المصدر / وكالات
مع مرور كل يوم يثبت المرشح الجمهوري لمنصب الرئاسة، دونالد ترامب، أن حملته هي الأغرب، وكما يقول الكثيرون الأخطر في تاريخ الولايات المتحدة.
ولم يحدث أن تخلى أي مرشح سابق عن كل المعايير والمقاييس والأعراف التي تتحكم بالانتخابات الرئاسية، كما يفعل ترامب بتلذذ، متحديا ليس فقط خصومه الكثر، بل أيضا الشخصيات الهامة في حزبه.
ويتصرف ترامب وكأنه يتمتع بحصانة وحماية لا يمكن لأحد اختراقها. مفاجآته وصدماته، ومواقفه التي تصعق العدو والصديق أصبحت يومية، وكل ما يمكن أن نتوقعه من ترامب هو أن نتوقع كل شيء وأي شيء.
وتيرة المفاجآت والصدمات ازدادت منذ نهاية المؤتمر العام للحزب الجمهوري الذي رشحه رسميا.
وهكذا قام ترامب بتوجيه الإهانات إلى أبوين مسلمين قتل نجلهما العسكري في العراق، وأعلن أنه لن يدعم رئيس مجلس النواب الجمهوري في معركته الانتخابية، وبعدها بدأ التصعيد النوعي في الهجمات والصدمات.
وخلال مهرجان انتخابي ألمح ترامب إلى أن أنصاره المتمسكين "بالتعديل الثاني" في الدستور الذي يضمن حق المواطن اقتناء الأسلحة النارية، يمكن أن يستخدموا العنف ضد منافسته الديمقراطية هيلاري كلينتون إذا فازت بالرئاسة وقررت تعيين قضاة ليبراليين للمحكمة العليا، ليغيروا القوانين المتعلقة باقتناء الأسلحة الفردية.
ومع أن ترامب ادعى لاحقا أنه كان يقصد أن المتمسكين بالتعديل الثاني سوف ينظمون أنفسهم لهزيمة كلينتون في الانتخابات، إلا أنه من الواضح أنه كان يتحدث عما يمكن أن يحدث بعد انتخاب كلينتون، واكتسب هذا التهديد المبطن من ترامب أهمية خاصة لأنه، ينسجم مع تصريحاته وتلميحاته السابقة خلال مهرجاناته الانتخابية، حين كان يقول للذين يهتفون ضده، إنه يريد توجيه اللكمات ضدهم، أو تحريض مؤيديه على ضرب أو طرد الأفراد الذين يتجرأون على الهتاف ضده.
وإذا لم تكن هذه الصدمة كافية، قال ترامب في اليوم التالي لأنصاره في ولاية فلوريدا دون خجل أو إحراج إن تنظيم "داعش" "يكرم" الرئيس أوباما. وأضاف أوباما وكأنه يكشف سرا خطيرا، أن التكريم يعود إلى أن أوباما هو "مؤسس داعش".
وإذا لم يسمع جميع الحضور ما قاله، كرر ترامب العبارة أربع مرات. وبما أن ترامب يقود حملته ضد المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون وليس باراك أوباما، ادعى ترامب أن منافسته هي "الشريك المؤسس" لداعش مع أوباما.
المثير والخطير في تصريحات ترامب، والتوضيحات التي تتبعها، هو أن قاعدته الضيقة والشديدة الحماس له، تصدق كل ما يقوله، وكل ما يدعيه، ولا تبالي كثيرا بمبالغاته وتشويهه لسجل خصومه ومنافسيه، ويبدو أنها سامحته على سجله الطويل والحافل بكل المواقف ونقيضها. فهو مع غزو العراق وضده، مع الإجهاض وضده، مع الضمان الصحي وضده وهكذا. وبالنسبة لمؤيديه هذه ليست مواقف متناقضة، هذه تفاصيل جانبية.
وتأتي هذه التطورات المتلاحقة على خلفية اتساع الهوة بين ترامب ومنافسته كلينتون التي تظهر مختلف استطلاعات الرأي أنها متقدمة عليه ليس فقط في الاستطلاعات الوطنية، ولكن أيضا في الاستطلاعات الأهم، أي تلك التي تجرى في ما يسمى ولايات ساحات المعارك والتي تحسم السباق إلى البيت الأبيض.
وأظهر استطلاع لشبكة أن بي سي وصحيفة وال ستريت جورنال أن كلينتون متقدمة على ترامب في ولايات محورية، بينها أوهايو (43 مقابل 38) وفي بنسلفانيا (48 مقابل 37) وآيوا (41 مقابل 37). ووفقا لنتائج 6 استطلاعات للرأي اجريت بعد مؤتمري الحزبين الجمهوري والديمقراطي فإن نسبة التأييد لكلينتون هي 49 بالمئة، مقابل 39 بالمئة لترامب. كما أظهرت هذه الاستطلاعات أن الشريحة الاجتماعية التي شكلت قاعدته الهامة، أي الرجال البيض المتوسطي السن ومن ذوي الدخل المحدود، قد بدأت بإعادة النظر بتأييده.
وفي مؤشر آخر ظهر ترامب يتراجع على مختلف الجبهات، فقد اتسعت حركة التمرد داخل الحزب الجمهوري ضد ترامب من قبل أعضاء في مجلسي النواب والشيوخ.
وفي خطوة هامة انضمت عضوة مجلس الشيوخ المعتدلة السيناتور سوزان كولينز الى قائمة النواب والشيوخ الجمهوريين في الكونغرس المعارضين لترامب، واتهمته بالتهور والتعصب، في مقال نشرته في صحيفة واشنطن بوست.
كما وجه عشرات المسؤولين السابقين من جمهوريين ومستقلين خدموا في مناصب حساسة ورفيعة في مجالات الأمن والدفاع والاستخبارات في عهود الرؤساء الجمهوريين مثل رونالد يغان، وجورج بوش الأب والابن، صفعة سياسية قوية لترامب في رسالة مفتوحة. وجاء في الرسالة التي وقعها مديرون سابقون لوكالة الاستخبارات المركزية ووكالة الأمن الوطني أن ترامب "يفتقر إلى المزايا الشخصية الجيدة والقيم والخبرة" لكي يكون رئيسا، وإنه في حال انتخابه سوف يهدد مصلحة البلاد وأمنها القومي، بل إنه "سيكون الرئيس الأكثر تهورا في تاريخ أميركا".
وتبين استطلاعات الرأي وجود فئة واسعة من الناخبين (تزيد عن 60 بالمئة) تقول إنها لا تثق بأي من مرشحي الحزبين، الأمر الذي خلق جوا من الإحباط في أوساط الناخبين، وخاصة في أوساط شريحة من مؤيدي كلينتون من الذين يقولون إنهم سيصوتون لها دون حماس لأنها "أقل الضررين".