المصدر / وكالات - هيا
سيذهب الجزائريون للتصويت على تعديل الدستور أول مرة منذ نحو ربع قرن، وهو دستور يرى الرئيس، عبدالمجيد تبون، الذي عين لجنة لتعديله، أنه ينسجم مع متطلبات بناء الدولة العصرية، ويلبي مطالب الحراك الشعبي"، بيد أن كثيرين يختلفون معه في هذا.
"الجزائر الجديدة لا تختلف عن الجزائر القديمة، فنحن نرى الوجوه نفسها والممارسات نفسها التي عرفناها في عهد عبد العزيز بوتفليقة"، هكذا حدثنا عادل حيرش الطالب الجامعي الذي شارك في حراك فبراير/شباط من العام الماضي والذي أطاح ببوتفليقة الذي حكم الجزائر لعقدين من الزمان.
يتساءل حيرش غاضبا: "أليس هذا هو البرلمان نفسه الذي كان يمرر مشاريع بوتفليقة؟ ألا تنتمي هذه اللجنة لعهد بوتفليقة أيضا؟"
وكان آخر استفتاء صوت فيه الجزائريون على تعديلات دستورية في عام 1996، خلال حكم لامين زروال، إذ أن بوتفليقة عدَّل الدستور أكثر من مرة، لكن التعديلات جرت دون استشارة الشعب.
وسيجري هذا الاستفتاء في الفاتح من نوفمبر/تشرين الثاني المقبل وسط إجراءات احترازية لمواجهة فيروس كورونا.
"كان الرئيس حرا"
تنص التعديلات الدستورية الجديدة على أنه لا يحق لرئيس البلاد أن يترشح إلا لولايتين فقط سواء أكانتا متتاليتين أم منفصلتين، وستكون مدة كل ولاية خمس سنوات. كما سيمكن، ولأول مرة منذ استقلال الجزائر عن فرنسا، أن يبعث الجيش الجزائري لمهام خارج البلاد بشرط موافقة ثلثي أعضاء البرلمان.
وإذا أفرزت الانتخابات التشريعية أغلبية برلمانية، يجب على رئيس البلاد أن يعين رئيسا للحكومة من هذه الأغلبية، على عكس ما كان عليه الوضع سابقا، إذ كان الرئيس حرا في اختيار من سيرأس الحكومة دون التقيد بحزب معين.
كما ستشمل هذه التعديلات اعترافاً رسمياً بالحراك الشعبي.
"أشعر بخيبة أمل كبيرة"
وكان الرئيس، عبد المجيد تبون، الذي انتخب في ديسمبر/كانون الثاني الماضي قد تعهد خلال حملته الانتخابية بإجراء إصلاحات دستورية عميقة "تكرس مبدأ الفصل بين السلطات وتنهي الحكم الفردي".
لكن حيرش يرى أن التعديلات الدستورية "أبقت على الصلاحيات الواسعة ذاتها في يد رئيس البلاد، ورسمت طريقا غير واضحة المعالم". ويضيف: "أشعر بخيبة أمل كبيرة. لا يوجد مستقبل مبشر للجزائر في ظل الوضع السياسي الراهن."
ويعين رئيس الدولة أغلب المناصب الأساسية، منها رجال القضاء ورؤساء الأجهزة الأمنية والعسكرية والهيئات المصرفية. وبينما يقول منتقدون إن هذا يعزز حكم الفرد الواحد، يرد مؤيدو التعديلات الدستورية قائلين إن التعديلات قلصت بالفعل من الصلاحيات الرئاسية، خاصة إذا ما قورنت بما كان عليه الحال في عهد الرئيس السابق بوتفليقة.
وقد طالب بعض ممن شاركوا في الحراك بالتصويت ضد هذه التعديلات التي كتبتها لجنة غير منتخبة، بينما طالب آخرون بمقاطعة عملية الاستفتاء برمتها إذ يرونها غير معبرة عن شعب كان يتطلع لتغيير حقيقي.
ودعا رئيس أركان الجيش الجزائري، سعيد شنقريحة، إلى إنجاح الاستفتاء على التعديلات الدستورية واصفا إياه "بالموعد الهام"، وقائلا إن الجزائريين بحاجة إلى "تحكيم صوت العقل وتغليب المنطق المتزن على المصالح الشخصية."
ويظل الجيش في الجزائر مكونا مهما من مكونات المشهد السياسي، حتى وإن لم يتصدره، كما يبرز لاعبون آخرون في المشهد نفسه، من بينهم الأحزاب الإسلامية، التي أبدت انقساما واضحا بشأن الموقف من التعديلات الدستورية.
فبعض الأحزاب الإسلامية، مثل حركة البناء الوطني، آثرت أن تصطف مع السلطة وتؤيد التعديلات. بينما تحشد أحزاب أخرى، على رأسها حركة مجتمع السلم، أكبر حزب إسلامي في البلاد، للتصويت ضد هذه التعديلات. يعترض الإسلاميون على مواد يرونها تمس الهوية الوطنية والدينية للجزائر.
"نرفض علمنة الجزائر"
تؤكد التعديلات على أن اللغة الأمازيغية لغة وطنية ورسمية، ولا يمكن تغيير هذه المادة في أي دساتير مقبلة، لكن الإسلاميين يرفضون ما يرونه مساواة بين الأمازيغية والعربية، كما ينتقدون المواد التي تنص على تكفل الدولة بإبعاد المدارس والمساجد عن أي توجهات سياسية أو إيديولوجية. ويحتجون على خلو التعديلات من نص صريح يعتمد الدين الإسلامي مصدرا رئيسيا للتشريع.
ويقول عبدالعالي حساني شريف عضو المكتب التنفيذي لحركة مجتمع السلم إن "ضمان حياد المدارس والمساجد يعكس توجه الحركات العلمانية في العالم. إننا نرفض علمنة المجتمع الجزائري". ويضيف "الهوية في الجزائر عميقة، ومن يريد أن يسلب الجزائريين هويتهم، فليجرب."
ويشكو منتقدون من أن مسودة الدستور لم تخضع لنقاش مجتمعي حقيقي وأن المباحثات بشأنها قد اقتصرت على أروقة البرلمان. وتقول لجنة كتابة الدستور، التي يرأسها رجل القانون أحمد لعرابة وتضم 16 عضوا، إنها تلقت آلاف المقترحات من الأحزاب والمجتمع المدني، وأنها أخذت بعين الاعتبار كثيراً من تلك الآراء.
ويقول شريف" ليس هناك توافق. كان يجب أن يكون هناك حوار، لأن هذا دستور يأتي بعد حراك شعبي. فالسلطة أخذت الاقتراحات وكيفتها وفقا لرؤيتها".
"على رئيس البلاد أن يتعايش مع أي برلمان"
ويتمثل أبرز مؤيدي التعديلات الدستورية في الأحزاب المعروفة بقربها من السلطة مثل حزب جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي. وتشيد هذه الأحزاب بالعديد من المواد المتعلقة بالحريات.
وتمنع التعديلات الجديدة حل أي حزب أو جماعة أو وقف نشاط أي وسيلة إعلامية إلا بأمر من القضاء. كما تستحدث محكمة دستورية، بدلا من المجلس الدستوري الحالي، تتولى الفصل في النزاعات بين السلطات المختلفة ويكون لديها دور رقابي قوي للحيلولة دون وقوع تجاوزات قانونية. وبحسب التعديلات، فلن يكون بمقدور رئيس الدولة إصدار أي مراسيم تشريعية خلال عطلة البرلمان.
ويقول عضو المكتب السياسي لحزب التجمع الوطني الديمقراطي، مصطفى ياحي، إن "هذا دستور الحريات بامتياز. توجد به 44 مادة للحريات الفردية والجماعية. كما سيمنح فضاء أوسع للمعارضة."
ويوضح ياحي "لأول مرة نتكلم عن أغلبية برلمانية. فإن كانت هناك أغلبية تخالف الرئيس، فيمكن لها أن تعين رئيس حكومة، وعلى رئيس البلاد أن يتعايش مع هذا البرلمان."
ويقول متابعون إن التعديلات الدستورية ينظر إليها باعتبارها مشروع الرئيس تبون بالدرجة الأولى. ولذلك قد يجد الرئيس نفسه في حرج كبير أمام الرأي العام، إذا رفض الجزائريون هذا الدستور. أما إذا مررت مسودة الدستور، فسيكون على مؤسسات الدولة إيجاد وسيلة للتعامل مع الأصوات المعارضة التي لم تر في تلك التعديلات ما يلبي طموحاتها وحلمها بجزائر جديدة.