المصدر / وكالات - هيا
بينما كانت والدتها تنافح في القنوات الفضائية عن موقف الحكومة التي تمثلها في حزب المؤتمر الوطني الحاكم وتتزعم "أمانة المرأة "في قطاعاته الهرمية النافذة، كانت ابنتها تهتف مع المئات من المحتجين في المظاهرات المندلعة لأكثر من شهر احتجاجا على تدهور الوضع المعيشي والمطالبة بتنحي الرئيس عمر البشير.
ابنة أمينة المرأة بالحزب الحاكم كانت واحدة من 29 شابا وشابة من أبناء قيادات الدولة شاركوا في المظاهرات الأخيرة وألقي القبض عليهم ضمن المئات من المعتقلين!
لكن أمينة قطاع المرأة بالحزب الحاكم ترى لا غرابة في ذلك، كون ابنتها ليست معزولة عما يجري، وأضافت في حوار أجرته معها صحيفة "آخر لحظة" المقربة من الحزب الحاكم، أن ابنتها تضامنت مع المحتجين من أجل وضع اقتصادي أفضل، لكن بعد إصرارهم على شعار "تسقط بس" تكشفت لها الحقائق بشكل واضح.
تقول قمر هباني لـ"العربية.نت" إن "ابنتي ليست منتمية لحزب وليس لها أي نشاط سياسي، وشاركت في الاحتجاجات لمطالبة الحكومة بتحسين الوضع الاقتصادي، لكني أوضحت لها أن في هذه الأجواء هناك من يستغلون الأمور إلى أجندة سياسية خاصة بهم".
كمال عمر أحد أبرز المقربين من الشيخ حسن الترابي مؤسس الحركة الإسلامية بالسودان يقول لـ"العربية.نت"، إن بعض أبناء القيادات الحكومية والإسلامية يشاركون في الاحتجاجات تحت شعار "تسقط بس"، لأنهم تعرضوا لعزلة في مجتمعهم وفي الجامعات التي يدرسون بها.
لكن عمر الذي يشارك حزبه في الحكومة الحالية ويشغل منصب نائب برلماني يرى في احتجاج أبناء الطبقة الحاكمة "صورة مشرقة تعكس روعة المجتمع السوداني واستقلالية القرار والانحياز للقضايا الواعية لأزمة البلد السياسية والدستورية".
نزاع اليسار والإسلاميين
ولكن فيما يشبه النزاع التاريخي بين الإسلاميين واليساريين يحذر مدير جهاز الأمن والمخابرات من هيمنة الصوت اليساري على الاحتجاجات.
ففي تسريب لصلاح عبد الله قوش مدير جهاز الأمن والمخابرات يعترف بأن التضييق على الشباب ومحاصرة أماكن الترفيه دفعت بالشباب للحنق على النظام الحاكم.
ويعترف قوش بتفشي البطالة وانعدام الفرص لكنه يشير إلى أن الجيل الحالي هو جيل الحكومة وترعرع في كنفها ويجب أن لا يتركوه لقوى أخرى.
وسبق لمسؤول الإعلام بالحزب الحاكم في بداية الاحتجاجات اتهام "حزب عقائدي عجوز" لم يسمه بالوقوف خلف التظاهرات، في إشارة للحزب الشيوعي السوداني.
وبعد اشتداد موجة الاحتجاجات، أشار وزير الدولة للإعلام مامزم حسن صراحة إلى ضلوع الحزب الشيوعي و28 شخصا لم يسمهم في ما أسماه التحريض على الاحتجاجات.
حوار مع الشباب
وللسيطرة على هبة الشباب المفاجئة لم يجد الحزب الحاكم بدا من إطلاق مبادرة غامضة للحوار مع الشباب لكنه لم يحدد فئة الشباب المستهدفة بالحوار وما هي آليات الحوار وأجنداته.
وفيما يشبه الشعور بالتخلف عن المستجدات يوسع الحزب الحاكم من اتصالاته للبناء الحزبي هذه الأيام، وينبه باستمرار من أعلى المناصب الحزبية اهتمامهم بالشباب والقرب من قضاياهم.
لكن الصحافي فيصل صالح يرى أن اتهامات الحكومة المتكررة لليسار بجر الشباب لمواجهة مع الحكومة هو "مجرد سلاح لتنفير الناس وفزاعة لتخويف الشباب من مواصلة التظاهرات".
ويضيف صالح "اليسار موجود مثل بقية التيارات الأخرى في الحراك ولكنه لا يهيمن على التظاهرات، لكن لليسار تراث في العمل النقابي أكثر من الأحزاب الأخرى".
ماذا يقصد مدير جهاز المخابرات؟
جماعات إسلامية حديثة دخلت في خط التفسيرات المتسارعة لتظاهرات نشبت فجأة وقوامها شباب لا يتجاوز عمره العقد الثاني،
الشيخ عبد الحي يوسف صاحب النفوذ الواسع وسط التيارات الأصولية يفند آراء مدير جهاز المخابرات، ويرى أن الشباب لم يحتج لأنه حرم من تدخين "الشيشة" أو التجوال بحرية في كورنيش النيل.
علو النبرة الأيديولوجية للاحتجاجات الحالية دفع المفكر الإسلامي وأحد القيادات التاريخية للحركة الإسلامية بالتحذير مما أسماها "الثنائيات المدمرة التي بدأت تطل بقرونها وستقضي على الانتفاضة الشعبية الراهنة ما لم يتم تدراكها".
يقول التيجاني عبد القادر في مقال تم تداوله بشكل واسع على وسائط التواصل الاجتماعي" تمنيت في رسالة سابقة بعنوان "بصيص من الأمل أن يتجاوز الجيل الجديد ثنائية علماني/إسلامي لأنها تشير إلى قريب مما بات يعرف في عالم الصفقات "بالمعادلة الصفرية" التي تعني أن ما يناله هذا الطرف من أرباح سيعني بالضرورة خسرانا مبينا على الطرف الآخر، وأن ما يحققه هذا الطرف من تقدم سيكون بالضرورة خصما من حظوظ الطرف الآخر، وهكذا تستمر العلاقة الصفرية بين الطرفين خصومة لا تنقطع وتدمير متبادل لعلاقة لا يحيا فيها طرف إلا بهلاك الآخر، علاقة لا توجد فيها منطقة وسطى".
لكن مفكرا إسلاميا آخر صاحب نفوذ كبير وأحد أبرز المقربين من الشيخ "حسن الترابي فاجأ الحضور في جلسة حوار صاخبة حيث قال في تفسيره للتظاهرات "إنها في حاجة لروح مسيحية"، ويعني تغليب روح التسامح والبعد عن الانتقام.