المصدر / وكالات
رشاد حسين: المواجهة الفكرية للتطرف تضعف تأثير داعش
بعد أن أصبحت ظاهرة العنف والتطرف واقعاً خطيراً يهدد تماسك ولحمة المجتمعات المدنية واستقرار الدول التي تعاني من تغلغل الفكر المتطرف في نسيجها، سارع العديد من المؤسسات الدولية ومراكز الأبحاث العالمية لوضع خطوط عريضة لفهم كيفية تدارك الوضع المتأزم ومناقشة آلية الحد من تنامي حدة الصراع داخل المجتمعات الآمنة.
وخلال لقاء "العربية.نت" مع عدد من المسؤولين البارزين في الإدارة الأميركية، قال رشاد حسين، المبعوث الخاص ومنسق الاتصالات الاستراتيجية لمكافحة التطرف والعنف في الولايات المتحدة، إن الإدارة الأميركية تشيد بقرار كل من ماليزيا ومنظمة التعاون الإسلامي بإنشاء مركز رقمي إقليمي لمراقبة التهديدات الإرهابية بهدف توحيد الجهود المبذولة في مكافحة خطر الإرهاب إقليمياً ودولياً، ومحاربة الفكر الذي يروج له "داعش" عبر الإنترنت.
وأضاف حسين أن "هناك العديد من المراكز الفاعلة لمحاربة الفكر المتطرف، لعلنا على سبيل المثال نذكر مركز "ثواب" الإماراتي الذي يُعنى برصد الفكر المتطرف على الإنترنت لمواجهة الدعاية التي يحاول داعش ترويجها بين أوساط الشباب".
وقال "إن التحدي الذي نواجهه اليوم، بما في ذلك استخدام الجماعات الإرهابية لفضاء الإنترنت، هو محاولة استغلال المتطرفين للجانب العاطفي للشباب، واللعب على وتر المشاعر، واستغلال مآسي العالم العربي لاستمالة الشباب لفكرهم الضال، غير أنهم للأسف ينتهجون فكراً ضالاً ومشوهاً عن كل ما يدعو إليه دين الإسلام السمح بهدف تجنيد الشباب الساخطين عن طريق منحهم شعوراً زائفاً بالانتماء والالتزام الديني".
وأضاف منسق مكافحة التطرف: "رغم عدم وجود مسار معين لمعرفة كيفية تجنيد داعش للشباب، فإن السمة الأساسية للتنظيم هي محاولة استمالة الشباب عبر استغلال أسلوب التظلم، فالجماعات الإرهابية تتصيد المظالم السياسية لكسب التأييد، خاصة في سرد مسؤولية الغرب لما يعانيه المسلمون في أنحاء العالم، كما أنها تستغل التمييز والاغتراب، وحرية التعبير، واختلاف الديانات، وانتهاك حقوق الإنسان، والقيود المفروضة على حرية التعبير السياسي، واللعب على وتر الطائفية لاستخدام العنف وزعمهم إقامة خلافة إسلامية، بالإضافة لانعدام الفرص الاقتصادية".
وأكد أن "اجتماع هذه العوامل قد تؤدي بلا شك إلى خلق بيئة جاذبة للفكر المتطرف، بالإضافة إلى وجود أفراد مؤثرين في المجتمع ينادون بتلك الغايات، ويرغّبون الشباب بالانضمام لصفوف المسلحين، ما يلعب دورا كبيرا في ترويج أيديولوجية الفكر المتطرف الذي يندد بسلمية تعاليم الدين الإسلامي".
وأضاف: "أفضل رد على منهج المتطرفين هو قياس مدى الدمار الذي جلبه داعش للمجتمعات الإسلامية الآمنة. إن الضلال الذي يدعو له لا يمكن أن يكون صحيحاً بأي شكل من الأشكال، فهم فريق خاسر لا محالة".
الإرهاب والطائفية
وحول موضوع الطائفية، أوضح منسق مكافحة الإرهاب "أن الحكومة الأميركية تعمل مع الحكومة العراقية ورئيس الوزراء حيدر العبادي، كما ذكر الرئيس باراك أوباما، حيث اتخذت الإدارة الأميركية عدداً من الخطوات لمعالجة القضايا الطائفية وتشكيل حكومة أكثر شمولية، غير أن ذلك سيأخذ وقتاً طويلاً، لأن الشروخ الاجتماعية لا يمكن معالجتها بين ليلة وضحاها، فهي ترسبات نتجت خلال سنوات طويلة وتحتاج إلى تكاتف المجتمع المدني للتصدي لها، ورفع مستوى الوعي بمخاطرها وتبعاتها، ومشاركة علماء الدين في ردم الفجوات التي قد تعطي الخصماء السياسيين الفرصة لاستغلالها لصالح أهدافهم الشخصية".
وقال "إن الإدارة الأميركية تسعى لتوسيع مركز الاتصالات الاستراتيجية لمكافحة الإرهاب ومواجهة تهديداته الحالية، حيث قمنا بإضافة هيئة لمواجهة "داعش" ضمن خطط المركز من خلال توسيع نطاق تأثيرنا وتواصلنا مع عدد من المنصات ووسائل الإعلام التقليدية والحديثة للوصول لأكبر شريحة من المتفاعلين من الجاليات العربية، الصومالية، الأردية، والإنجليزية بهدف توحيد الجهود واللغة المستخدمة في مواجهة الفكر المتطرف.
وأضاف "إن قصص المنشقين عن داعش تعد أكبر دليل على فشل التنظيم من الداخل، وزيفه، فالعديد من المنشقين يشاركون في سرد قصصهم لتوضيح زيف وضلال المنظمة من الداخل وعنفها اللامنطقي. وقد شهدنا أن تسليط الضوء على قصص المنشقين بدأ يزعج الإرهابين فعلاً ويخيفهم، وأكبر دليل على ذلك رسائلهم وردودهم في مواقع التواصل الاجتماعي التي تتضمن لغة التهديد والوعيد".
وأشار إلى أن "قصص المنشقين يمكنها دعم مساعي مكافحة التطرف إذا وظفت بالشكل المناسب للتوعية، بالإضافة إلى توضيح الحالة الحقيقية للحياة المعيشية لداعش والخسائر الجسدية والنفسية التي يتكبدها النظام في ساحات المعارك، والفظائع التي ينتهجها ضد المسلمين وتشويه تعاليم الدين".
وتابع حسين: "أهم طريق لمكافحة الإرهاب هو السلوك الإيجابي الذي يستطيع ردم الفجوات التي يستغلها المنحرفون، وتفعيل دور الشباب الفاعل للتصدي لهذه التحديات الكبيرة، حيث شهدت الفترة الماضية خلال القمة العالمية للشباب في مكافحة التطرف العنيف العديد من المشاريع الشبابية لمواجهة الفكر المتطرف الرقمي والحد من انتشاره، وبالمقارنة مع 1.6 مليار شخص حول العالم، فإن داعش نجح باستمالة الأقلية وفكرها مرفوض وغير مرحب به من أغلبية المسلمين، فيجب أن نتيقن أن تأثيره محدود نوعاً ما، لكنه مضلل ونشط. يجب علينا جميعا أن ندرك أن جلب المزيد من الدمار والإرهاب لن يعالج مشاكل العالم الإسلامي، بل سيسبب المزيد من الألم والمآسي والشروخ الاجتماعية".
وأوضح أن الإدارة الأميركية تسعى أيضاً للتعاون والشراكة مع الحكومات الأجنبية والمنظمات غير الحكومية الشريكة لمحاربة الفكر المتطرف والحد من انتشاره، بالإضافة لتطوير منصة لتبادل المحتوى الثقافي بين الإدارة الأميركية وشركائنا في التحالف لتبادل الآراء والخبرات حول موضوع مكافحة الإرهاب، حيث إننا شهدنا العديد من المبادرات الشابة التي لقيت الكثير من التأييد والقبول والمصداقية لإحداث تأثير إيجابي داخل المجتمعات والرؤية للتعامل مع التطرف، بالإضافة إلى مشاريع التنمية والتعليم واندماج الشباب في سوق العمل والتشجيع على روح المبادرة والتعاون.
بروفيسورة العلوم السياسية في جامعة كولومبيا، فيرجينيا بيج فورتينا،
الإرهاب والحروب الأهلية
من جهتها، قالت بروفيسورة العلوم السياسية في جامعة كولومبيا، فيرجينيا بيج فورتينا، إن ما يغذي الإرهاب هو الصراع الداخلي والمستمر المتمثل بالحروب الأهلية، فكل ما يحدث بالعراق وسوريا، وحركة الشباب في الصومال، وبوكو حرام في نيجيريا، والصراع الفلسطيني- الإسرائيلي كلها صراعات معقدة، لكن هل يلعب الإرهاب دوراً محورياً في حل تلك الصراعات؟ الإجابة لا.
وأضافت فيرجينيا أن "الإرهاب بتعدد أشكاله ومسبباته لا يمكنه أن يكون أداة فاعلة في التصدي لأي نوع من أنواع القهر والظلم، فالإرهاب ليس حلاً، ولا يمكن أن ينجح لأنه يولد المزيد من العنف، وفي كل الحالات حتى لو لم نستطع التصدي للإرهاب بشكل كامل، إلا أننا على يقين أن الجماعات الإرهابية لن تكون قادرة على السيطرة الكاملة على إقليم أو إنشاء دولة فاعلة بالمعايير المدنية".
وتعتبر فيرجينيا أن دراسة الإرهاب تتطلب تفسيراً عميقاً للمصطلح، حيث صنفت فيرجينيا في بحوثها 104 من الجماعات المتمردة المشاركة في الحروب الأهلية الكبيرة ضمن الجماعات الإرهابية، سواء كانت تمارس إرهابا منظما أو عشوائيا يستهدف المدنيين".
وتوقعت بدورها أن يكون حل الأزمة السورية عن طريق مفاوضات السلام، وهو النهج الذي تسير علية الأمور في الوقت الحالي بسوريا. وقالت "أتوقع وصول هذه المرحلة عندما تستنفذ جميع القوى على الأرض طاقاتها وتتيقن أن لا طريق للحل غير مبادرة السلام، كما هو الحال مع أنغولا وموزنبيق بعد الحرب الباردة أو أجزاء من أميركا الوسطى، أو عندما يُقر طرف في الحرب أنه غير قادر على كسب المعركة، كما هو الحال مع القوات المسلحة في كولومبيا، كل ما تحتاجه الدولة هو وجود جيش قوي لتنفيذ اتفاقية سلام، غير أن سوريا لا تمتلك في الوقت الحالي قوة عسكرية محايدة".