المصدر / وكالات
كتب إبراهيم تُركمان في مجلة "أكسيون" التركية تقريرا بعنوان "لماذا مدت تركيا غصن الزيتون لاسرائيل" جاء فيه:
هل إسرائيل صديقة لتركيا أم عدو لها؟ إن الرد على هذا السؤال، حتى الأمس، كان بسيطًا للغاية بالنسبة لمسؤولي الحكومة التركية والأشخاص المقربين منها. بيد أن هذا الموضوع في الأسبوع الأخير؛ أي عقب الخبر المتعلق بأن الاتفاق الشامل بين الدولتين على وشك إبرامه، تحول إلى سياسة داخلية مُعقدة ومسألة خارجية إلى حد ما.
ويبدو أن التصريحات التي أدلى بها المتحدث الرسمي باسم حزب العدالة والتنمية الحاكم عمر تشيليك التي قال فيها "دولة إسرائيل وشعبها صديقان لتركيا بلاشك"– والتي لاشك في أنه ما كان يمكن له أن يصرح بها بتاتًا حتى وقت قريب على سبيل المثال قبل انتخابات الأول من نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي- قد أثارت غضبًا كبيرًا، بالمعنى التام، بين من ينتهجون الإسلام السياسي في البلاد.
على سبيل المثال أعرب رئيس هيئة الإغاثة الإنسانية وحقوق الإنسان والحريات، المعروفة اختصارًا بـ İHH بولنت يلدريم منظم أسطول الحرية "سفينة مافي مرمرة"، عن ردة فعله بشكل واضح قائلا "نحن شخصيًّا لا نرى من الصواب توقيع أي اتفاقيات مع إسرائيل".
ويرى يلديرم أن جعل احتياطي الغاز الطبيعي الموجود في شرق البحر المتوسط موضع اتفاق خطوة دبلوماسية ينبغي لحزب العدالة والتنمية الابتعاد عنها. ذلك أن هذا الموقف قد يضفي صفة الشرعية على اغتصاب حق فلسطين في هذا الاحتياطي.
كما قال الأمين العام لنفس الهيئة ياوز ديده إن الموافقة على الشروط المعلن عنها في خبر الاتفاق الذي تم نشره أولا من قبل وكالة رويترز للأنباء ستكون خيانة، بقوله: "في حال حدوث مثل هذا الاتفاق؛ فأنا لا أظن أن هناك حكومة تستطيع إيضاح ذلك للرأي العام التركي"، على حد قوله.
السياسة الواقعية والضمـــــير
وتجدر الإشارة إلى أن ردود الفعل انهالت على خطوة الحكومة لتطبيع العلاقات مع إسرائيل على مواقع التواصل الاجتماعي أيضًا. كما أن ردود فعل الجماهير المناصرة لحزب العدالة والتنمية كانت موجهة إلى عمر تشيليك بصفته الشخصية محاولين تبرئة الحكومة من هذه التصريحات. لدرجة أن عدد من يتذكر أن أول إشارة تدعو للتقارب مع إسرائيل جاءت من الرئيس رجب طيب أردوغان كان قليلا جدًّا.
وقال مجلس الشباب الرائد المقرب من حزب العدالة والتنمية في بيان نشره على موقعه الإلكتروني تحت عنوان "إشعار للرأي العام": "نُذكّر مسؤولي الحكومة بضرورة عدم حبسهم ضمير المسلمين في سجن السياسة الواقعية. كما أن التصريح بأن الشعب التركي صديق لدولة إسرائيل وشعب إسرائيل صديقان لتركيا هو افتراء واضح على الشعب التركي المسلم".
وشعر تشيليك بحاجة إلى تفسير وتوضيح تصريحاته التي أحدثت غضبًا لدى الشارع التركي وقال في تصريح له بعد يومين "إن اهتمام حزب العدالة والتنمية الذي يبديه في القضية الفلسطينية يحظى بعمق تاريخي ومبدأي بحيث لا يتأثر من سير العلاقات مع إسرائيل. قد تكون ثمة حالات من الصعود والهبوط في العلاقات الدولية لكن علاقاتنا مع الشعوب تحظى بتحسن ودي دائمًا. وهذا كل ما في الموضوع...".
وبغض النظر عن تصحيح تشيليك إلا أنه كان يبدو وقد ذعر من ردود الفعل الواردة من الفئات المؤيدة للحزب الحاكم لدرجة أن رئيس الوزراء أحمد داود أوغلو شعر هو الآخر بحاجة إلى الإدلاء بتصريحات من أعلى خشبة المسرح. وجدد داود أوغلو التأكيد على أنهم مضوا قدمًا في المفاوضات والشروط الثلاثة "الاعتذار والتعويضات ورفع الحصار عن غزة" قائمة، زاعمًا أنهم لايزالون يتمسكون بالموقف نفسه. وبعدها حزم الأمر ببعض الكلمات المسكنة التي من شأنها تهدئة مشاعر قاعدة الحزب من قبيل "أنهم لن ينسوا غزة وفلسطين حتى في أحلامهم".
قاعدة العدالة والتنمية ستتحمل إسرائيل أيضًا!
من الممكن فهم تصريحات داودأوغلو؛ ذلك أنه لاشكّ في أن التصالح مع إسرائيل ستصاحبه تكاليف سياسية. وإسرائيل هي أكثر دولة غير محبوبة في تركيا. على سبيل المثال أظهرت "أبحاث حول تصور الرأي العام للسياسة الخارجية لتركيا" المعلن عنها في شهر يونيو/ حزيران الماضي من قبل جامعة قادر هاس التركية أن نسبة الذين يرون إسرائيل دولة صديقة 0.4 في المئة من الشعب التركي.
هل تتراجع الحكومة التركية في حملتها للتقارب مع إسرائيل إزاء ردود الفعل هذه؟
يقول الكاتب سولي أوزل، وهو مواطن تركي من أصل يهودي، إن الفئات المؤيدة لحزب العدالة والتنمية تقبلت حتى اليوم كثيرا من الأمور التي لم يعجب بها بتبريرات عجيبة، وأعتقد أنها ستفعل ذلك في نهاية هذا الأمر أيضًا (قاصدًا التصالح مع إسرائيل)".
ويقول أوزل، الذي يعد أحد أبرز الشخصيات خبرة في قضايا الشرق الأوسط وخاصةً في العلاقات الإسرائيلية التركية إن تحمل شريحة الإسلاميين السياسيين الاتفاق مع إسرائيل سيكون أمرًا صعبًا، مضيفا: "لكن إن رأت الحكومة أو بالأحرى رئيس الجمهورية أردوغان أن ذلك مناسبًا، فلا شك في أنهم أيضًا (أي مؤيدي الإسلام السياسي من الشعب) قد يرفعون أصواتهم بالمعارضة في بداية الأمر لكنهم يستسلمون في نهاية المطاف".
اتفاق مبني على الغاز الطبيعي
وشهدت الأيام الماضية كثيرا من الأسئلة بخصوص كيف أن انكسارًا يجبر دولتين عدوتين على التصالح وتطبيع العلاقات بينهما. وثمة الكثير من الأسباب والدواعي التي يمكن أن نرجع إليها هذا التصالح، غير النقطة التي ينبغي تحديدها قبل أي شيء هي أن "خط السياسة الخارجية الأساسية الذي رسمته تركيا عقب الربيع العربي آل إلى نهايته بالفعل". أي أن تركيا تشهد اليوم تراجعًا اضطراريًّا عن سياسات قيادة العالم الإسلامي والعثمانية الجديدة.
وفي الوقت الذي صرحت فيه تركيا عن تصالحها مع إسرائيل فإن موقف روسيا التي أبدت ردة فعل دبلوماسية شديدة للغاية على تركيا عقب إسقاط إحدى مقاتلاتها هو أحد المبررات التي يتم تذكرها مباشرة.
ويمكن النظر إلى تطبيع العلاقات بين إسرائيل وتركيا التي تبحث عن ملاذ يحميها من مخالب روسيا التي تهاجمها بدمدمات مخيفة وتلجأ إلى حماية دول حلف شمال الأطلسي (الناتو) من جديد، على أنها محاولة من تركيا من أجل تحسين تحولها الاضطراري هذا. إلا أن الأمر لا يقتصر على ذلك فحسب.
وقد تزعم الحكومة التركية أنها اقتربت من إسرائيل التي ستصبح واحدة من أكبر موردي الغاز الطبيعي في شرق البحر المتوسط كتدبير مخفف للاعتماد المفرط البالغ 55 في المئة في الغاز الطبيعي الذي تستورده من روسيا.وطبعًا يجب أن نأخذ في الاعتبار وألا ننسى أن إسرائيل لا تملك بديلًا "مربحًا" باستثناء تركيا من ناحية خط نقل الغاز، بمعنى أن الطرفين في حاجة إلى بعضهما البعض.