المصدر / وكالات
بالتزامن مع التهام قوات النظام السوري مزيدا من المواقع في جبال التركمان بريف اللاذقية على الحدود السورية مع تركيا، تتقدم الوحدات الكردية باتجاه غرب نهر الفرات لقطع الحدود بين تركيا ومدينة حلب السورية، ما يعني فقدان أنقرة لأهم مناطق عمقها الاستراتيجي في سوريا، فما هي خيارات أنقرة لإنقاذ ما تبقى لها في سوريا؟
«عدم السماح بعبور الوحدات الكردية غرب نهر الفرات» كان على الدوام «خطا أحمر لا يمكن تجاوزه» في السياسة التركية منذ اندلاع الثورة السورية، حيث ترى أنقرة في ذلك تهديدا مباشرا لأمنها القومي لاعتبارها حزب الاتحاد الديمقراطي وجناحه المسلح «وحدات حماية الشعب» امتدادا لحزب العمال الكردستاني التركي المصنف على أنه منظمة إرهابية، وتخشى أنقرة أن تؤدي سيطرة الفرع السوري للتنظيم على مناطق حدودية جديدة إلى دعم ومساندة الفرع التركي في إقامة مناطق حكم ذاتي داخل الأراضي التركية.
ويتركز الصراع والاشتباكات في المناطق التي كانت تخطط أنقرة لإقامة المنطقة العازلة فيها، حيث تسعى الوحدات الكردية إلى التقدم لغرب الفرات للسيطرة على مدن جرابلس والباب ومنبج التي يسيطر عليها تنظيم الدولة الإسلامية، بالإضافة إلى أعزاز التي تشهد أعنف المواجهات في الآونة الأخيرة، لضمها إلى الإقليم الكردي وبالتالي الحد بشكل كبير جداً من النفوذ والتأثير التركي في الصراع السوري.
وتمكنت قوات النظام السوري من السيطرة على 75 في المئة من منطقة بايربوجاق (جبل التركمان) ذات الأغلبية التركمانية، بريف محافظة اللاذقية شمال غربي سوريا، وذلك بفضل الغطاء الجوي الروسي المتواصل منذ نحو 4 أشهر، فيما لا تزال الاشتباكات مستمرة في الأجزاء الشرقية للمنطقة التي تضم القرى الأخيرة التابعة لها، والتي تعتبر أيضاً من أهم مناطق العمق الاستراتيجي لتركيا في سوريا جغرافياً وسكانياً.
المُفكّر والكاتب التركي، يوسف قابلان، قال إن «محاصرة تركيا ستكتمل في حال سقوط منطقة «بايربوجاق» (جبل التركمان)، بيد القوات الموالية للنظام السوري»، داعياً الحكومة التركية إلى الإسراع في تقديم الدعم العسكري والدبلوماسي، والإقدام على خطوات إستراتيجية لمنع سقوط جبل التركمان بيد النظام السوري، وذلك في تغريدة له على صفحته عبر موقع «تويتر».
وقال قابلان: «إخوتنا في حالة حرجة، والاكتفاء بمشاهدة ذلك مزعج جدًا»، داعيًا بلاده إلى «الاستيقاظ فورًا وتقديم الدعم اللازم للوحدات التركمانية المقاتلة في المنطقة».
من جهته، رأى الخبير التركي في الشؤون السياسية، عمر توران، أنه «إذا سقط جبل التركمان فإن ولاية ديار بكر ووان وهكّاري وأغري وموش ستسقط أيضًا»، مشيرًا إلى أن «الأطراف المعادية لتركيا تريد إحاطتها وخنقها»، ودعا إلى ضرورة إرسال مساعدات لوجيستية إلى الفصائل التركمانية في المنطقة.
وقال: «يجب الرد بالمثل على القصف الروسي والإيراني وقصف النظام على جبل التركمان، من خلال قصف مدينة عفرين وعين العرب (كوباني)، والحسكة، (تسيطر عليها المنظمات الكردية)، حينها يمكننا إنقاذ الجبل»، مبينًا أن الشمال السوري يعد القاعدة الرئيسية لمنظمة «بي كا كا»، وأنه يجب على تركيا تدمير القواعد التابعة لمنظمة الاتحاد الديمقراطي الكردي السوري، في أقرب وقت ممكن.
الكاتب المختص بالشأن التركي محمود عثمان اعتبر أن «المعادلة السياسية الداخلية في تركيا لا تسمح بالقيام بتدخل عسكري مباشر، خاصة في الوقت الذي يخوض فيه الجيش التركي حربا واسعة ضد مسلحي حزب العمال الكردستاني شرق البلاد يشارك فيها جزء مهم من الجيش التركي، لذلك أستبعد أي تدخل عسكري مباشر».
وقال عثمان في تصريحات خاصة لـ«القدس العربي»: «الدعم العسكري بالأسلحة النوعية للجيش السوري الحر هو الخيار الأقرب والأكثر واقعية لإيلام الروس ودفعهم نحو وقف عملياتهم في سوريا، فلو قدمت تركيا أسلحة مضادة للطائرات للفصائل السورية وتمكنت من إسقاط طائرتين روسيتين أو ثلاث وقتها سيعيد الروس حساباتهم، فالروس نفسهم قصير ويسعون لإنهاء المعركة بسرعة».
وأضاف: «تقدم مسلحي وحدات حماية الشعب التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي السوري غرب نهر الفرات لا يعني نهاية المطاف وأي دعم تركي عسكري نوعي لفصائل الجيش الحر سيمكنها من استعادة هذه المناطق من الوحدات الكردية»، لافتاً إلى أن جزءا مهما من الأكراد حلفاء لتركيا وليسوا أعداء لها «لكن الإعلام الغربي يحاول تصدير وحدات حماية الشعب وحزب العمال الكردستاني على أنهم ممثلو الأكراد».
والأربعاء، ترأس الرئيس التركي رجب طيب أردوغان اجتماعاً لمجلس الأمن القومي التركي في القصر الرئاسي في العاصمة أنقرة، حيث تمت مناقشة آخر التطورات الميدانية والسياسية على صعيد القضية السورية، ومكافحة الإرهاب.
من جهته، أكد المحلل السياسي التركي مصطفى اوزجان أن حدود تركيا مع سوريا باتت مهددة بشكل كبير من قبل النظام السوري وحلفائه «فالنظام بدعم روسي يتقدم من أجل السيطرة على كامل جبال التركمان، والوحدات الكردية تتمدد نحو جرابلس وعفرين».
وقال في تصريحات خاصة لـ«القدس العربي»: «الأخطر أن روسيا تخطط لتغيير ديموغرافي في جبال التركمان من خلال تهجير سكانها الأصليين من التركمان وجلب سكان آخرين من اللاذقية»، معتبراً أن كل ذلك يحصل بتساهل أمريكي واضح مع روسيا.
وعن خيارات أنقرة لحماية مصالحها في سوريا، قال اوزجان: «تركيا لم تستخدم السلاح منذ البداية، كان يجب على الحكومة التركية التدخل عسكرياً قبل بدء التدخل الروسي، لكن المماطلة والتأخير وعدم التحلي بالجرأة منعت الحكومة التركية من التحرك العسكري، ولو تحركت آنذاك لما وصلت الأمور إلى هذا الحد»، وأضاف: «يجب على تركيا القيام بعمل عسكري ضد الوحدات الكردية والتعاون مع السعودية وقطر لتغــيير الوضع في سوريا، لأن الحديث عن الحل السياسي هو مجرد سراب».