المصدر / وكالات - هيا
لم تنتظر الأوساط السياسية التونسية طويلا، لتقف على حقيقة أهداف حركة النهضة الإسلامية، من وراء دعمها لرئيس الحكومة يوسف الشاهد، حيث بدأت أبعاد ذلك الدعم تتضح تدريجيا عبر رسائل سياسية بالغة الخطورة بحكم ارتباطها بالتجاذبات والاصطفافات الإقليمية.
وشكل الإعلان الرسمي عن زيارة مُرتقبة للشيخة موزا بنت ناصر المسند، زوجة أمير قطر السابق حمد بن خليفة، ووالدة الأمير الحالي تميم بن حمد، إحدى أبرز تجليات تلك الأهداف الخفية التي حركت الكثير من المخاوف، واستحضرت هواجس مُتعددة سبق لها أن سيطرت على البلاد خلال فترة حكم الترويكا بقيادة حركة النهضة.
وبدت تلك المخاوف والهواجس المُرتبطة بمخاطر جر البلاد نحو التخندق من جديد في المحور القطري، مشروعة ولها ما يُبررها على أرض الواقع، لا سيما وأن كل الدلائل تشير إلى أن قطر لم تتوقف عن محاولاتها لاختراق عزلتها العربية، عبر أدواتها الوظيفية التي تدور فلك المشروع الإخواني.
ولما كانت حركة النهضة الإسلامية، واحدة من تلك الأدوات الوظيفية، فإن المسألة تأخذ أبعادا خطيرة، خاصة وأن وكالة الأنباء القطرية الرسمية، وفي برقية لافتة لها، قالت إن الشيخة موزا “ستصل تونس خلال الأسبوع القادم، بدعوة من رئيس الحكومة، يوسف الشاهد، في زيارة ستُخصص لمُناقشة جملة من المواضيع والقضايا المتعلقة بفرص تمويل الشباب وتوظيفهم”.
واعتبرت أن زيارة الشيخة موزا لتونس تأتي “بصفتها عضو في المجموعة المدافعة عن أهداف التنمية المستدامة التابعة لمنظمة الأمم المتحدة”، لافتة في نفس الوقت إلى أنها ستقوم خلال تواجدها في تونس بزيارات ميدانية لمشاريع مؤسستي “التعليم فوق الجميع” و”صلتك” اللتين تتولى رئاستهما.
لكن هذه التوضيحات لم تُبدد المخاوف والهواجس، بل أثارت الكثير من التساؤلات حول دلالات هذه الزيارة وأبعادها السياسية، لا سيما في هذه الفترة التي دخلت فيها الأزمة السياسية في تونس منعرجا لافتا بعد إعلان الرئيس الباجي قائد السبسي القطيعة مع حركة النهضة والتحذير من أن البلاد مُقدمة على مغامرة هو براء منها.
وتتهم غالبية الأوساط السياسية التونسية، حركة النهضة بتعميق الأزمة التي تشهدها البلاد، من خلال تشجيعها يوسف الشاهد، على التمرد على حزبه حركة نداء تونس، وعلى الرئيس السبسي الذي اقترحه رئيسا للحكومة، إلى جانب مُحاصرته بمناورات وحسابات ومعادلات لا يمكن تجاوزها، باعتبارها تصب في خانة دعم المشروع الإخواني القطري.
ويرى مراقبون أن مسألة توقيت هذه الزيارة ارتباطا بأبعادها السياسية، تستحضر مُخطط إعادة إحياء هذا المشروع ومحاولة الاستقواء به لمواجهة الأحداث والتطورات المتلاحقة التي تُحيط بالمشهد التونسي، بملفاته السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تراكمت تعقيداتها.
ورغم أن مُحاولة العودة لإحياء ذلك المشروع الذي يُوصف بـ”التخريبي” تُشكل حالة تستهدف إشغال الرأي العام السياسي في البلاد بقضايا جدلية أخرى، فإن ذلك لم يمنع النائب البرلماني، منجي الحرباوي من التأكيد على أن توقيت زيارة الشيخة موزا “مُريب”، باعتباره تزامن مع اهتمام قطري مُتزايد بتونس، وهو اهتمام لا تستسيغه غالبية القوى السياسية في البلاد.
وقال لـ”العرب”، إن السياق السياسي العام لهذه الزيارة، يدفع باتجاه دق ناقوس الخطر، ذلك أنه يأتي فيما رمت حركة النهضة بجملة من الأوراق دفعة واحدة، في سلة الشاهد، الذي كان يفترض أن يجري مراجعة سياسية للكثير من المواقف والأدوار التي ارتضى أن يكون جزءا منها.
وأعرب في هذا السياق عن أسفه لأن الشاهد بدأ ينخرط في الحلف القطري-التركي، تحت ضغوط حركة النهضة التي وصفها بـ”الإخوانية”، ضمن إطار سياسة الابتزاز والتوظيف التي تُمارسها تحت عناوين مُختلفة، أبرزها دعم مشروعه السياسي والحزبي، وذلك لجره ليس فقط نحو الاصطفاف، وإنما إلى التخندق في هذا الحلف.
وتؤكد هذه القراءة صحة ما انفردت به “العرب” في عددها الصادر في السابع من يوليو الماضي، عندما كشفت أن حركة النهضة الإسلامية وعدت الشاهد بالعمل من أجل حث السلطات القطرية على دعمه ماليا عبر تفعيل تعهداتها التي أطلقتها في المؤتمر الدولي للاستثمار.
وأشارت تحت عنوان”حركة النهضة تُحرض يوسف الشاهد على التمسك بمنصبه”، إلى أنه “رغم الخذلان القطري لتونس، تعود حركة النهضة الإسلامية إلى التسويق لقطر في هذه المرحلة الدقيقة، لإغراء يوسف الشاهد عبر الإيحاء بأن الدوحة على استعداد للوقوف إلى جانبه”.
وعلى وقع هذه التطورات التي يصعب تجاوز أبعادها، يؤكد المراقبون أنه لا يمكن القبول بمبررات تورط الشاهد في حسابات واستهدافات حركة النهضة، ولا حتى المسوغات التي تحاول رسم انحناءات في التوجه العام للدبلوماسية التونسية التي قطعت منذ رحيل الترويكا، مع سياسة الاصطفافات والمحاور على الصعيدين الإقليمي والدولي.