المصدر / وكالات - هيا
"يبدو أنه أغلى سجين في تركيا"، هكذا صاح أحد الصحفيين قرب قاعة المحكمة التي صدر بها قرار إطلاق سراح القس الأميركي أندرو برانسون في مدينة إزمير، في وقت سابق من شهر أكتوبر الجاري.
ويبدو أن هذا الوصف هو الأدق للحالة، بعدما قدم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان تنازلات في إطار صفقة مع الولايات المتحدة، لكنه في المقابل لم يحصل على شيء.
وحسب آراء متابعين، فإن الحكم بالسجن 3 سنوات على برانسون لم يكن إلا أمرا شكليا، لتجميل إطلاق سراحه وإظهاره كمسألة قضائية بحتة، لكن في حقيقة الأمر يبدو التدخل السياسي في القضية جليا، لا سيما أن الحكم مفصل ليكون قد نُفّذ بالفعل بحيث يمكن لبرانسون أن يغادر سجنه، وتركيا بأكملها، على الفور، وهو ما حدث بالفعل.
ورغم أن برانسون عاش في إزمير برفقة زوجته 25 عاما، فإن السلطات التركية لم تنتبه إلى حقيقة كونه "متهما بالإرهاب والتجسس ومرتبط بحزب العمال الكردستاني ورجل الدين فتح الله غولن المتهم بتدبير محاولة الانقلاب عام 2016"، سوى في آخر عامين.
وأخذت قضية برانسون منحى سياسيا في الأشهر الأخيرة، وتحولت إلى ساحة للمناكفة بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب ونظيره التركي، فالأول يطالب بالإفراج عنه والثاني يقول إن الأمر بيد القضاء.
لكن مع إصرار أردوغان على "قانونية المسألة"، فإنه طالب واشنطن بالإفراج عن غولن الذي يعيش في الولايات المتحدة، عندما قال في سبتمتبر 2017 موجها حديثه للأميركيين: "أنتم لديكم رجل دين أيضا. أعطونا إياه وسوف نحاول أن نعطيكم برانسون"، في تصريح كشف أن الأمر سياسي وليس قضائيا.
وبعد صدور حكم تحديد إقامة برانسون في منزله، الصيف الماضي، قررت واشنطن اتخاذ إجراءات عقابية اقتصادية تزيد أوجاع أنقرة، فضاعفت الرسوم الجمركية على صادرات الحديد والألومنيوم التركية مما أثر سلبا على الليرة، وجمدت أرصدة وزيري الداخلية والعدل التركيين لديها.
وخلال جلسة محاكمة 12 أكتوبر بدا كل شيء مرتبا بعناية، فوقف برانسون وحده أمام القضاة ولم يقل سوى: "أنا بريء. أحب المسيح وأحب تركيا"، فيما تراجع عدد من الشهود عن شهاداتهم، ليفرج عن القس.
وتحدثت تقارير صحفية أميركية عن صفقة سياسية بين أردوغان وترامب بعيدا عن القضاء، بحيث تفرج أنقرة عن القس مقابل حصولها على بعض المكاسب التي من شأنها دعم الاقتصاد المتدهور، إلا أن تركيا لم تجنِ شيئا بعد جراء هذا التنازل.
فحتى الآن، لم تظهر واشنطن أي إشارات على نواياها برفع العقوبات، بل إنها ألقت الكرة في ملعب تركيا وطالبتها بفعل المزيد.
ففي أعقاب إطلاق برانسون، سرعان ما طلبت واشنطن إطلاق سراح آخرين في السجون التركية، من بينهم سركان غولغي، العالم التركي الأميركي في إدارة الفضاء والطيران الأميركية (ناسا)، وموظفين تركيين في البعثة الدبلوماسية الأميركية.
ووفقا لمقال الكاتبة جولي هورني في موقع "فورين بوليسي"، فإن وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو أبلغ الأتراك بأن "القصة لن تنتهي عند برانسون"، وأن "باقي الأميركيين السجناء في تركيا يجب أن يطلق سراحهم".
فضلا عن ذلك، فحتى تراجع واشنطن عن عقوباتها ربما لن يساعد أنقرة على حل معضلتها الاقتصادية المتشعبة التي بدأت قبل فرض هذه العقوبات.
ونقلت هورني عن بوليت أليريزا، وهو مدير المشروع التركي في مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية بواشنطن، قوله إن "القضية الكردية لم تحل، قضية غولن لم تحل، الخلاف بشأن القدس لم يحل".