المصدر / محمد خلفان الصوافي
شهدت الأيام الأخيرة أحداثاً سياسية وأمنية عربية مهمة، أبرزها: اختتام تمرين «رعد الشمال» الذي حمل الكثير من الرسائل إلى خارج العالم العربي، واختيار أمين عام جديد لجامعة الدول العربية بعد اختلاف عربي «معتاد» حول المرشح. إضافة إلى تصنيف «حزب الله» اللبناني بوصفه تنظيماً إرهابياً، الأمر الذي تسبب في ظهور انشقاق في المواقف العربية، بحجة أن هذا التصنيف يخدم إسرائيل في مؤشر غريب لتبرير تجاوزات هذه الميليشيات! كذلك تم فك حصار مدينة «تعز» اليمنية، معقل الحوثيين الذين يعدون من أذرع النظام الإيراني في المنطقة، فضلاً عن تسريبات بأن هناك بوادر إغلاق للملف اليمني، كما تم اعتقال مسؤول وحدة الأسلحة الكيماوية في تنظيم «داعش»، سليمان داوود العفاري، وإصابة أحد كبار القادة العسكريين في التنظيم.
للوهلة الأولى، بدا الأمر للبعض وكأنه لا رابط بين تلك التطورات والأحداث سوى أنها تحدث في إقليم جغرافي واحد سمته الأساسية أنه «ملتهب» منذ أكثر من خمسة أعوام، وأن هذه التطورات ليست إلا جزءاً من هذه الصفة، وبالتالي لا ينبغي أن نعطي تلك الأحداث أهمية أكثر من كونها إفرازات هذه المرحلة من الزمن العربي المتراجع.
لكن في الحقيقة، هناك رابط مهم يتمثل في تهيئة سياسية واجتهادات عربية خالصة لأن يكون مصير منطقتهم في عهدة أبنائها، وأن أي أفكار خارجة عما يريده أبناء هذه المنطقة ستبقى مجرد «خطط» مرسومة في أذهان أصحابها، ولن تصلح لأن تنفذ على أرض الواقع فيها.
يبدو أن هناك رغبة لتوحيد الجهود العربية والتكامل في المجالات المختلفة، بل الدخول في وحدات عسكرية وسياسية، وقد أصبح الحديث عن التقارب هو الأكثر وضوحاً، والرغبة في إعادة الهيبة إلى القرار السياسي العربي هي السائدة، ولم يعد القبول بالأمر الواقع الذي اعتدنا أن تفرضه بعض الأذرع والأحزاب مقبولاً، بل باتت هناك خطوات فعلية لتدمير تلك الأذرع، وإعادة البناء الوطني، وهذه المؤشرات جميعاً تمكننا من قراءة ملامح مستقبل العرب على نحو مختلف.
إن الاعتقاد السائد في السابق (وهذا السابق قبل عام فقط) بإمكانية حذف العرب من أي معادلات إقليمية لم يعد له مصداقية في الواقع. وغطرسة إيران وتباهيها بأن العواصم العربية تتساقط الواحدة بعد الأخرى لم تعد كما كانت، بل إن هناك رغبة عربية حقيقية، على الأقل من بعض قيادات الدول العربية، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، في أن تعالج بنفسها التحديات الماثلة للأمن القومي العربي، وعدم ترك القرار العربي مرهوناً لدى الآخرين، حتى ولو كانوا من الحلفاء الاستراتيجيين.
ولعل النقطة المهمة هنا، والتي ينبغي أن يدركها العرب جميعاً، هي أن مصلحة العرب، بعيداً عن الإرث التاريخي والثقافي، تكمن في توحيد مواقفهم السياسية وقراراتهم، لأنه لا ينبغي أن نتوقع من إيران أو تركيا أو حتى إثيوبيا أي حسن نية، إذا كنا نتحدث عن طبيعة النظام الدولي، ففي العلاقات الدولية الكل يبحث عن تعريف مصالحه الاستراتيجية حتى لو تطلب ذلك أحياناً فقدان «الحكمة» والعقل في السلوك السياسي.
إيران تحديداً، هي الخصم الأساسي للعرب أو الأكثر شراسة على الأقل، لأن للجميع أطماعاً في الإقليم، وهي اليوم تبدو مذهولة من السياسة السعودية والإماراتية في أكثر من ملف، وهي لا تريد أن تصدق الواقعية السياسية لهاتين الدولتين. فإذا كانت مرحلة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود عرفت بحسها الاستراتيجي الدقيق، متمثلة في مفاجأة أطماع إيران ومواجهتها، فإن الدبلوماسية الإماراتية عرفت بجرأتها في اتخاذ القرارات التي تستبق التحولات الكبرى في المنطقة.
ويؤكد كثير من المراقبين أن الخطوات التي تقوم بها الدولتان في مواجهة التمدد الإيراني، سواء في حرب إعادة الشرعية في اليمن أو سياسة «التقفيل» ضد إيران في المنطقة، هي خطوات نابعة من رؤية استراتيجية واحدة، وأن ما يتم هو ليس انفعالاً لحظياً، بل هو تعبير عن سياسة «المعاملة بالمثل»، بعدما فشلت كل المحاولات الخليجية التي كانت تنطلق من مبدأ حسن النية.
الذي يقرأ مجريات الأحداث في الساحة العربية عموماً والخليجية بشكل خاص، يدرك أن هناك سياقاً واضحاً وخطاً واحداً تجاه «إرادة سياسية» عربية مستقلة وضعت مصالح أوطانها في المرتبة الأولى. ومن يقارن ما كانت تفعله إيران قبل عام تقريباً بما تفعله اليوم، يدرك أهمية التضامن العربي وأثره في الردع ومواجهة كل ما يهدد أمن العرب واستقرارهم.
* نقلا عن الاتحاد