المصدر / احمد مراد
لأول مرة أميرة القلوب بشرطة نيويورك جوانا جافي
تفتح قلبها لجريدة عربية
في حالة فوز ترامب فان شرطة نيويورك ستبذل جهدا مضاعف لكسب ثقة المسلمين
دعونا اليوم نتناول قصة نجاح على المستوى الانساني، لا التجاري أو المالي، قصة نجاح شرطة نيويورك، والنجاح هنا يتمثل في اكتساب احترام المواطنين، وخفض معدلات الجريمة. لا تقلق، لن أدخل معترك السياسة وحواريها، ولكني فقط أحببت أن أملأ فراغا في المحتوى العربي، إذ أن قصص نجاح العربية للشرطة عادة ما تتمثل في القبض على عصابة أو تدريب شرطيين أو منع جريمة، وغير ذلك لا تجد، رغم أن الأمر يتسع ويشمل والكثير مما يجب تغطيته
راقبتها عن قرب لعدة ساعات وهي تعيد تعريف وظيفة الشرطة في أمريكا والعالم .
استمتعت الي اسلوبها الراقي الذي يجمع بين البساطة والدفء والحكمة والحماس والهدوء والتلقائية .
وشاهدتها وهي تداعب الاطفال وتسلم علي الرجال وتحتضن النساء !!
حازمة هي لكنها رقيقة جدا تستطيع أن تسير فوق العشب دون أن تثني له عودا واحدا.
قرأت عنها كثيرا وأنبهرت بقواتها وأفكارها الغير تقليدية والناجحة للغاية . سمعتها تتحدث في أربع مناسبات مختلفة ( شاركت في تنظيم احتفال شرطة نيويورك بشهر رمضان وكانت أيقونة حفل جمعية ظباط الشرطة المسلمين في أغسطس الماضي )
شابة في نهاية الأربعينات – أو علي اقصي تقدير في منتصفها – ترتدي حلة رسمية تزيدها وقارا وقوة وتتحدث بمنتهي الرقي والبساطة أمام الالاف .
اخذ الامر مني هذا المرة وقتا اكثر من الاول لاجد ان علي استيعاب ان هذا المدهشة هي مسئولة إمريكية بارزة ورئيسة مكتب شئون المجتمع والجاليات بشرطة نيويورك. ينادوها الشيف جوانا جافي Joanne
Jaffe .
سبق الأمر طلبي تحديد موعد معها أستغرق الامر ثلاث شهور لانشغال جدوالها . قابلتني بترحاب وابتسامة هادئة وواثقة .
في مكتبها في مبني الشرطة الرئيسي في نيويورك one police plaza وعلي هامش الحفل الأخير الذي يحضره رئيس شرطة نيويورك الرائع J . Bratton لترقية منتسبين شرطة نيويورك والذي قام خلاله بترقية اثين من الظباط العرب ترقيات استثانية هم المحقق محمد الأمين والسريجنت عمر سالم
اخبرتها انني قرات عنها كثيرا وعن اعجابي بقدرتها الفائقة علي التواصل مع الآخرين علي اختلاف ثقافتهم وجنسياتهم فهي مواطنة عالمية بالدرجة الاولي .
نقلت اليها تحيات الجالية علي جهدها المبذول لخدمة وحماية المواطنين بنيويورك وسالتها
س: برأيك ما هي أفضل الطرق لتدعيم العلاقة و لبناء المزيد من جسور للتواصل بين الشرطة والمجتمع في نيويورك ؟
ج : أجابتها انها تجد سعادتها في التواصل مع كل رجل وكل سيدة في المجتمع الأمريكي لمزيد من الحماية للمجتمع في نيويورك وانها لا تدخر وسعا في سبيل ذلك . وان شرطة يجب عليها الوصول لكل الجاليات والاعراق والجنسيات والديانات المختلفة وانها تقوم بذلك من خلال الاجتماعات والمناقشات وجلسات الاستماع في دور العبادة والمدارس من خلال ظباط شرطة مدربين يتحدثون معظم اللغات وينحدورن الي الأصول المهاجرة الي نيويورك .
س : رايتك تقومين بالتقاط الصور التذكارية مع عائلة المحقق المسلم محمد الأمين والذي تم ترقيته اليوم فما هو حجم الدعم الذي تقدميه للظباط المسلمين بشرطة نيويورك ؟
ج : اننا محظوظون في شرطة نيويورك بوجود العديد من الظباط المسلمين الرائعين الذين يقومون بشكل يومي بالتضحية بحياتهم وراحتهم وأجازاتهم مع عائلتهم لحماية مدينة نيويورك المحقق الرائع أحمد ناصر والمحقق محمد الأمين وانها تلمس جهدهم هم وزملائهم عندما تقوم باجتماعها الشهري مع الجاليات المسلمة وعندما تذهب الي دور العبادة وتقابل هؤلاء الرائعية الذي يخدمون مجتمعهم الامريكي بكل اخلاص وفخر .
س : في حالة فوز ترامب في انتخابات الرئاسة هل تظنين ان هناك تغيير رئيسي سيطرأ في تعامل شرطة نيويورك مع المهاجرين بولاية نيويورك سواء الشرعيين ام الغير شرعيين ؟
ج : امريكا دولة مؤسسات حقيقة ونيويورك ولاية لها خصوصيتها وشرطة نيويورك هي جهة مستقلة واحيي هنا دور عمدة نيويورك دي بلاسيو في دعم شرطة نيويورك في بناء جسور الثقة بينها وبين الجاليات المسلمة وأنها لا تعتقد ان الحريات الرئيسية لكل الافراد المقيمين بنيويورك يمكن ان تتأثر باي شكل
س : ما هي رسالتك للرئيس الشرطة J . Bratton ؟ ورسالتك للرئيس الجديد
ج : بالطبع ان أشكر السيد J . Bratton علي كل ما قدمه خلال فترة عملنا الرائعة معنا فالرجل شديد الاخلاص لعمله واتمني له التوفيق في حياته المقبلة .
وهي متفائلة بالرئيس الجديد وانها واثقة انه سيعمل علي استكمال الطريق الذي بدءه السيد J . Bratton في كسب المزيد من ثقة الجاليات خاصة الجالية المسلمة لانها جالية مهمة جدا لشرطة نيويورك .
الجدير بالذكر ان جوانا جافي بدأت العمل مع شرطة نيويورك وهي شابة صغيرة عام 1979 وسط معارضة شديدة من عائلتها خوفا عليها من مخاطر العمل في بئية خاطرة . الا ان اصرارها وتصميمها وكراهيته للعنصراية التي يتعامل بها البعض قد أوصلها في نهاية الأمر الي منصب لم تصل الي سيدة من قبل رئيس قسم العلاقات مع المجتمعات والجاليات .
كان التحدي التي اخترات جوانا جافي ان تواجه هو خفض معدالات الجريمة في نيويورك خاصة في تلك المناظق التي تعاني ارتفاعا حاد في نسب الجريمة لا سيما ضاحية اسمها براونزفيل أو Brownsville ضمن منطقة بروكلين والذي يشكل الأمريكيون من أصل أفريقي تقريبا كل قاطنيها .
المشكلة التي واجهتها جوان هي أن الشباب صغير السن في هذه الضاحية شكل نسبة كبيرة من المجرمين المتكررين. بدأت جوان بأن جمعت قائمة بأسماء المراهقين والأحداث الذين تم القبض عليهم ولو لمرة واحدة خلال سنة انقضت، وحصلت على 106 اسما. رأت جوان بأن صغار السن الذين تم القبض عليه بتهمة صغيرة مثل سرقة المارة، اشترك في المتوسط في أكثر من 20 إلى 60جريمة أخرى لم تضبطها الشرطة. بحسبة بسيطة، هؤلاء الـ106 حدثا كانوا مسئولين عن قرابة ست آلاف جريمة خلال عام واحد!!! رقم مرعب لكن كان لديها الشجاعة والرغبة والقدرة علي تغيره في فترة وجيزة .
جمعت جوان فريقا من الضباط المتحمسين المناسبين تماما لعمل متابعة لصيقة لكل حدث من هؤلاء، حيث حرصت على أن يتواصل كل ضابط في فريق العمل مع كل شاب وشابة من القائمة ليخبر كل منهم بأنهم أصبحوا أعضاء في برنامج مخصص حمل اسم J-RIP أو برنامج التدخل لمنع سرقات الأحداث. هذا البرنامج قام على ضمان انتظام كل عضو في هذه القائمة في مقاعد الدراسة، سواء في المدرسة أو الجامعة، وعلى ضمان أن يحصل كل عضو على وظيفة ملائمة بعد انتهاء دراسته، وعلى ضمان مساعدة عائلات هؤلاء الأحداث وعلى توفير الرعاية الطبية لهم ولأسرهم كذلك .باكثر من طريقة أخبرت جوانا جافي الجميع بان الشرطة ليست هي العدو لتسيطر بحكمة علي حملات الكراهية والتشكيك . أشرفت علي الكثير من المبادرات الطيبة لتغيير الصورة النمطية للشرطة في الاحياء الفقيرة .
حتي أنها في أواخر عام 2007 قامت بالاشراف علي حملة تبرعات من أفراد الشرطة أنفسهم لشراء كميات من الديك الرومي لتوزيعه بالمجان على أسرة كل حدث في القائمة في عيد الشكر، وجمعت ما يكفي لبعض العائلات وتحدثت مع رئيس الشرطة (أعلى رتبة) لتمويلهم بالمال لشراء ديك رومي لكل العائلات. غابت جوان وعادت بالموافقة من رئيس الشرطة المتفاهم. فورا تم شراء ما يكفي من الديك الرومي المجمد، وبدأ فريق العمل يعمل ساعات طويلة، واستأجروا شاحنة ثلاجة، وبدؤوا يمرون على بيوت الأحداث،
ذهبت جوان والفريق وهم في كامل زيهم الشرطي، وطرقوا الأبواب قائلين نحن من الشرطة ونريد إهدائكم ديك رومي مجاني بمناسبة عيد الشكر، هدية من عائلتنا لعائلتكم. هذه المرة اختلفت حرارة المقابلة، إذ فور أن فهم أفراد العائلة الهدف من الزيارة، حتى فتحوا لهم الأبواب ورحبوا بالشرطة التي جاءت في زيارة اجتماعية لا زيارة عمل. حرارة الترحيب لم تتوقف عند حدود كلمات الشكر، بل تضمنت العناق والبكاء تأثرا بالعمل الخيري غير المتوقع.
هل توقفت جوان عند الديك الرومي، بالطبع لا , إذ عملت على توزيع ألعاب وهدايا بمناسبة الكريسماس / عيد الميلاد، وبدأت تنظم مباريات كرة سلة بين أعضاء الفريق وأعضاء القائمة، وبدأت تدعوهم لتناول الطعام الفاخر في المطاعم، وبدأت توصل المرضى منهم للمستشفيات في سيارات الشرطة، وبدأت توفر لهم فرص عمل صيفية أثناء عطلة الدراسة، ثم بدأت تنظم حفلات عشاء جماعية لكل حدث مع كامل أسرته، وكانت جوان تستقبل كل حدث يأتي ملبيا دعوتها بعناق طويل دون أي استثناء. فوق ذلك، نظمت شرطة نيويورك مسابقة شطرنج، حيث يلعب 50 حدثا ضد 50 ضابطا في شرطة نيويورك، منهم رئيس الشرطة J . Bratton نفسه !
ماذا ترى أنت؟ حسنا، لندع الأرقام تتحدث. في عام 2006 كان متوسط السرقات في شوارع الضاحية التي يقوم بها أحداث صغار السن أكثر من 1200 عملية سرقة سنويا. في عام2012 وبفضل البرنامج انخفضت إلى أقل من 40 سرقة. من الـ106 عضوا في البرنامج، تم القبض على 14 فقط بسبب جرائم خلال السنة الأولى من انضمامهم للبرنامج. هذا النجاح جعل الشرطة توسعه وتطبقه في ضواحي أخرى وعلى نطاق أكبر..علما بان نسبة 100% لا يمكن تحقيقها مع البشرفي عالمنا، اعلم هذا جيدا لكنه لا تدعه يوقفك عن محاولة تحسين البشر وحياتهم.
لعل العقلية العربية في موقف مماثل كانت ستقول لابد من تشديد العقوبة وقطع الرقاب لا تغيير القلوب والعقول. لعلي لست محتاجا للتعليق على ذلك فأنت حتما تعرف ما أود قوله.
دعنا نحلل ما حدث. كانت هناك قناعة سائدة بين الناس وأفراد المجتمع، توجب تغييرها، لكن تغيير القناعات لا يحدث بين ليلة وضحاها. هذه قاعدة ثابتة: تغيير القلوب والعقول يحتاج لوقت طويل وجهد مستمر وتفكير ومراقبة. استخدام القوة مع البشر لا يعود بالنفع، ما لم ترافقه الحكمة واللين والرفق.
في علم التسويق مثلا، تجد هذه الحقيقة ظاهرة، فحين لا تكون الأول في سوق ما، عليك أن تتوقع أن نجاحك في التسويق سيأخذ وقتا طويلا وجهدا متواصلا. حين تريد احتلال العقول والقلوب، عليك بذلك الكثير لفترة طويلة دون انقطاع.
الملفت للانتباه هنا ان جوانا جافي ورئيس شرطة نيويورك كونا مع العمدة فريقا قويا ومتميزا للغاية لمزيد من دمج المسلمين في المجتمع الامريكي فقد ارتفاع عدد ظباط الشرطة المسلمين من أقل من 30 شرطي فقط في 2001 ليصل الان الي اكثر من الف ظباط ومحقق مسلم .
وفي النهاية قمت بالاصالة عن نفسي وبالنيابة عن العديد من افراد الجالية بتوجيه التحية والشكر للشيف جوانا جافي والمحقق احمد ناصر رئيس قسم الاعلام العربي بشرطة نيويورك النموذج العربي الذي نفخر به دائما في شرطة نيويورك .
أعداد وتصوير
احمد مراد
كاتب صحفي
مقيم بنيويورك
Amourad978@aol.com