المصدر / وكالات - هيا
يحرّك مشروع الدستور الانتقالي، الذي أعدته ورعته اللجنة التسييرية لنقابة المحامين السودانيين، المياه الراكدة في السودان، لجهة كونه أول مقترح عملي للخروج من أزمة انقلاب 25 أكتوبر الماضي.
يحرّك مشروع الدستور الانتقالي، الذي أعدته ورعته اللجنة التسييرية لنقابة المحامين السودانيين، المياه الراكدة في السودان، لجهة كونه أول مقترح عملي للخروج من أزمة انقلاب 25 أكتوبر الماضي.
لكن القبول به من أطراف الأزمة يبقى هو التحدي، في ظل انقسام المواقف الداخلية منه وذهاب البعض إلى مهاجمته بوصفه "تكراراً لخطأ القوى السياسية في إعداد الوثيقة الدستورية لعام 2019"، على الرغم مما يتضمنه من تكريس لمدنية الدولة وإنهاء مفاعيل الانقلاب.
تفاصيل مشروع الدستور السوداني
ويتكون المشروع من ديباجة و12 باباً و76 مادة، وينطلق من مبادئ ثورة ديسمبر 2018 ممثلة في الحرية والسلام والعدالة، طبقاً لما جاء في الديباجة.
ويستفيد من تجربة الفترة الانتقالية التي أعقبت سقوط نظام الرئيس المعزول عمر البشير.
كما تؤكد الديباجة ضرورة إسقاط انقلاب قائد الجيش الجنرال عبد الفتاح البرهان والقضاء نهائياً على الانقلابات العسكرية وعنف الدولة وحكم الفرد.
ويستلهم المشروع الدستوري مواثيق لجان المقاومة السودانية وكل المبادرات التي تقدمت بها قوى الثورة، ويؤكد أن المواطنة أساس للحقوق والواجبات، ويشرعن لحكم مدني ديمقراطي، ويلتزم بتفكيك تمكين نظام الثلاثين من يونيو، نظام عمر البشير، وتفكيك بنية انقلاب البرهان.
وينصّ المشروع في أول مواده على إلغاء الوثيقة الدستورية لسنة 2019 وإلغاء كل القرارات التي صدرت في 25 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، تاريخ انقلاب البرهان، أو بعده، بما في ذلك كل الاتفاقيات الإقليمية والدولية التي أبرمت بعد الانقلاب.
ويشمل المشروع إدراج وثيقة كاملة للحقوق والحريات الأساسية، ولأول مرة يطالب دستور سوداني بمراجعة كل عمليات التجنيس التي حصلت منذ عام 1989.
واللجنة التسييرية لنقابة المحامين هي واحدة من اللجان النقابية التي تشكلت بعد ثورة ديسمبر عقب حل النقابات المحسوبة على النظام السابق.
ويحدد مشروع الدستور، مهام الفترة الانتقالية في تعزيز التحول الديمقراطي وبناء مؤسسات الفترة الانتقالية، وتفكيك وتصفية بنية نظام الثلاثين من يونيو 1989، وإزالة التمكين وإلغاء قوانينه، واسترداد الأصول والأموال المنقولة وغير المنقولة من داخل السودان وخارجه وفقاً لما ينظمه القانون.
كما ينصّ على الإشراف على مفوضية الدستور، والالتزام بإجراء انتخابات عامة حرة ونزيهة بمراقبة دولية في نهاية الفترة الانتقالية، عقب إجراء ترتيبات، أهمها إصلاح المؤسسة العسكرية والسلطة القضائية، وإكمال الترتيبات الأمنية، وإجراء عمليات الدمج والتسريح وصولاً إلى جيش قومي واحد.
كذلك ينص المشروع على تكوين مفوضية العدالة الانتقالية وتنفيذ خطة قومية لتنفيذ العدالة في كافة الجرائم المرتكبة خلال النزاع المسلح في دارفور وجنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق.
ويلزم المشروع رئيس الوزراء بإصدار قرار يتم به دعم أو إعادة أو تعديل قرار تشكيل اللجنة القومية للتحقيق في الانتهاكات والجرائم ضد حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني التي ارتكبت في 3 يونيو/حزيران 2019، تاريخ فض اعتصام محيط قيادة الجيش والاعتصامات في الولايات الأخرى، وذلك خلال شهر من تعيينه وتجوز للجنة الاستعانة بدعم دولي فني ومالي.
كما يدعو مشروع الدستور لتشكيل لجنة وطنية للتحقيق في جرائم القتل والانتهاكات التي وقعت بعد 25 أكتوبر.
وبشأن هيكلة السلطة الانتقالية، يعيد مشروع دستور نقابة المحامين الهياكل ذاتها التي كانت قبل الانقلاب، وهي مجلس سيادة ومجلس وزراء وبرلمان ومفوضيات مستقلة، لكن الاختلاف بينه وبين الوثيقة الدستورية هو عدم وجود أي شراكة بين المدنيين والعسكريين، لا في مجلس السيادة ولا مجلس الوزراء، بل ينصّ على تعيين رئيس وزراء بواسطة قوى الثورة الموقعة على إعلان سياسي مشترك.
ويحدّد المشروع تكوين البرلمان من 300 عضو، على أن يراعى في ذلك تمثيل واسع لمكونات الشعب السوداني، بما فيها القوى السياسية والمدنية والمهنية ولجان المقاومة والطرق الصوفية والإدارات الأهلية وأطراف العملية السلمية الموقعة على الإعلان السياسي.
ويُستثنى أعضاء المؤتمر الوطني المنحل بكل أشكالهم ومسمياتهم وواجهاتهم، على أن يكون للبرلمان حق سحب الثقة من رئيس الوزراء أو أي من أعضاء الحكومة.
ويتكون مجلس السيادة، حسب الدستور المقترح، من أعضاء مدنيين مناصفة بين الجنسين، تختارهم وتعينهم القوى الموقعة على الإعلان السياسي الذي يصدر بموجبه الدستور، وتكون رئاسته دورية بين الأعضاء. ولا تختلف اختصاصاته عما جاء في الوثيقة الدستورية، مثل اعتماد تعيين رئيس الوزراء ورئيس القضاء ورئيس وأعضاء المحكمة الدستورية، عدا إعلان حالة الطوارئ بطلب من رئيس الوزراء وإعلان الحرب بعد مصادقة البرلمان.
ويتشكّل مجلس الوزراء من عدد لا يزيد عن 25 عضواً من الكفاءات الوطنية، تختارهم القوى الموقعة على الإعلان السياسي بالتساوي بين الجنسين، مع مراعاة التنوع العمري والجهوي من دون الإخلال بمبدأ الكفاءة، على أن يرأس رئيس الوزراء مجلس الأمن والدفاع.
وفي أحكام أخرى لم ترد في نصوص دستورية سابقة، يحظر المشروع تكوين مليشيات عسكرية أو شبه عسكرية، ومزاولة القوات المسلحة الأعمال الاستثمارية والتجارية، ما عدا تلك التي تتعلق بالتصنيع الحربي والمهام العسكرية وفقاً للسياسة التي تضعها الحكومة الانتقالية.
في المقابل، تلتزم القوات المسلحة بالنظام الدستوري واحترام سيادة القانون والحكومة المدنية الديمقراطية وتنفيذ السياسات المتعلقة بالإصلاح الأمني والعسكري، وصولاً إلى جيش قومي مهني احترافي واحد.
توضيحات اللجنة التسييرية لنقابة المحامين السودانيين
وتقول اللجنة التسييرية، في بيان في 7 سبتمبر/أيلول الحالي، إنها أقدمت على المبادرة "اضطلاعاً بواجبها ودورها التاريخي والوطني في التصدي لحماية الحقوق والدفاع عن الحريات والمحافظة على سيادة حكم القانون وتعزيز الديمقراطية والحكم الرشيد".
وتشير إلى أن "مبادرة الحوار حول الإطار الدستوري الانتقالي (التي رعتها) تُعدّ مدخلاً للخروج من الطريق المسدود ومعالجة أزمات البلاد، وتوفيق رؤى وتطلعات كل المجموعات ذات الشأن، وصولاً إلى حل قضية العلاقات المدنية العسكرية الشائكة، والتعبير عن مقاصد الثورة".
وتؤكد اللجنة أن "مبادرتها تهدف إلى صناعة دستور انتقالي متوافق عليه، عبر عملية حوارية بين الفاعلين في المشهد السوداني"، معتبرة أن المشروع "بمثابة فرصة لبناء الثقة وإرساء المبادئ التي تحافظ على وطن يتمتّع بقدر أكبر من المساواة والعدالة وحكم القانون، ويلبي مطالب السودانيين الاجتماعية والاقتصادية والأمنية، ويؤسس للعقد الاجتماعي والتعاقد والتوافق السياسي".
وتوضح اللجنة أنها "حرصت على إشراك ومشاركة أكبر قدر من الفعاليات السياسية والمجتمعية وحركات الكفاح المسلح والقوى الثورية والمجتمع المدني في صناعة دستور انتقالي عبر حوار دستوري حقيقي.
وقدمت الدعوة لهذه المكونات للمشاركة في الورشة التي نظمتها واعتمدت توصياتها مرجعيةً للصياغة، كما أجرت حوارات ولقاءات واسعة، واستقبلت مساهمات قيّمة من شخصيات وطنية، وأخذت كل الملاحظات، عدا الاعتماد على مواثيق لجان المقاومة والإعلانات السياسية والمبادرات.
وبعد ذلك، عرضت المسودة على خبراء الفقه الدستوري وبيوت الخبرة العالمية لمراجعة صياغة مشروع الدستور الانتقالي، وهم بدورهم قدموا مساهمات مكتوبة إلى جانب مرافعاتهم الشفهية حول الصياغة المثلى".
وتكشف اللجنة التسييرية أن "الورشة، التي نظمتها الشهر الماضي، شاركت فيها القوى السياسية المتمثلة في قوى الحرية والتغيير بكافة مكوناتها، وحركات الكفاح المسلح على رأسها حركة جيش تحرير السودان بقيادة مني أركو مناوي، وحركة العدل والمساواة، والحركة الشعبية لتحرير السودان شمال، وتجمع قوى تحرير السودان، وحركة جيش تحرير السودان المجلس الانتقالي، والاتحادي الديمقراطي، والمؤتمر الشعبي، وأنصار السنة المحمدية.
كما شارك الحزب الوطني الاتحادي، والحزب الجمهوري، والحزب الناصري للعدالة الاجتماعية، وعدد من لجان المقاومة، وتجمع المهنيين السودانيين، ولجنة المعلمين السودانيين، وعدد من الكيانات المهنية والنقابية، والإدارة الأهلية، والطرق الصوفية، ورجال الدين المسيحيين.
وشارك أيضاً رجال الأعمال، وعدد من منظمات المجتمع المدني السوداني، وهيئة محامي دارفور، وتنظيم الضباط المتقاعدين، ومتقاعدو القوات المسلحة، وأساتذة القانون بالجامعات السودانية، والتنظيمات النسوية، ومنظمة أسر شهداء ديسمبر، ومبادرة أساتذة جامعة الخرطوم وعدد من المهتمين بالشأن العام".
وتضيف اللجنة أن "النقابة شكّلت، عقب الورشة مباشرة، لجنة صياغة مشروع دستور انتقالي على ضوء توصيات الورشة وأهداف وشعارات الثورة، والتي بدورها باشرت أعمال الصياغة، واعتمدت في عملها على مقارنة الدساتير السابقة وإيجاد المقاربة بما هو مطروح في الساحة السياسية، من مواثيق لجان المقاومة وإعلانات سياسية ومرجعيات السلام".
وتشير إلى أن الهدف هو "إيجاد أرضية مشتركة بين وجهات النظر، وتلافي الأخطاء السابقة، واعتماد الصياغة المقبولة، وقد انتهت مهمتها بإعداد مشروع الدستور الانتقالي في نسخته الأولى، وبعد ذلك، شكلت لجنة من خبراء الفقه الدستوري لمراجعة صياغة مشروع الدستور".
وتتعهد اللجنة بـ"عقد لقاءات مع الفعاليات التي شاركت في الورشة، ومع لجان المقاومة، ومع حركة تحرير السودان بقيادة عبد الواحد محمد نور، والحركة الشعبية شمال بقيادة عبد العزيز الحلو، بالإضافة إلى الفعاليات التي لم تشارك في الورشة وعلى رأسها الحزب الشيوعي، تحقيقاً لأكبر إجماع وطني حول هذا المشروع".
ترحيب بمشروع الدستور السوداني
وحتى الآن، يجد مشروع الدستور الانتقالي اهتماماً واسعاً في الأوساط القانونية والدستورية والسياسية، وحظي بترحيب من 9 سفارات غربية (فرنسا وألمانيا وإيطاليا وهولندا والنرويج وإسبانيا والسويد وبريطانيا والولايات المتحدة) أصدرت، أول من أمس، بياناً في هذا الصدد.
وتسلمت مشروع الدستور قبل ذلك وأشادت به الآلية الثلاثية المكونة من الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي ومنظمة التنمية الحكومية "إيغاد". ويجد المشروع المساندة من قوى إعلان الحرية والتغيير، فيما كان من اللافت مشاركة وتأييد حزبي المؤتمر الشعبي والاتحاد الديمقراطي لمشروع الدستور، لجهة كونهما من الأحزاب التي شاركت النظام السابق في الحكم إلى تاريخ سقوطه.
كما رحّب نائب رئيس مجلس السيادة محمد حمدان دقلو "حميدتي" بالمشروع، في أول رد فعل من جانب السلطة العسكرية. وأعرب عن أمله أن يكون مشروع الدستور نافذة أمل لبناء الثقة بين الأطراف السودانية كافة، في سبيل الوصول إلى اتفاق شامل لحل الأزمة السودانية.
ودعا جميع الأطراف إلى الانخراط وبشكل عاجل في حوار شامل، يفضي إلى اتفاق لاستكمال الفترة الانتقالية بما يحفظ أمن واستقرار البلاد، مشيراً إلى أنه سيطلع على ما جاء في مشروع الدستور لإبداء الرأي وتقديم الملاحظات بشأنه.
وحول مشروع الدستور، يقول عضو مجلس السيادة السابق القيادي في قوى إعلان الحرية والتغيير، محمد الفكي سليمان، إن أهم ما يميز مشروع الدستور الانتقالي هو عدم إقراره بأي شراكة بين العسكر والمدنيين، عكس الوثيقة الدستورية التي بُنيت في أجواء من التفاوض بين الطرفين.
ويشير في حديثٍ لـ"العربي الجديد" إلى أن المقترح جاء في وقته المناسب، وذلك عقب الانقسامات السياسية والاحتقان في البلاد، التي تحوّلت لانقسامات مجتمعية في الآونة الأخيرة.
ويضيف سليمان أن مبادرة المحامين تمثل تحريكاً للمياه، ويمكن أن تتحول منصةً لإدارة النقاشات حول الدستور، باعتبار أنه ليس مشروعاً نهائياً، بل قابل للتداول والنقاش والحذف والإضافة وليس وثيقة مقدسة، مشدّداً على أهمية النقاش حول الموضوع، لأن الأوضاع السياسية والأمنية والاقتصادية الحالية لا تحتمل الانتظار.
وحول توقعه موقفَ المكون العسكري من المشروع الدستوري المقترح قبل صدور موقف حميدتي، يوضح سليمان أن النصوص الواردة في المشروع تنهي الانقلاب بعد فشله الكامل بعد نحو عام من حصوله.
ويبدي اعتقاده أنه ليس أمام العسكر شرط الموافقة على المشروع بقدر ما هو مطلوب منهم القبول بمناقشته، مرجحاً رفضهم كل ذلك لأن مطامعهم في السلطة قائمة على الرغم من فشل انقلابهم.
وفي ما يتعلق بأطراف أخرى من قوى الثورة مثل الحزب الشيوعي السوداني، يرى سليمان أن الشيوعي جزء أصيل من قوى الثورة، ومن حقه المشاركة في النقاشات واقتراح ما يراه من تعديلات، وذلك يشمل كل الأحزاب. ويرى أن اللجنة التسييرية التي تعيد الأدوار التاريخية للمحامين لم تدّعِ أن الدستور نهائي أو مقدس.
وكان قائد الجيش عبد الفتاح البرهان قد واصل الهجوم المبطن على قوى إعلان الحرية والتغيير، لا سيما حول مقترحاتها الخاصة بإصلاح المؤسسة العسكرية.
وذكر في آخر خطاب له بمناسبة معركة كرري بين القوات البريطانية وقوات المهدية (حصلت في عام 1898)، في 6 سبتمبر/أيلول الحالي، أن "من قتل أجدادنا بالأمس يتنادون اليوم لقتل ثورتنا.
وذلك باستخدام نفس الأساليب القديمة في الدعاية السوداء وتغذية الصراعات القبلية والتشكيك في القيادة والتحريض على تفكيك القوات المسلحة".
وشدّد على "ضرورة الانتباه لذلك"، مشيراً إلى أن "من يريد تفكيك المؤسسة العسكرية السودانية من خلال تلفيق التهم والشائعات المغرضة لن يفلحوا في ذلك".
وحذّر البرهان "من يحاول إشعال الفتنة بين الجيش والدعم السريع"، بأن "القوات لن توجه سلاحها ضد بعضها البعض وغير مسموح لأحد بالتدخل في الشأن العسكري".
وبتحفظ شديد، رحّبت الحرية والتغيير التوافق الوطني، الفصيل المنشق عن قوى إعلان الحرية والتغيير والقريب من العسكر، بمشروع الدستور الانتقالي.
وقال الهادي عجب الدور، القيادي بالتحالف، لـ"العربي الجديد"، إنها خطوة جيدة، لكن عملية صياغة الدستور تحتاج لتوسيع قاعدة المشاركة وتجميع كل الأوراق والمقترحات الدستورية والانتهاء بورقة متوافق عليها.
وأشار إلى أنهم في قوى التوافق الوطني لديهم طرح مختلف، يقوم على الإبقاء على الوثيقة الدستورية الحالية وإجراء بعض التعديلات عليها، مؤكداً استعدادهم وانفتاحهم للجلوس مع الجميع، للوصول إلى دستور يحصل على توافق بين القوى السياسية ما عدا حزب المؤتمر الوطني.
كما شدّد عجب الدور على أهمية وجود العسكر في السلطة بشكل يضمن الاستقرار والأمن، على أن تُضبط مشاركتهم سياسياً ودستورياً للحيلولة دون التغول في صلاحية الأجهزة الأخرى.
رافضو مشروع الدستور السوداني
ومن أبرز الرافضين فكرة الدستور الانتقالي، الحزب الشيوعي السوداني وتجمع المهنيين السودانيين، ظنّاً منهما أن الفكرة غير مقبولة لا شكلاً ولا مضموناً، ويشككان في أنها طريق نحو إعادة الشراكة والمصالح والتسوية مع انقلاب قائد الجيش الجنرال عبد الفتاح البرهان.
ويقول المتحدث الرسمي مهند مصطفى، باسم تجمع المهنيين السودانيين، لـ"العربي الجديد"، إن ما جرى حول الدستور الانتقالي هو تكرار لخطأ القوى السياسية في إعداد الوثيقة الدستورية لعام 2019، وإن الدستور المقترح هو صورة طبق الأصل لورقة سياسية لقوى إعلان الحرية والتغيير تحدثت فيها عن شراكة بثوب جديد مع العسكر، لكن هذه المرة عبر مقترح تشكيل مجلس للأمن والدفاع بدلاً عن مجلس السيادة السابق.
ويرى مصطفى أن المشروع جاء ليقطع الطريق على جهود لجان المقاومة السودانية في صياغة مواثيق سياسية، تعبر أول ما تعبر عن الواقع على الأرض الرافض مطلقاً وجودَ العسكر في السلطة نهائياً والمطالب بعودتهم لثكناتهم وقيام سلطة مدنية ديمقراطية كاملة تنجز أهداف الثورة كلها بلا استثناء.
ويستبعد أن يكون للمشروع الدستوري الخاص بلجنة المحامين أي أثر على الواقع السياسي الحالي، ولا يشكل بأي حال من الأحوال مخرجاً من الأزمة السياسية الراهنة، حسب تقديره.
ويستنكر المتحدث باسم التجمع ما قامت به اللجنة التسييرية، لأن ذلك أبعد ما يكون عن مهامها المحددة سلفاً في إعداد النظام الأساسي للنقابة وحصر العضوية.
ويعتبر أنها خالفت قيم الثورة بدعوتها قوى سياسية شريكة لنظام البشير للمشاركة في إعداد مسودة الدستور، كما يستنكر تسليم النقابة المسودة لرئيس بعثة الأمم المتحدة فولكر بيرتيس.
ومن اللافت للنظر خلال الفترة الماضية، توافق وجهات النظر بين اليسار واليمين بشأن المشروع الدستوري، فكما ينتقده الحزب الشيوعي، ينتقده المؤتمر الوطني المنحل وأنصاره.
ويرى المحامي زين العابدين محمد، وهو عضو في هيئة الدفاع عن المعزول عمر البشير وعضو في حزب المؤتمر الوطني، في حديث مع "العربي الجديد"، أن لجنة المحامين لا تمتلك أي شرعية وتم حلها في 25 أكتوبر/تشرين الأول، وليس لديها أي تفويض لتقوم بذلك وغير مؤهلة للمهمة، ولن يكون لخطوتها أثر، وأن اللجنة غير محايدة وتتبع لقوى إعلان الحرية والتغيير وتجد السند الدولي من بيرتيس، "وربما تلك الجهات الدولية هي التي أعدت المقترح".
ويضيف محمد أن "القوى التي تبحث عن دستور جديد هي ذاتها التي أعدت وثيقة 2019، التي لا يعلم أحد مصيرها في غياب الهياكل التي تجيز الدساتير".
ويؤكد أن "الطريق المثالي لإعداد الدستور هو تشكيل المحكمة الدستورية وتكوين البرلمان المنوطة به وحده إجازة الدستور".