المصدر / عماد الدين حسين
عندما استيقظ المصريون من نومهم صباح الاثنين الماضى، فإن كل من كان معه جنيه مصرى، قد خسر ١٤٪ من قيمته، وكل من كان معه دولار أمريكى قد كسب ١٤٪ من قيمته أمام الجنيه وكذلك الحال بالنسبة لغالبية العملات الأجنبية مثل الاسترلينى واليورو والريال والدرهم، الحسبة السابقة هى ترجمة للقرار التاريخى الذى اتخذه البنك المركزى بقيادة طارق عامر صباح الاثنين بإحداث ما يشبه «التعويم الجزئى» للجنيه وخفضه من 773 إلى ٨٨٥ جنيها مقابل الدولار أى خفضه ١١٢ قرشا مرة واحدة فى خطوة غير مسبوقة على الإطلاق.
هذا القرار سيكون له تأثيرات كثيرة متنوعة بعضها سلبى جدا وبعضها ايجابى، لكن النتيجة النهائية ستتوقف على كيف يكون التصرف الحكومى الشامل فى هذه القضية.
سألت أحد الخبراء الذين أثق فى رأيهم، لأنهم يجمعون بين العلم والممارسة، والأهم أنه يعرف جيدا ماذا يحدث فى المنطقة والعالم فى الاقتصاد والسياسة، عن رؤيته فقال: الدولار كان يباع فى السوق خلال الشهر الأخير بما يتراوح بين تسعة جنيهات ونصف إلى عشرة جنيهات، وكان المستفيد الأكبر هو المضاربون عليه، ثم اننا لا نعرف قيمته الفعلية على ارض الواقع، وبالتالى فعندما يقوم البنك المركزى بتخفيض قيمته بنسبة ١٤٪، فإنه يكون قد بدأ أولى الخطوات الفعلية لإصلاح الخلل الموجود فى السوق، لكن ذلك لن يؤدى بمفرده أبدا إلى حل المشكلة العويصة.
فى رأى هذا الخبير فإن تخفيض قيمة الجنيه تشبه إعطاء «مسكن» للمريض الذى هو الاقتصاد المصرى، هذا المسكن سيهدئ الألم قليلا، لكنه لن يقضى عليه، والعلاج الفعال هو تناول «المضاد الحيوى»، الذى هو باختصار معالجة عجز الموازنة المتفاقم و«الاستثمار» بأنواعه المختلفة، من صناديق الاستثمار إلى السندات وبالطبع الاستثمار المباشر الذى يضخ أموالا جديدة فى السوق ويا حبذا لو كان استثمارات اجنبية تقيم مصانع ومشروعات وتنتج سلعا وتوظف عمالة، وتولد فرص عمل جديدة.
ومن دون اتباع هذه الروشتة فإن أى إجراءات هى تضييع وقت، وفى أفضل الأحوال ستؤدى فقط إلى تأجيل المشكلة لعامين مثلا، وبعدها نعود للمشكلة مرة أخرى، وربما بصورة اسوأ ــ لا قدر الله.
فى رأى هذا الاقتصادى الكبير فإنه يتوقع أن تزيد أسعار المواد البترولية خلال الشهرين المقبلين، كما يتوقع ان يرتفع الدولار أمام الجنيه بنسبة تتراوح بين 7% و ١٠٪ حتى نهاية العام الحالى بحيث يزيد سعر الدولار إلى ٩٧٠ قرشا وقد يصل إلى عشرة جنيهات رسميا. ومع سعر فائدة ١٣٪ تقريبا للإيداع بالجنيه و٥٪ للشهادات الدولارية فقد يتمكن البنك المركزى من توفير العملة الصعبة، لكن مرة أخرى، فكل ذلك مرتبط بضرورة البدء فى العلاج الأساسى للمرض، حتى يتعافى المريض .
سوف يسأل البعض السؤال الجوهرى وهو: وما الذى سيحدث للأسعار؟!
الإجابة الحتمية انها سترتفع، وهى قد ارتفعت بالفعل. ثم انها من دون شبكة حماية اجتماعية حقيقية للفقراء ومحدودى الدخل فإن هناك مشاكل اجتماعية كثيرة متوقعة.
فى رأى الخبير فإنه لا مفر من اتباع الروشتة الصعبة حتى تبدأ مصر طريق الخروج من المصيدة العالقة فيها منذ سنوات، خصوصا قضية الدعم وبالأخص دعم الطاقة، الذى لا يستفيد الفقراء منه بصورة حقيقية، بل قد يذهب معظمه فعلا إلى غير مستحقيه.
قد يبدو الكلام السابق منطقيا وفنيا، لكن السؤال الجوهرى مرة أخرى هو: كيف يمكن التوفيق بين الإصلاح الفنى الذى يحتاجه الاقتصاد المصرى وتصر عليه مؤسسات التمويل الدولية، وبين عدم انفجار الوضع الاقتصادى والاجتماعى الذى سيشعر به غالبية المصريين وليس فقط الفقراء؟
ذلك هو السؤال الجوهرى، وإجابته تتوقف على حزمة الإجراءات والسياسات التى ستتبعها الحكومة فى الفترة المقبلة وخصوصا كيفية توزيع الأعباء وتحميلها قدر الإمكان للقادرين وليس للمعدمين الذين «يكحون التراب» حسب تعبير أحد أصدقائى.
قرار البنك المركزى صباح الاثنين ستكون له تأثيرات متنوعة ومستمرة فى الفترة المقبلة، نسأل الله ان يجنب مصر وفقراءها كل مكروه.
* نقلا عن الشروق المصرية