المصدر / وكالات - هيا
قال الخبير الصيني وو بينغ بينغ، أستاذ دراسات الشرق الأوسط، ونائب مدير قسم اللغة العربية والثقافة بجامعة بكين، إن الحرب العسكرية المباشرة بين الصين والولايات المتحدة الأميركية مستحيلة نظرًا للقدرات التدميرية لكليهما، ولتشابك المصالح العميق بين البلدين، وأشار إلى وجود أربعة تناقضات بين بكين وواشنطن، فضلًا عن الحرب التجارية التي برزت خلال العامين الماضيين بصورة ظاهرة، وتتمثل في الخشية من نقل سلسلة الإمداد من الصين إلى الدول الأخرى، وتحميل الصين المسؤولية عن انتشار وباء كورونا، إضافة إلى استقلال تايوان، وقضية بحر الصين الجنوبي الذي لا تعترف الولايات المتحدة بسيطرة بكين عليه.
وأوضح أنه إذا أعلنت تايوان الاستقلال فإن الصين سترد على هذه الخطوة، وربما ستشترك اليابان في الدفاع عن تايوان وليس الولايات المتحدة، مبيّنًا أن الصين تتجنب الصراع مع الولايات المتحدة كونه يخلق مشكلة للعالم كله، ولا تطمح إلى قيادة العالم، إلى جانب أنها ليست بصدد الدخول في حرب باردة على غرار الحرب البادرة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي التي قسّمت العالم إلى قطبين.
وأشار إلى نجاح الصين في هذه المرحلة في السيطرة على فيروس كورونا، بفعل الحجر الصحي والإغلاق، لكنها دفعت ثمنًا غاليًا اقتصاديًا، فخلال الربع الأول من العام 2020 انخفض الاقتصاد الصيني بنسبة 12%، كما انخفضت التجارة بنسبة بنسبة 6.4%، وانخفضت التجارة مع الولايات المتحدة بنسبة 18%، ومع الاتحاد الأوروبي بنسبة 10%، ومع اليابان بنسبة 8%، في حين زادت بين الصين والدول الآسيوية والأفريقية بنسبة 3%.
جاء ذلك خلال ورشة رقمية نظّمها المركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والدراسة الإستراتيجية (مسارات) لبحث تداعيات النظام العالمي ما بعد كورونا عبر برنامج زووم، بمشاركة 40 باحثًا من السياسيين والأكاديميين والباحثين ونشطاء المجتمع المدني والشباب، ومشاهدة المئات لها عبر البث المباشر على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي. وقد أدار الحوار هاني المصري، مدير عام مركز مسارات.
ورحب المصري بالخبير الصيني والمشاركين، وأشار إلى وجود اتفاق عام بأن العالم ما بعد كورونا يختلف عما قبله، ولكن الاختلاف إلى أي مدى وكيف، موضحًا أن هناك آراء تشير إلى أن النظام الجديد سيتشكل بعد كورونا، وآراء أخرى ترى أن الوضع لن يتغير كليًا ولن تنتهي العولمة.
وأشاد المصري بتجربة بكين في مواجهة وباء كورونا، حيث كانت التجربة مدهشة وحققت نتائج ناجحة باستخدام الوسائل التكنولوجية والإغلاق التام والتباعد الاجتماعي. وتساءل حول هل ستكون الصين القوة الأولى في العالم، مبينًا أن هناك آراء متباينة حول ذلك، فمنهم من يقول إن ذلك بحاجة إلى 5- 10 سنوات، وبين من يقول إن الصين نفسها وضعت خطة لتحقيق ذلك في العالم 2050، وهي ليست في عجلة من أمرها لتكون الدولة الأولى في العالم.
وأضاف: تميّزت الصين بموقف داعم للقضية الفلسطينية، ولكن طموحنا أن يكون هذا الموقف أكثر فعالية، لا سيما في ظل التطورات الأخيرة بعد طرح رؤية ترامب، وانتقال الإدارة الأميركية إلى موقف الشراكة مع الاحتلال، والدعم الأميركي اللامحدود لليمين الإسرائيلي، بما يؤدي إلى حدوث فراغ، ويمكن أن تملأه إسرائيل بالضم والتهجير، وما يمكن أن يؤدي إليه ذلك من انعكاسات على الأمن والاستقرار في المنطقة والعالم.
وتطرق بينغ بينغ إلى الدعم الصيني الذي قدمته بكين للدول لمواجهة وباء كوورنا، وخاصة الدول الأفريقية، إذ قدمت الدعم والمعرفة لـ 50 دولة أفريقية، ومحاولات بكين الحثيثة لتطوير لقاح لهذا الفيروس، لافتًا إلى مبادرة الرئيس الصيني شي جين بينغ حول "رابطة الصحة المشتركة للبشرية"، ومشيرًا إلى أنها بصدد تقديم ملياري دولار خلال العامين القادمين للدول لمكافحة الوباء وتداعياته، وخاصة التقليل من نسب البطالة، موضحًا أن الصين أيضًا بصدد خلق فرص عمل لعشرة ملايين صيني لتقليل نسبة البطالة، وحتى لا يزيد معدل البطالة عن 6%، لا سيما في ظل تخريج الصين لـ 8 ملايين طالب جامعي سنويًا.
وأوضح أن الصين تتمسك بمبدأ السيادة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، وأن سياسة بكين في الشرق الأوسط تقوم على التعاون بشكل متوازن، فهي تتعامل مع إيران والسعودية وقطر والإمارات وتركيا ومصر وإسرائيل، موضحًا أن الصين تريد الصداقة لا العداوة مع الدول، وأن علاقتها بإيران طبيعية وليست خاصة كما تروج الولايات المتحدة.
وتطرق إلى مبادرة "الحزام والطريق" التي أعلن عنها الرئيس الصيني، موضحًا أنها تتركز في أربعة مجالات، وهي: البنى التحتية، والتصنيع، والطاقة، والقطاع المصرفي.
وأشار إلى وجود اتجاه عالمي نحو العولمة الإقليمية، من خلال تعزيز التعاون بين الدول داخل الإقليم، وإلى رأي آخر بين الباحثين الصينيين حول وجود نوع آخر من العولمة، وهي العولمة المتوازية التي تتمثل في عولمة بقيادة الولايات المتحدة وترفض الاشتراك الصيني فيها، في حين ستستمر الصين في العولمة مع الأصدقاء والشركاء. وأضاف: أن بكين لا تسعى إلى تغيير المنظومة الدولية، بل تسعى إلى إصلاحها.
ولفت بينغ بينغ إلى أهمية تعزيز التعاون واللقاءات بين الباحثين الفلسطينيين والصينيين، وتبادل الخبرات في مختلف المجالات، بما يمهد لتعزيز التعاون في المجال الاقتصادي وغيره من المجالات.
وطرح المشاركون أسئلة حول حول إمكانية تطور الخلافات بين الولايات المتحدة والصين إلى النزاع العسكري، أم ستكون في محور الحرب الباردة، وما طموحات الصين في قيادة العالم، والإجراءات والخطوات الصينية في مواجهة الاتهامات الأميركية.
كما تساءل البعض حول الدور الذي يمكن أن تلعبه الصين في النظام الاقتصادي العالمي بما يتناسب مع حجمها كقوة عظمى، وكذلك حول الصراع الثقافي والأيديولوجي الذي يمكن أن ينشأ في العالم بعد كورونا، إضافة إلى مبادرة الحزام والطريق طريق الحرير الجديد وما يمكن أن ينشأ عنها من تحالفات دولية وإقليمية، وعلاقة الصين بدولة الاحتلال الإسرائيلي والقضية الفلسطينية، وموقفها من سيطرة النظام الإمبريالي العالمي وممارسة الضغوط السياسية على مجلس الأمن والأمم المتحدة من خلال التحكم في التمويل.