تستعد مصر غدا السبت لحدث عالمي طال انتظاره، حيث ينطلق الافتتاح الرسمي للمتحف المصري الكبير، المشروع الأثري والثقافي الأضخم في تاريخها الحديث، والذي يمثل خطوة جديدة في طريق استعادة بريق الحضارة الفرعونية أمام أنظار العالم.
يمتد المتحف المصري الكبير على مساحة تتجاوز 50 ألف متر مربع عند سفح أهرامات الجيزة، ليجمع تحت سقف واحد كنوزا أثرية من مختلف العصور الفرعونية، في تصميم معماري يمزج بين الأصالة والحداثة.
ويُعد المشروع أكبر إنجاز ثقافي في القرن الحادي والعشرين، إذ تجاوزت كلفته مليار دولار واستغرق بناؤه أكثر من عشرين عاما. ومن المتوقع أن يستقبل ما يقرب من خمسة ملايين زائر سنويا، ليشكل رافدا قويا للسياحة المصرية واقتصادها الوطني.
الهرم الرابع.. تصميم يليق بالعظمة
جاء تصميم المتحف المصري الكبير مستوحى من روح المكان، إذ أبدعت شركة هينغان بينغ الإيرلندية في إنشاء واجهة حجرية وزجاجية ضخمة تمنح الزائر انطباعا بأنه أمام الهرم الرابع لهضبة الجيزة.
ويضم المتحف ما يزيد على 100 ألف قطعة أثرية تعود إلى نحو 30 أسرة فرعونية، نصفها معروض للجمهور، بينما يُحفظ الباقي في مخازن مجهزة بأحدث التقنيات العلمية.
يُعد هذا الصرح بوابة جديدة لفهم التاريخ المصري القديم، ليس فقط من خلال العرض البصري، بل عبر تجربة تعليمية وتفاعلية تُعيد رسم مشاهد الحياة في عصور الفراعنة.
تمثال رمسيس الثاني.. حارس المتحف العملاق
في مدخل المتحف الفسيح، يستقبل الزوار تمثال الملك رمسيس الثاني الذي يزن 83 طنا ويبلغ ارتفاعه 11 مترا، وكأنه حارس الزمن العائد إلى موقعه الأبدي.
حكم رمسيس الثاني بين عامي 1279 و1213 قبل الميلاد، ويُعتبر أحد أعظم ملوك الفراعنة في البناء والحروب.
التمثال الذي اكتُشف عام 1820 تنقّل لسنوات طويلة بين مواقع مختلفة، وكان قد نُصب أمام محطة مصر في وسط القاهرة قبل أن يُنقل عام 2006 في موكب مهيب إلى جوار الأهرامات، ليستقر أخيرا داخل المتحف الكبير.
كنوز توت عنخ آمون.. أسرار الملك الذهبي
تُعد قاعة الملك الشاب توت عنخ آمون من أبرز قاعات المتحف، إذ تحتضن أكثر من 4500 قطعة جنائزية من أصل خمسة آلاف عُثر عليها كاملة داخل مقبرته الشهيرة في وادي الملوك عام 1922.
تتألق القاعة بقناعه الذهبي المرصع بالأحجار الكريمة، وتوابيته الثلاثة المتداخلة التي صنعت من الكوارتز الأحمر والذهب الخالص بوزن يزيد على 110 كيلوجرامات.
وتُعرض هذه الكنوز لأول مرة مجتمعة في مكان واحد، لتمنح الزائر رحلة فريدة في عالم الملوك القدماء ومعتقداتهم الجنائزية المدهشة.
مركبان شمسيان.. رحلة إلى الأبدية
في مبنى خاص بمساحة 4000 متر مربع، يُعرض المركب الشمسي للملك خوفو، الذي يوصف بأنه أقدم وأكبر قطعة أثرية خشبية في العالم.
يبلغ طول المركب 43.5 مترا وصُنع من خشب الأرز والأكاسيا قبل نحو 4600 عام، وقد عُثر عليه في الركن الجنوبي من الهرم الأكبر عام 1954.
كما يمكن للزوار متابعة أعمال الترميم الدقيقة لمركب شمسي ثانٍ اكتُشف عام 1987، في مشهد تفاعلي يربط بين الماضي البعيد وتقنيات الحاضر.
واجهة بانورامية على الأهرامات
يتميز المتحف بدرج فخم تتوزع على جانبيه تماثيل ضخمة تؤدي إلى واجهة بانورامية تطل مباشرة على أهرامات الجيزة، في مشهد يخطف الأنفاس.
ويضم الطابق العلوي 12 قاعة تُعرض فيها مراحل تطور الحضارة المصرية عبر 50 قرنًا من التاريخ، بدءا من عصور ما قبل الأسرات وحتى العصر اليوناني الروماني.
ولا يقتصر المتحف على عرض الآثار فحسب، بل يضم مراكز بحثية ومختبرات ترميم ومكتبات متخصصة، إلى جانب قاعات مؤتمرات ومطاعم وأروقة للتسوق، ما يجعله مركزا ثقافيا متكاملا يجمع بين التعليم والترفيه.
مشروع استراتيجي يعيد مصر إلى صدارة السياحة الثقافية
أُطلق مشروع المتحف المصري الكبير عام 2002 في عهد الرئيس الراحل حسني مبارك، وتأخر افتتاحه عدة مرات بسبب التحديات المالية وجائحة كورونا والتوترات الإقليمية، قبل أن يُعلن أخيرا عن افتتاحه الرسمي في أكتوبر 2025.
ويمثل المتحف رمزا جديدا لمكانة مصر الحضارية على خريطة السياحة العالمية، ورسالة تؤكد أن أرض الكنانة ما زالت قادرة على إبهار العالم بإرثها الخالد.
 
		
