المصدر / وكالات - هيا
قال الكاتب ايليا ج. مغناير في مقال له في صحيفة “الراي” الكويتية ان ايران تتجه العام المقبل لتصبح قوة نووية بقدرات تسليحية عالية.
وقال الكاتب في مقاله “فشل الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون في إقناع الإدارة الأميركية بمبادرته نحو إيران بعدما كان الرئيس دونالد ترامب أعطى موافقتَه على تلك المبادرة. وهذا ما دَفَعَ إيران لإتخاذ الخطوة الثالثة التدحْرجية في سياق الإنسحاب من الإلتزام الموقّع العام 2015 تحت مسمى الإتفاق النووي. وهذا إن دلّ على شيء فهو يدلّ على نقطتين مهمتين:
أولاً، ان إيران حذفت مصطلح التسليم والمهادنة من منطقها لأنها أصبحت قوة إقليمية يُحسب لها ألف حساب.
وثانياً، أن أوروبا لن تستطيع الإلتزام بتعهداتها التي وقّعت عليها بما يحول دون قيام إيران بخطوات أخرى ترجمةً لإنسحابها الكلي من الإتفاق النووي في المرحلة المقبلة ما سيجعلها دولة نووية قادرة – وليس بالضرورة أنها ستأخذ هذا الإتجاه – على صنع عشرات القنابل النووية خلال أقل من سنة واحدة وقبل الإنتخابات الأميركية المقبلة في نوفمبر 2020.
إذا وصلت إيران إلى هذا المستوى من التخصيب ووصلت إلى حد الـ90 في المئة الذي تحتاجه لإنتاج القنابل النووية التي ترعب الغرب، فإن من غير المستبعد أن تفكر إسرائيل وأميركا بضرْب قدرات إيران. وإذا حصل ذلك فإن الشرق الأوسط سيتعرّض لهزّة عنيفة لا يستطيع أحد تصوّر نتائجها. وإذا لم تضرب إسرائيل، فإن هذا سيجعل من عودة إيران إلى الوراء مستحيلاً وسيجعل مركزها المُفاوِض أقوى بكثير من أي زمن وبالتالي فأن أي إتفاق نووي مستقبلي لن يكون ممكناً.
وترى إيران – حسب مصادر في صنع القرار في طهران – أنها تتجه ليس فقط لأن تصبح دولة ذات قوة نووية كاملة القدرات بل تتجه أيضاً للإكتفاء شبه الذاتي والابتعاد عن الإعتماد الأساسي في الإقتصاد على بيع النفط وإلى زيادة صناعاتها المحلية، وخصوصاً أنها تنفق على التطور الصاروخي الذي أصبح يُعتبر قوة الردع الأساسية لإيران بالإضافة إلى قوة ردع حلفائها في الشرق الأوسط من لبنان إلى سورية فالعراق وصولاً إلى اليمن.
لقد إتبعت إيران إلى هذا اليوم، سياسة الصبر وخصوصاً منذ إعلان الرئيس ترامب تمزيق الإتفاق النووي. وأعطت لأوروبا عاماً كاملاً قبل البدء بالإنسحاب التدريجي الذي يعطيها إياه الإتفاق النووي الذي وقّعه الرئيس باراك أوباما العام 2015 بعدما إقتنع بأن العقوبات القصوى التي تُفرض على إيران لا تأتي بأي نتيجة.
وفي قمة الدول السبع في فرنسا، قَطَعَ وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف زيارته لبكين وتوجّه إلى فرنسا بناءً على طلب الرئيس ماكرون الذي رأى بصيص أمل بإقناع ترامب بالعودة عن قرار منع شراء النفط الإيراني. وإعتبر الرئيس الإيراني حسن روحاني أن هناك فرصة حقيقية وأن ترامب – بحسب المصادر المطلعة – سيقبل السماح لأوروبا ودول أخرى بشراء النفط الإيراني في مقابل عودة طهران إلى طاولة المفاوضات. وهذا ما دفع روحاني المخضرم إلى الإعلان أنه يقبل الجلوس مع أي شخص من شأنه حلحلة الأمور. إلا أن وصول ظريف إلى فرنسا ليأخذ الخبر الأكيد من ماكرون لم يكن ذو نتيجة إيجابية لأن ترامب أعاد النظر بقراره وتراجع عمّا وعد به الرئيس الفرنسي وتالياً نَسَفَ المبادرة التي ولدت حينها.
وقد فهم ماكرون أن المشكلة لا تكمن في ترامب نفسه بل في “مستشاريه” بدءاً من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الخارجية مايك بومبيو ورئيس مجلس الأمن القومي جون بولتن. وهكذا بدأت العجلة الفرنسية بالتحرك نحو البنتاغون لإقناع وزير الدفاع مارك أسبر الذي يملك ثقلاً غير قليل ضمن إدارة ترامب ليكون صوتاً عاقلاً قبل أن تفلت الأمور وتذهب إيران في الإتجاه الذي لا عودة منه.
ولم يقبل ترامب أن تمنح أوروبا خط إئتمان بقيمة خمسة عشر مليار يورو (وليس دولار) لإيران. وقصة هذا الإئتمان أن أوروبا كانت إتفقت مع إيران على شراء 700000 برميل نفط يومياً. إلا أنها تراجعتْ عن قرارها بسبب الخوف من العقوبات الأميركية التي تمنع أي دولة من شراء النفط من طهران. وقد قدّر نائب وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي القيمة المتوجب على أوروبا دفعها بـ15 مليار يورو. وقبِلت إيران أن تضع أوروبا هذا المبلغ بتصرفها لشراء أي سلع تريدها، أو تأخذ المبلغ نقداً. إلا أن نظام INSTEX الأوروبي يسمح لطهران بإستيراد الغذاء والدواء وهو الأمر الذي لا ينفع إيران أبداً ولن تقبل به.
ستستمرّ إيران ببرنامجها النووي وستسمح للوكالة الدولية بالمراقبة، ولكنها لن تنفذ شقاً فنياً من الإتفاق بحسب ما يسمح لها البندان 26 و 36 من الإتفاق النووي الذي وُقّع في ظل روحٍ من إنعدام الثقة بين الأطراف وتتجه تالياً إلى إنتاج تخصيب اليورانيوم بأجهزة طرد مركزية من الجيل السادس والثامن والعالية الإنتاجية والتي تستطيع تخصيب 24 مرة أسرع من الأجهزة من الجيل الأول والثاني التي يسمح لها الإتفاق بذلك بحسب البند 39 من إتفاق عام 2026.
لقد إستنفذت أميركا كل أوراقها في وجه إستراتيجية الصبر الإيرانية التي إتبعتها منذ قيام الثورة العام 1979 لأنها عاشت في ظل العقوبات الأميركية منذ ذاك التاريخ. ولم يعد لأميركا شيء تفعله سوى منع أوروبا من التقارب مع إيران والإلتزام بتعهداتها. وراهنت الولايات المتحدة على إنشاء تحالفات عربية وأوروبية ودولية وذهبتْ حتى إلى طرْح فكرة إنشاء ناتو عربي وإعتقدت أن النظام الإيراني سينهار خلال أشهر. وراهنت على ثورة الشعب وإنقلاب داخلي وكل هذا لم يحصل وتماسك الشعب مع نظامه بغض النظر عمن يوافقه أو يعارضه.
وأسقطت إيران طائرة أميركية متطورة ولم تسقط أخرى مأهولة لتفادي التسريع بالحرب. وضربت ناقلات نفط وإحتجزت أخرى وتحدّت أميركا وبريطانيا وأظهرت إستعدادها للحرب دون الدفع نحوها. وفشلت أميركا بتقويض الردع الإيراني الإقتصادي والعسكري وكشفت عن إستعداد حلفائها في العراق وسورية ولبنان اليمن للدخول في الحرب إذا شُنّت عليها. وتوحد الإصلاحيون والمتشدّدون خلف الأمن.
لقد حضّرت طهران للمفاوضات مثل تحضيرها للسجاد الإيراني: فهي تحتاج لسنوات لحياكتها ولسنوات أطول لبيعها. فقد إحتاجت لسنين طويلة للتوصل لإتفاق نووي يرضي الجميع إلى أن أتى ترامب وأعاد عقارب المفاوضات إلى الوراء في شكل خسرت معه أميركا وأوروبا المبادرة. ورغم أن الولايات المتحدة تروّج أن سياسة الحصار وسياسة الخنق قد نجحت، فإن الظاهر أن سياسة الصبر الإيرانية تدلّ على نجاح أكبر وملموس.
ولن تستطيع أوروبا مجابهة أميركا ولن تستطيع تطويع إيران للعودة إلى طاولة المفاوضات لأنها لا تستطيع تقديم شيء لإيران التي أصبحت أقوى من قبل وقد برزت قوةً عسكرية وإقتصادية وديبلوماسية فرضت نفسها على المنطقة.
ويُفهم من مصادر القرار في طهران أن إيران التي تملك تكنولوجيا نووية حديثة وبرنامجاً تسليحياً متطوراً وحلفاء أقوياء تعتمد عليهم كما يعتمدون عليها، تعتقد أن مفاوضات المجتمع الدولي بعد نوفمبر 2020 مع إيران لن تكون مثل مفاوضات 2015 لأن إيران لن ترضى بما وقّعت عليه وألزمت نفسها به”.