المصدر / وكالات - هيا
محمد المنشاوي-واشنطن
تعرف واشنطن انقساما إزاء تصعيد إدارة الرئيس دونالد ترامب مع إيران، بين قوى متشددة تقترب من دوائر المحافظين الجدد وترحب بالتوتر في الخليج واحتمالات حدوث مواجهات عسكرية، وبين قوى معتدلة لا تسعى للتصالح مع طهران لكنها لا ترغب في مواجهة عسكرية محتملة لا يعرف أحد تفاصيلها ولا طريقة إنهائها.
بدأت تهديدات ترامب ضد إيران مبكرا، وبعد أيام قليلة من وصوله للبيت الأبيض أعلن مستشاره السابق للأمن القومي الجنرال مايكل فلين حينذاك: "سنضع إيران تحت المجهر".
عدد كبير من الصقور ممن يتبنون موقفا متشددا ضد إيران يشغلون مناصب مهمة في إدارة ترامب، منهم مايك بينس نائب الرئيس، ووزير الخارجية مايك بومبيو، إلا أن مستشار الأمن القومي جون بولتون يعد الأكثر تشددا.
ويشهد تاريخ بولتون قبل وبعد انضمامه إلى إدارة ترامب مواقف لا تخفي رغبة في القضاء عسكريا على النظام الحاكم في طهران وتغييره بالقوة.
وتحت عنوان "لإيقاف قنبلة إيران.. اقصفوا إيران"، كتب بولتون في مارس/آذار 2015 مطالبا إدارة الرئيس السابق باراك أوباما بقصف إيران بدلا من التفاوض معها حول الملف النووي.
وقبل عامين وخلال مشاركته في مؤتمر للمعارضة الإيرانية عُقد في العاصمة الفرنسية باريس، عبّر بولتون عن ضرورة تغيير النظام في طهران، وقال "إن السياسة العلنية للولايات المتحدة يجب أن تكون الإطاحة بنظام الملالي في طهران، لأن سلوك هذا النظام وأهدافه لن تتغير، وبالتالي فالحل الوحيد هو تغيير النظام نفسه".
وفي فبراير/شباط الماضي ولدى احتفالات إيران بالذكرى الأربعين لثورتها الإسلامية، ظهر بولتون في فيديو بثه البيت الأبيض ندد فيه بالسياسات الإيرانية ووجه رسالة للمرشد الأعلى علي أكبر خامئني، قائلا "لا أعتقد أنك ستحتفل بالذكرى السنوية للثورة مرة أخرى"، وهو ما رآه الكثيرون تكرارا لرغبته المباشرة في تغيير النظام في طهران.
عارضت العديد من المراكز البحثية اليمينية المحافظة التوصل لاتفاق نووي بين إيران والدول الكبرى عام 2015، وعادت لترحب بانسحاب ترامب من الاتفاق، ولم تتردد في إمداد البيت الأبيض بالأبحاث والدراسات الدافعة للتشدد ضد إيران.
وفي مقدمة تلك المراكز البحثية "مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات" و"معهد هدسون" و"مؤسسة هيريتج" و"منتدى الشرق الأوسط".
ودعا الباحث في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات ماثيو زوينج إدارة ترامب إلى التشدد في العقوبات على طهران، وعدم تجديد إعفاء بعض الدول من استيراد النفط الإيراني، وهو ما تبنته الإدارة لاحقا.
وقال زوينج "قد تفقد واشنطن مصداقيتها إذا تم السماح للدول باستيراد النفط الإيراني، ولا يجوز السماح بالتصدير إلا إذا قدمت طهران تنازلات واسعة، وأي سماح بالتجارة مع إيران من شأنه أن يظهر واشنطن بموقف الضعيف، وسيفتح الباب للدول المختلفة لتحدى العقوبات الأميركية، وعلى إدارة ترامب أن تتمسك بمواقفها المتشددة".
في حين امتدح رئيس المنظمة كليفورد ماي قرار ترامب فرض المزيد من العقوبات، وقال "يرى ترامب أنه من دون ممارسة أقصى درجات الضغط على طهران، سيستطيع قادرة إيران المناورة والانتظار حتى يغادر البيت الأبيض".
أما الباحث بنفس المؤسسة رايل مارك غيرنتش، فكتب في مجلة أتلانتيك يقول "إن الاتفاق النووي مع إيران كان خطأ أخلاقيا وإستراتيجيا، ومن حسن الحظ أن ترامب قام بإلغائه".
وفي الاتجاه نفسه يعتقد مايك بريجنيت الباحث في معهد هادسون، أن "الضغوط على طهران هي الأقوى خلال الأربعين عاما الماضية، وهذا هو الوقت المناسب لتشديد الضغوط عليها حتى الانتخابات الأميركية القادمة، وذلك عن طريق المزيد من العقوبات على جهات وقيادات إيرانية".
ويرى بريجنيت "أنه ليس من الحكمة التفاوض الآن، بل بعد الانتخابات القادمة حتى تشعر إيران بوطأة العقوبات عليها، حيث تتفاوض وهي أكثر ضعفا مما هي عليه اليوم".
تباين
على الجانب الآخر، هاجم بن رودس كبير مستشاري الرئيس السابق باراك أوباما، اختيار رئيس القيادة الوسطى العسكرية الجنرال كينيث ماكينزي لحديث في ندوة عقدتها مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات قبل يومين؛ وقال بن رودس "لماذا يتحدث قائد عسكري أمام مركز بحثي أيديولوجي يُضخم ويركز على ضرورة الصراع مع إيران".
من جهته يرى الباحث في مجلس العلاقات الخارجية فيليب جوردن أن التصعيد الأخير "يرجع لموقف ترامب الذي بادر بإلغاء الاتفاق النووي المهم مع إيران، في الوقت الذي احترمت فيه طهران تعهداتها".
ويرى جودرن أن فرض إدارة ترامب مزيدا من العقوبات هو ما أدى إلى سلسلة الأحداث التي أوصلتنا لنقطة التوتر الحالية".
وتتخذ مراكز الأبحاث الليبرالية موقفا متحفظا تجاه سياسة ترامب نحو إيران منذ انسحابه من الاتفاق النووي قبل عام، وما تبعه وصولا للحظة التوتر الحالية.
ويتبني مركز بروكينغز ومؤسسة كارنيجي ومجلس العلاقات الخارجية ومركز الدراسات السياسية والإستراتيجية؛ في المجمل مواقف داعية لضرورة نزع فتيل الأزمة قبل الوصول إلى نقطة اللاعودة.
وعلى العكس من مراكز القوة في واشنطن، لم ينقسم الشعب الأميركي تجاه إيران، وأظهر موقفا مؤيدا للرئيس ترامب طبقا لاستطلاع أجرته مؤسسة راسموسين.
وطبقا لنتائج الاستطلاع الذي أجري يومي 6 و7 مايو/أيار الجاري وشمل ألف ناخب أميركي، يعتقد 25% من الناخبين أن سياسة ترامب تجاه إيران "تعد عدائية جدا"، في حين يرى 26% أن سياسة ترامب "ليست عدائية بما يكفي"، بينما اعتبر 38% منهم أن سياسة ترامب تجاه إيران "مناسبة".