المصدر / وكالات - هيا
أدخلت جائحة كورونا -بما تشكله من تهديد للنسيج الاجتماعي والاقتصادي- العديد من حكومات العالم في أزمة وجودية، وألجأت السياسيين الشعبويين بصورة خاصة -بعد أن فشلوا في الاستجابة لأزمة الصحة العامة بسرعة وكفاءة- إلى البحث عن كباش فداء بين الأقليات، وخاصة المسلمة، لتبرير ما لديهم من قصور.
بهذه المقدمة، افتتح الكاتب عمر سليمان مقالا في موقع الجزيرة الإنجليزية، قال فيه إن المسلمين بصورة خاصة في العديد من البلدان حول العالم، يواجهون الآن جائحة تهدد حياتهم وسبل معيشتهم، كما يواجهون أيضا ارتفاعا في رُهاب الإسلام المؤسسي ضدهم.
ودعا الكاتب -وهو عالم مقيم في كندا- العالم للتحرك على الفور وبشكل حاسم لمحاسبة هؤلاء القادة والحكومات، وضمان عدم استغلال "كوفيد-19" لصعود الفاشية.
ففي الهند -كما يقول الكاتب- اتهمت وسائل الإعلام وحزب بهاراتيا جاناتا القومي الهندوسي الحاكم، عند ظهور كوفيد-19، أعضاء من الجالية المسلمة التي يبلغ قوامها مئتي مليون في البلاد، بأنهم "ناشرون فائقون" للفيروس.
ففي أواخر مارس/آذار الماضي، أطلق سياسي من حزب بهاراتيا جاناتا على تجمع ديني مسلم في نيودلهي لقب "إرهاب كورونا"، وزعم أن التجمع تسبب في نشر الفيروس، ودعا إلى معاقبة المسلمين الذين حضروه بنفس "عقوبة الإرهابيين".
وفي السياق نفسه، طالب نائب في الحزب بمقاطعة البائعين المسلمين واتهمهم "بتلويث الخضروات باللعاب"، ونتيجة لذلك، أصبح "جهاد كورونا" موضوعا شائعا على وسائل التواصل الاجتماعي، وواجه بسببه العديد من المسلمين اعتداءات جسدية ولفظية.
وفي الوقت الذي واصل فيه السياسيون جهودهم لإلقاء اللوم على المسلمين فيما يتعلق بالانتشار السريع للفيروس في البلاد، قامت المؤسسات الإعلامية الموالية للحكومة بعرض برامج ونشر تقارير تدعم هذا الاتهام الذي لا أساس له، كما يقول الكاتب.
فرصة ضد الإسلام
وتعاملت الحكومة الهندية مع جائحة كورونا باعتبارها فرصة لمضاعفة سياساتها المعادية للإسلام. ومنذ بدء حالة الطوارئ الصحية العامة، لم تكتف هذه الحكومة باستخدام المسلمين كبش فداء لصرف الانتباه عن أوجه القصور في استجابتها للفيروس فحسب، بل تمكنت أيضا من تعميق التحيّز لدى الأغلبية الهندوسية ضد هذا المجتمع، بحسب رأي الكاتب.
أما في سريلانكا المجاورة للهند، فقد اختارت الحكومة -بحسب الكاتب- استخدام الوباء ذريعة لوصم المسلمين ولنشر الخوف من الإسلام، رغم أن الجزيرة ذات تراث نابض بالحياة متعدد الأديان والأعراق.
وأشار الكاتب إلى أن وسائل الإعلام والسياسيين في سريلانكا معتادون على نشر الدعاية المعادية للإسلام في مواجهة الهجمات التي تشنها الجماعات الإسلامية المتطرفة، مما زاد من كراهية الإسلام وأدى إلى تهميش المسلمين في البلاد، وجعلهم عرضة للعنف على أيدي القوميين، دون أن تقوم الحكومة بما يكفي لحمايتهم وتقديم من يهاجمونهم للعدالة.
وفي هذا الجو -كما يصف عمر سليمان- ليس من المستغرب أن تسارع بعض المنظمات الإعلامية البارزة والقوميين المقربين من الحكومة الحالية، مستغلين جائحة كورونا، إلى إلقاء اللوم على المسلمين الذين يشكلون ما يقرب من 1% من السكان، بأنهم مسؤولون عن انتشار الفيروس في البلاد.
فرض حرق الجثث
وكما هي الحال في الهند، اعتبرت الممارسات الدينية الإسلامية "وسيلة نشر فائقة للفيروس"، وتم تحذير السريلانكيين من الأغلبية البوذية من شراء المواد الغذائية من البائعين المسلمين.
وفي أبريل/نيسان -كما يقول الكاتب- جعلت الحكومة إحراق جثث ضحايا كورونا إجباريا، وهو ما يتعارض مع المعتقدات الإسلامية المتعلقة بدفن الموتى، وبالتالي فهو لا يحرم هذه الأقلية من أداء واجب ديني أساسي فقط، بل يساهم في تضخيم التصور المنتشر بأن الممارسات الدينية الإسلامية تساعد على انتشار الفيروس.
وبما أن الإسلام في صميمه يقدس الحياة ويكرم الموتى، فإن المسلمين لديهم أربع واجبات كحق للميت: غسل جسده وتكفينه بثياب نظيفة ثم الصلاة عليه ودفنه، وقد وافقت غالبية الجاليات المسلمة في سريلانكا وأماكن أخرى على تعديل ممارسات الدفن وفقا للتدابير اللازمة لوقف انتشار الفيروس، وخاصة فيما يتعلق بالواجبين الأولين.
رهاب الإسلام
ومع أنه لا يوجد أساس علمي للادعاء بأن دفن جثث الضحايا يساهم في انتشار الفيروس، فإن قرار الحكومة السريلانكية بجعل حرق الجثث إلزاميا للجميع، يراه البعض عملا صارخا في صميم رهاب الإسلام المؤسسي.
وتقوم البلدان في جميع أنحاء العالم -من أوروبا إلى أفريقيا وأميركا الشمالية- بدفن ضحايا "كوفيد-19″، وفقا للإرشادات التفصيلية الصادرة عن حكوماتها، ودون التسبب في أي خطر على الصحة العامة.
وأشار الكاتب إلى أن الهند وسريلانكا ليستا الدولتين الوحيدتين اللتين يواجه فيهما المسلمون مخاطر متزايدة وإساءة معاملة وتمييزا بسبب أزمة كورونا، إذ إن الإيغور والأقليات المسلمة التركية الأخرى في الصين تتعرض لأشكال من الانتهاكات لا يمكن تصورها.
وقد زادت معاناة مسلمي الروهينغيا أيضا بسبب وباء كورونا -كما يقول الكاتب- بعد تأكيد انتشاره، بحيث يعيش مئات الآلاف منهم في مناطق ذات كثافة سكانية عالية بمخيمات في بنغلاديش، بعد فرارهم من ميانمار التي تعرضوا فيها عام 2017 لإبادة جماعية بحسب الأمم المتحدة.