المصدر / وكالات
أجمع محللون سياسيون فلسطينيون على أن المبادرات الشبابية والفصائلية، القائمة على تنظيم مسيرات "سلمية" على طول حدود غزة، من شأنها أن تدفع إسرائيل لتخفيف حصارها عن القطاع.
واشترط المحللون، في حوارات منفصلة لوكالة "الأناضول"، لنجاح ذلك، أن تتسم المسيرات بالطابع السلمي والشعبي، بشكل كامل.
وأطلق نشطاء فلسطينيون في قطاع غزة، مبادرة لتنظيم مسيرة كبيرة تتجه نحو الحدود مع إسرائيل، احتجاجا على استمرار "الحصار"، وخطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الهادفة إلى "تصفية القضية الفلسطينية"، حسب تعبيرهم.
وأطلق الناشطون على المسيرة، اسم "العودة الكُبرى"، والتي ستتحول إلى "اعتصامات سلمية ومفتوحة، على طول السياج الحدودي الفاصل بين القطاع وإسرائيل.
وقال أحمد أبو ارتيمة، مسؤول اللجنة التحضيرية لمسيرة "العودة الكُبرى"، إن "المبادرة تأتي لتأكيد اللاجئين على تمسّكهم بحقّهم في العودة إلى الأراضي التي هُجّروا منها عام "1948؛ في ظل تقليص واشنطن دعمها المالي للوكالة المُغيثة لهم "أونروا"، ووسط دعوات إسرائيلية بإنهاء عمل الوكالة.
وأعلنت الولايات المتحدة الأمريكية، في 23 يناير/ كانون ثاني الماضي، عن تجميد مبلغ 65 مليون دولار من مساعداتها لـ"أونروا".
وسبق أن طالبت إسرائيل أكثر من مرة بحل الوكالة، وضم مهامها إلى مفوضية شؤون اللاجئين في الأمم المتحدة.
وأوضح أبو ارتيمة في حوار خاص مع وكالة الأناضول، أن تحضيرات تتم في هذه الفترة، لبدء اعتصامات مشابهة في مناطق التماس مع الجانب الإسرائيلي، في الضفة الغربية والأردن ولبنان وسوريا ومصر.
وذكر أن هذه المبادرة تستند إلى قرار 194 الصادر عن الأمم المتحدة عام 1948، والذي يقضي بالسماح بعودة اللاجئين إلى ديارهم التي هجروا منها.
وبيّن أن المشاركين في "الاعتصام لن يستخدموا العنف ولن يلقوا الحجارة باتجاه الجيش الإسرائيلي".
كما ذكر أن خيام الاعتصامات سيتم نصبها على بعد 700 متر من السياج الحدودي الفاصل بين القطاع وإسرائيل.
ولم تحدد اللجنة التحضيرية الموعد الفعلي لانطلاق اعتصاماتها، لكن أبو ارتيمة يتوقع أن تبدأ خلال الأسابيع القليلة المقبلة.
وقال إن "الثورة السلمية هذه تأتي في مواجهة تصفية حقوق الشعب الفلسطيني، وفراراً من الموت البطيء التي يواجه في قطاع غزة؛ حيث أكدت تقارير الأمم المتحدة أنه لن يكون صالحاً للحياة بعد عامين".
وفي يوم الجمعة من كل أسبوع، يتظاهر فلسطينيون من غزة قرب السياج الحدودي الفاصل، بين قطاع غزة وإسرائيل، رفضاً لقرار "ترامب" الذي اعتبر القدس عاصمة لإسرائيل.
وفي 6 ديسمبر/ كانون أول الماضي، أصدر ترامب، قراراً اعتبر فيه القدس (بشقيها الشرقي والغربي) عاصمةً لإسرائيل، وأعلن نقل سفارة بلاده من تل أبيب إلى المدينة المحتلة.
وعادة ما يستخدم الجيش الإسرائيلي قنابل الغاز المسيل للدموع والرصاص الحي والمطاطي لقمع المتظاهرين، الذين يردون برشق جنوده بالحجارة والزجاجات الحارقة.
وفي ذات السياق، قال مسؤول في حركة الجهاد الإسلامي إن منظمته طرحت مبادرة مماثلة على الفصائل الفلسطينية، وتنتظر ردها عليها.
وقال داود شهاب، الناطق باسم حركة الجهاد، لوكالة الأناضول، إن حركته عرضت على الفصائل الفلسطينية، قبل نحو شهرين، مبادرة لبدء اعتصامات وتظاهرات شعبية على طول الحدود مع قطاع غزة.
وأضاف شهاب، إن الفكرة قيد الدراسة والمناقشة من قبل الفصائل.
وأوضح أن حركته أعادت طرح تلك الفكرة بشكّلها المعمّق، خلال اجتماع الفصائل الفلسطينية بغزة، الأحد الماضي، مع وضع التصور الكامل والأهداف من وراء تلك المسيرات.
ومن المتوقع أن تحصل الحركة على رد الفصائل تجاه المبادرة، الأحد القادم.
وذكر شهاب أن "الحراك الشعبي والجماهيري في المناطق الحدودية من المقرر أن يتواصل على مدار الساعة؛ كي يشعر الاحتلال (الجيش الإسرائيلي) بالأزمة الحقيقية التي تواجهه".
ومن بين الأهداف التي تسعى هذه المبادرة لتحقيقها، وفق شهاب، "إسقاط قرار الرئيس الأمريكي ترامب، بشأن القدس، ومواجهة السياسات الاستيطانية الإسرائيلية، والتأكيد على حق العودة، وكسر الحصار الإسرائيلي الذي دخل عامه الـ(11)، وإلغاء المنطقة العازلة على طول حدود القطاع، ومنع إقامة الجدار العازل في الضفة الغربية".
وبيّن شهاب أن مبادرة حركته "تقوم على التدرج في العمل النضالي، حيث تبدأ باعتصامات على طول الحدود، ومن ثم مسيرات وتظاهرات، وإقامة صلوات الجمعة في المناطق الحدودية، ومساندة المزارعين وتمكينهم من الزارعة حتّى النقطة صفر من السياج الفاصل".
ولا يستبعد شهاب أن تخترق تلك المسيرات، في وقت لاحق من انطلاقها، الحدود (بين قطاع غزة وإسرائيل) للضغط باتجاه تحقيق الأهداف.
وقال: " لا نقبل أبداً أن يفرض الاحتلال منطقة عازلة، من ضمن الاهداف إلغاء المنطقة العازلة، واللاجئين يجب أن يعودوا إلى ديارهم، هذه الحدود التي يحاول الاحتلال أن يفرضها كأمر واقع مرفوضة".
وتحظر القوات الإسرائيلية على الفلسطينيين في غزة دخول المنطقة المحاذية للشريط الحدودي لمسافة 300 متر، وتطلق عليها اسم "المنطقة العازلة"، وتطلق الرصاص أو تعتقل كل من يتواجد فيها.
**تطور مهم
يرى الكاتب والباحث الفلسطيني حسام الدجني، أن تلك المبادرات قد تشكّل "منفذاً حقيقياً للفلسطينيين من الحصار الخانق الذي تفرضه إسرائيل، في حال خُطط لها بشكل سليم".
ويعتقد الدجني، في حديثه لوكالة الأناضول، أن الحراك على حدود غزة يجب أن يكون "سلمياً بما تعنيه الكلمة، وشعبياً ليس له أي لون حزبي".
وأضاف: " على الأطفال والشيوخ والنساء والمتضامنين الأجانب أن تتقدم تلك المسيرات للتأكيد على سلميتها".
ويؤكد الدجنى على ضرورة الابتعاد عن العنف في تلك الحراكات الشعبية وأن لا يتم خلالها –على أقل تقدير- رشق الجيش الإسرائيلي على الجانب الآخر من الحدود، بالحجارة.
واستكمل قائلاً: " ممكن أن تبدأ على مراحل، الشباب يعزفون الموسيقى ويغنون، ويتعلمون بالقرب من الحدود فتقام مدارس متنقلة".
ويشدد الدجني أن ذلك النوع من الحراك "سيضغط كثيراً على إسرائيل ويدفعها باتجاه تخفيف الحصار عن غزة".
وبحسب المراقب الفلسطيني، فإن إسرائيل تخشى "سيناريو تدفق المواطنين نحو الحدود أكثر من خشيتها للحرب العسكرية مع الفصائل الفلسطينية".
ويتابع قائلاً: " الاحتلال الاسرائيلي يرتكز على الصورة القومية له في الرأي العام الغربي، في حال أظهر الاعلام همجية جيشه في التعامل مع المدنيين، والذين لا يلقون حجارة، ستتأثر صورتها كثيراً في الاطراف الدولية".
وفي السياق، ترسل تلك الحراكات على الحدود رسالة إلى الجانب الإسرائيلي بأن "(اتفاقية السلام الموقعة عام1993) أوسلو انتهت وعلى الاحتلال أن يتسلم مفاتيح السلطة في الأراضي الفلسطينية"، بحسب الدجني.
ومن جانبه، يقول مصطفى إبراهيم الكاتب والمحلل السياسي، إن الخروج في مسيرات واعتصامات مفتوحة نحو حدود غزة هو "توجه مهم جداً ويجب تعميمه في جميع الأراضي الفلسطينية المحتلة، وتحديداً غزة".
ويرى أنه في حال نجحت الفصائل الفلسطينية في تحشيد الجماهير للخروج في هذه المسيرات من شأنه أن "يعطي فرصة جيدة لرفع الذرائع الإسرائيلية من أن غزة مسلّحة ومقاومتها عسكرية فقط".
كما من المقرر أن تحمل المسيرات الحدودية رسائل عدة لإسرائيل وللمجتمع الدولي أن "قطاع غزة يشهد حالة إنسانية غير مسبوقة بفعل 12 عاماً من الحصار الإسرائيلي"، بحسب إبراهيم.
لكنه يشكك في رغبة الفصائل الفلسطينية بـ"التوجه للمقاومة السلمية والشعبية"، قائلاً إنها لم تنجح حتّى اليوم في إيجاد وسائل قوة لتحشيد عدد أكبر من المسيرات الشعبية.
وربما تكون تلك المبادرات امتداداً لما دعا إليه إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس"، في ذكرى الانتفاضة الأولى، للانتفاضة الشعبية، بحسب إبراهيم.