المصدر / وكالات - هيا
"معركتها الأخيرة".. هكذا وصف محللون المناورة الأخيرة لرئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي في البرلمان، فعقب "هزيمة الثلاثاء" تكون ماي قد خسرت آخر أوراقها ومراهناتها بحسب مراقبين، وتكون المملكة المتحدة قد دخلت بالفعل نفقا مظلما.
ماي التي فشلت للمرة الثانية في كسب تأييد البرلمان لاتفاق الخروج من الاتحاد الأوروبي، أدخلت البلاد معها في أعقد أزمة سياسية، أزمة وصفها المحلل السياسي دانيال فنكلستين بأنها "أعقد مما تبدو عليه وتظهر حجم مأزق خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في السنوات القادمة".
وعقب هذا الإخفاق الجديد تقف المملكة المتحدة أمام خيارين: إما التصويت اليوم الأربعاء لصالح الخروج دون اتفاق، وفي حال رفض هذا الخيار: المضي قدما في التصويت غدا الخميس لصالح تمديد البقاء مؤقتا في الاتحاد إلى حين التوصل لاتفاق جديد أو عقد استفتاء ثان؛ أو إجراء انتخابات جديدة.
ولا تستبعد الأوساط السياسية والمراقبون استقالة ماي والدعوة لانتخابات عامة مبكرة، بالنظر لحجم المأزق القائم ورفض البرلمان صفقتها مع عدم وجود مؤشرات على إقدام الاتحاد الأوروبي على تقديم أي تنازلات جديدة.
وفي حديث للجزيرة نت، يرى الباحث المختص في الشؤون البريطانية البروفيسور كامل حواش أن الاتحاد الأوروبي ربما لا يقبل التأجيل إلا إذا كانت لدى بريطانيا نية لإجراء انتخابات أو استفتاء ثان، وفي الوقت الذي ترفض فيه رئيسة الوزراء الخيارين وفي ظل فشل حكومتها في تمرير سياستها، فمن المرجح استقالة الحكومة والدعوة لانتخابات عامة بحسب الخبير.
ويضيف حواش أن ماي لم ترض أحدا، لا حزبها ولا المعارضة، وما زالت المشكلة الأساسية قائمة وهي حدود إيرلندا، وستظل هذه النقطة سببا في فشلها.
وصوت 391 نائبا ضد صفقة رئيسة الوزراء أمس، فيما وافق عليها 242، وتعكس هذه الأرقام حجم المعضلة التي تعانيها ماي وانقسام حزبها ذاته الذي صوت 75 منه ضد خطة زعيمتهم.
وكان للرأي القانوني الذي قدمه المدعي العام البريطاني وخلص فيه إلى أن ضمانات الاتحاد الأوروبي غير كافية، بالغ الأثر في تصويت النواب ضد صفقة ماي.
وفي الوقت الذي تشير فيه معظم المؤشرات إلى اتجاه البرلمان نحو طلب تأجيل الخروج، تبرز في هذا الأمر مشكلة أخرى هي أن تأخير النواب موعد الخروج سيفرض على المملكة المتحدة المشاركة في الانتخابات الأوروبية المزمع عقدها بين 22 و26 مايو/أيار القادم.
كما أن التأجيل يحتاج إلى موافقة مسبقة من الاتحاد الأوروبي، والذي ربط رئيسه سابقا الموافقة على ذلك بتقديم المملكة المتحدة مبررات مقنعة، وهي التي لا تتوفر لدى رئيسة الوزراء حاليا.
وفي حال التأجيل، قد تشرع بريطانيا في محاولة إقناع الاتحاد الأوروبي مجددا بتعديل الاتفاق، أو قد تتجه لتنظيم استفتاء ثان أو إجراء انتخابات عامة جديدة.
من جهته طالب زعيم حزب العمال المعارض جيرمي كوربن بسحب ملف بريكست من يد رئيسة الوزراء والدعوة لانتخابات عامة. وتأتي دعوة كوربن في وقت تتعالى فيه الأصوات المطالبة بسحب الملف كاملا من يد ماي وتولي البرلمان زمام الأمور.
ودعت صحيفة فايننشال تايمز لذلك صراحة، ورأت الصحيفة في مقال مشترك لعدد من محرريها أن صفقة رئيسة الوزراء قد انتهت، وأنه يتوجب على مجلس العموم تولي المسؤولية، وأن تكون الأولوية الآن هي تجنب الفوضى في البرلمان التي قد يستغلها متطرفون من اليسار واليمين.
كما ينبغي -وفقا للصحيفة- تجنب فوضى الخروج دون صفقة، وخلق مساحة لإعادة التفكير في خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
وحتى هذه اللحظة، يرفض الاتحاد الأوروبي إعادة التفاوض بشأن "شبكة الأمان"، الإجراء الوارد في اتفاق بريكست بهدف تفادي عودة الحدود فعليا بين جمهورية إيرلندا العضو في الاتحاد الأوروبي ومقاطعة إيرلندا الشمالية البريطانية.
ويزيد من تعقيد المشهد تصريحات رئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك أن بريطانيا تقترب أكثر من احتمال الخروج من الاتحاد دون صفقة، وهو ما يضاعف من الضغوط على المملكة المتحدة، ويزيد المخاوف من حجم الآثار السلبية السياسية والاقتصادية التي ستترتب عليها في حال الانتهاء لهذا الخيار.