المصدر / وكالات - هيا
"عايش.. والله العظيم عايش" بحرقة ردد فاضل هذه الكلمات فور انتشال طفله أحمد من بين أنقاض منزلهما المدمر بغارات للنظام السوري، استهدفت مدينة أريحا بريف إدلب الجنوبي، قبيل ساعات قليلة من دخول وقت الإفطار.
استلقى فاضل إلى جانب جثة ابنه الوحيد في مدخل المشفى ليمسح الغبار والدماء عن جسده الغض، يتمتم بدعوات إلى الله وعيناه شاخصة تجاه طفله الممدد على الأرض، قبل أن يجهش ببكاء هزّ مشفى أريحا الوطني، بعد أن فشل الأطباء بإنقاذ مصطفى الذي فارق الحياة مختنقا بالتراب.
بصوت غلب عليه البكاء يقول فاضل ريحاوي "كنت في العمل حين علمت من أحد الجيران أن منزلي تعرض لقصف جوي، وحين وصلت إلى المنزل وجدت البناء السكني تحول كله إلى كومة ركام دفن تحته أفراد عائلتي".
ويضيف في حديث للجزيرة نت "بعد ساعات من البحث بين الأنقاض انتشلنا مصطفى الذي بدا لي أنه ما زال على قيد الحياة، لكن الأطباء أكدوا بعد الفحوصات وفاته نتيجة تسرب التراب إلى رئتيه".
وتساءل السيد فاضل ريحاوي عن سبب صمت العالم إزاء المجازر التي يرتكبها النظام بحق السوريين، حيث قال "هل يستمتع العالم بمشاهد القتل الجماعي في سوريا؟ من المؤكد أن الزعماء لا يأبهون لمقتل الآلاف من الأطفال والنساء وكبار السن، لكن ماذا عن الشعوب؟".
القصف الجوي على مدينة أريحا القريبة من مركز مدينة إدلب خلف وفق مصادر طبية أكثر من 12 قتيلا وعشرات المصابين، إضافة لتهدم أبنية سكنية.
وأشارت المصادر الطبية إلى احتمال ارتفاع أعداد القتلى في أريحا، نتيجة استمرار عمليات البحث عن عالقين تحت الركام من قبل فرق الإنقاذ التابعة لمنظمة الخوذ البيضاء.
داخل أحد الأقبية بمدينة معرة النعمان تحدث أبو عامر الذي آثر البقاء في منزله رغم القصف بسبب أوضاع النازحين السيئة في المخيمات أو المشردين في البساتين.
يقول أبو عامر مبيض (44 عاما) للجزيرة نت إن "البقاء في هذا القبو أفضل بألف مرة من تذوق مرارة النزوح والتشرد، مع العلم أننا لم نتناول وجبة كاملة منذ أيام نتيجة ارتفاع وتيرة القصف في فترة السحور والفطور".
وأوضح المبيض أن مدينة معرة النعمان والمناطق المجاورة فرغت من سكانها مع توسع رقعة القصف، حتى أنه اضطر مؤخرا للتسوق من المحال التجارية في مدينة إدلب، لافتا إلى أن انقطاع التيار الكهربائي منذ أيام بسبب تضرر المولدات يشكل معاناة إضافية في شهر الصوم.
وتداول الناشطون عبر مواقع التواصل الاجتماعي مقطع فيديو يظهر جثثا متفحمة لنساء وأطفال قتلوا حرقا بريف حلب، جراء اشتعال النيران في محال لبيع المحروقات، عقب قصف جوي روسي.
وأظهر مقطع آخر رثاء أحد الأشخاص بريف إدلب طفليه اللذين قتلا بغارة جوية على بلدة احسم في جبل الزاوية بريف إدلب الجنوبي.
قصف عشوائي
وفي قرية حزارين بريف إدلب الجنوبي قتل ستة أشخاص، بينهم ثلاثة أطفال، وأصيب تسعة آخرون بجروح، عقب إلقاء الطيران المروحي خمسة براميل دفعة واحدة، في حين سقط قتلى وجرحى في قرية كفر حلب قرب مدينة الأتارب بريف حلب الغربي، جراء غارات روسية.
كما شمل القصف الجوي للنظام السوري وروسيا مدن وبلدات خان السبل، معرة النعمان، احسم، سفوهين، خان شيخون، كنصفرة، كفرنبل، حيش، معرة حرمة، بريف إدلب الجنوبي، مما أسفر عن وقوع أعداد من الجرحى في صفوف المدنيين.
وأصيب مدني بجروح عقب استهداف طائرات النظام بالنابالم الحارق بلدة الهبيط بريف إدلب الجنوبي، في وقت خرجت فيه معظم المشافي الميدانية جنوبي إدلب عن الخدمة، نتيجة الاستهداف المباشر من المقاتلات الحربية.
إذ تعرض مشفى السلام في مدينة كفر نبل في جبل الزاوية بريف إدلب، الثلاثاء الماضي، لقصف جوي أدى لتهدم المشفى واحتراق المعدات الطبية داخله، ما حرم آلاف المصابين والمرضى في المنطقة من تلقي العلاج، وفق ما قال أحد أعضاء الكادر الطبي للجزيرة نت.
وطال القصف العشوائي كذلك بلدات اللطامنة وكفر زيتا وتل الصياد بريف حماة الشمالي، وتعرضت قرى السرمانية وبداما وجسر الشغور والتفاحية بريف اللاذقية الشمالي لقصف مدفعي وصاروخي، بالتزامن مع دفع النظام السوري تعزيزات عسكرية إلى محاور القتال في أرياف حماة وإدلب.
نزوح الآلاف
ووثقت مديرية الدفاع المدني في إدلب مقتل 250 شخصا وإصابة 590 بجروح منذ بدء النظام وروسيا حملة القصف على مناطق مشمولة باتفاق خفض التصعيد منذ 25 أبريل/نيسان الماضي.
من جانبه، قال خالد خطيب عضو المكتب الإعلامي في منظمة الخوذ البيضاء "توسع حملة القصف على محافظة إدلب وأرياف حماة واللاذقية وحلب، أسفر عن نزوح أكثر من 400 ألف مدني باتجاه القرى الحدودية مع تركيا، في ظل ظروف إنسانية قاسية".
كما أوضح الخطيب في حديث للجزيرة نت أن الكارثة الإنسانية التي حذّر العالم من وقوعها في حال الهجوم على إدلب قد بدأت بالفعل، لافتا إلى أن حياة أكثر من ثلاثة ملايين نسمة في الشمال السوري مهددة بفعل القصف العنيف الذي تتوسع رقعته تدريجيا.