمداد العسكرية.
وفي المقابل، تؤكد مؤسسة غزة الإنسانية التي تعمل بدعم إسرائيلي خارج منظومة الأمم المتحدة أنها وزعت منذ مايو أكثر من 175 مليون وجبة غذائية، وتنفي وقوع أي حوادث في مواقعها.
عامان من الألم بلا أفق للحل
بعد عامين على اندلاع الحرب، تبدو غزة غارقة في مزيج من الدمار والجوع واليأس، فيما تتواصل المفاوضات الهشة دون مؤشرات على نهاية قريبة. وبينما تتحدث إسرائيل عن أمنها القومي، يواجه أكثر من مليوني إنسان في القطاع كارثة وجودية تهدد ما تبقى من حياتهم وبيوتهم ومستقبلهم.