المصدر / وكالات - هيا
بدأ البرلمان المصري العمل على تعديل الدستور لزيادة مدة ولاية رئيس الجمهورية من أربع سنوات إلى ست، وإضافة نص مؤقت يسمح للرئيس عبد الفتاح السيسي بالبقاء في السلطة حتى عام 2034، وهو تحول يعكس نظرة السيسي للدستور التي عبر عنها بأحاديث مختلفة في السر والعلن.
بين السيسي وبين فكرة الدستور أصلا علاقة متوترة، فقد انقلب عليها في الثالث من يوليو/تموز 2013 حين كان وزيرا للدفاع، فأطاح بالرئيس محمد مرسي وأعلن تعطيل العمل بالدستور. وتشكلت في أعقاب ذلك لجنة الخمسين التي تولت مهمة تعديل الدستور، لكن عملها لم يكن موافقا لهوى السيسي كليا على ما يبدو.
تسرب تسجيل صوتي لكواليس الحوار الذي أجراه السيسي مع الصحفي ياسر رزق في أعقاب الانقلاب، فكشفت التسريبات جانبا من نظرة السيسي للدستور، وكيف يرى أهدافه ووظائفه.
يتهم السيسي في التسجيل لجنة الخمسين بأنها "طففت في الميزان"، و"التفّت" على المطالب "الشعبية" التي يرى السيسي أنه استجاب لها في يوليو/تموز 2013.
يقول السيسي "العقد الذي تم تقديمه للناس في 3 يوليو كان تعديلات على الدستور، وبعد ذلك حدث تطفيف في الميزان... أنت كان منتهى أملك أن تجري تعديلات دستورية تجعل هذا الدستور منسجما مع المصريين"، ويضيف "لماذا حين جاءت الفرصة وأصبح الدستور أمامك قلت لا لنكتب دستورا جديدا، لماذا تطفف في الميزان؟".
السيسي يطلب التحصين
وفي مقطع آخر من التسجيل الذي تسربت أجزاؤه تباعا، تحدث السيسي عن رغبته في الحصول على وضع خاص في ذلك الدستور الجديد، فقال مخاطبا الصحفي ياسر رزق "(ينبغي أن) تقودوا حملة مع المثقفين لوضع فقرة في الدستور تحصن الفريق السيسي في منصبه كوزير للدفاع، وتسمح له بالعودة لاستئناف دوره حتى لو لم يدخل الرئاسة".
وربما تكون أحاديث السر أصدق تعبيرا عن موقف السيسي من الدستور، إذ إن أحاديثه العلنية تذبذبت وتأرجحت وفق ردود الفعل التي كان يتحسب لها.
فقبل أيام من الاستفتاء الشعبي على دستور لجنة الخمسين في يناير/كانون الثاني 2014، تحدث السيسي في احتفال القوات المسلحة بمناسبة المولد النبوي الشريف، فقال "الدستور خطوة على طريق المستقبل لمصر"، ورأى أن نزول الشعب للتصويت في الاستفتاء هو إنقاذ لمصر، حيث قال "لن أقول الدستور أمانة في رقبتكم، مصر أمانة في رقبتكم"، وناشد النساء المصريات النزول للتصويت من أجل الدستور.
دستور النوايا الحسنة لا يبني بلدا
وبعد نحو عشرين شهرا فقط من إقرار الدستور، أثار السيسي عاصفة حين قال في مؤتمر لشباب الجامعات المصرية في سبتمبر/أيلول 2015، إن بعض مواد الدستور كتبت "بحسن نية"، وأضاف أن "الدول لا تبنى بالنوايا الحسنة".
ويبدو أن رجال السلطة أدركوا ما أثاره هذا التصريح من جدل، فسارع الإعلام الرسمي لحذف تصريح "النوايا الحسنة"، ولكن بعد فوات الأوان، فقد تناقلته وسائل إعلام عديدة.
وبعد ثلاثة أسابيع من التفاعلات، خرج السيسي خلال احتفال بذكرى حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973 وقدم توضيحا لتصريحه المثير للجدل محاولا تهدئة الأجواء، لكنه ربما كشف عن غير قصد بعض ما عناه حقا، فقد قال في بداية كلامه "تكلمت عن تعديل الدستور.. أو الانتخابات البرلمانية وقلت عبارة سأوضحها لحضراتكم".
وتابع "قلت إن الدستور الذي استفتينا الشعب المصري عليه وأخذ أغلبية كبيرة، فيه حسن نوايا كثيرة، ولقيت الناس تحسبت من هذا الكلام وأنا معهم أشارككم تحسبكم، لكن سأذكركم بشيء.. لا تتعاملوا معي على أني صاحب سلطان، أنا واحد منكم".
وأضاف "لا نريد أن نفقد ثقتنا ونتشكك في أي كلمة تقال... لن يستطيع أحد فرض إرادته على الشعب، سواء الرئيس أو غيره، بعد التغيير الذي حدث في 30 يونيو، ولن يستطيع أي رئيس البقاء في موقعه رغما عن إرادة الناس".
وأوضح السيسي أنه كان يقصد بتصريحه أن الدستور أعطى البرلمان صلاحيات واسعة، وأن تعويق بعض القوانين عبر البرلمان قد يضر بالبلاد، كما أنحى باللائمة على الإعلاميين في تشكيك الجمهور.
وقال "أرجو ألا نخرج التصريح عن معناه الحقيقي ونخوف أنفسنا ونخوف الناس. أنا واحد منكم"، ومنذ تلك التوضيحات، أصبح السيسي أكثر حذرا في حديثه عن الدستور، كما تكشف التصريحات التالية.
الشعب المصري لن يسمح بذلك
في حوار نشر في فبراير/شباط 2016، سألت مجلة جون أفريك الفرنسية السيسي إن كان سيعدل الدستور ليبقى في الحكم أكثر من ثماني سنوات، فقال إن الشعب المصري لن يسمح بذلك لأنه "يتسم بالذكاء وبحضارة عريقة، والشعب يعرف جيدا كيف يختار، فعندما رفضوا مرسي نزل ثلاثون مليون مواطن إلى الشارع"، بحسب قوله.
وفي جزء آخر من الحوار، رأى السيسي أن "الديمقراطية عملية طويلة ومستمرة وسيتطلب تحقيقها في مصر فترة تتراوح من عشرين إلى 25 عاما".
وفي ديسمبر/كانون الأول 2016، تحدث السيسي في مؤتمر للشباب، فقال إن تداول السلطة مضمون، وأضاف أن "من يكلمكم لا يستطيع أن يبقى في مكانه يوما واحدا زيادة، سيذهب طبقا للدستور، ولم يكن أحد يستطيع أن يقول ذلك أو يفكر فيه (في الماضي)".
وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2017، قال السيسي في مقابلة مع تلفزيون "سي إن بي سي" الأميركي "أنا مع الالتزام بفترتين رئاسيتين مدة الواحدة منهما أربعة أعوام ومع عدم تغيير هذا النظام"، ثم أردف "أقول إن لدينا دستورا جديدا الآن، وأنا لست مع إجراء أي تعديل في الدستور في هذه الفترة".