المصدر / وكالات
وجهان لقطر. وجه مبتسم، ودي، جميل، ومن جهة اخرى العكس تماما. ولكن لنبدأ بالوجه الجميل، ذاك المخصص للسياح. لرجال الاعمال، للوافدين الى المؤتمرات والاجتماعات. نحو 270 الف قطري من تيار الوهابيين، يفعلون كل شيء كي يرضوا الزوار، وليثبتوا لهم كم هم جيدون وناجعون، كم هم يحبون الاجانب. كم هم يحرصون على مستقبل دولتهم الصغيرة، على تطورها وجعلها “بيتا دافئا”، لكل الزوار.
قبل نحو عشر سنوات كنت في المرة الاخيرة في هذه الامارة الصحراوية. في كل ما يتعلق بالبناء وتطوير مواقع الجذب للجمهور الذي يأتي من ارجاء المعمورة، فان التغييرات هائلة. العاصمة، الدوحة، هي عمليا المدينة الوحيدة في الدولة. وهي سوبر حديثة، بمئات المباني العالية والابراج فيها، مراكز المشتريات، المطاعم والبحيرات – المصطنعة، بالطبع، وذلك لان قطر هي دولة قاحلة تماما. اضافة الى ذلك، من الصعب أن نفهم لماذا هذه الابراج المكتظة مثلما في منهاتن، وكأنه ينقص مكان في الصحراء. نعم، يوجد فيها حتى ازمات سير.
حكام قطر، التي تعتبر الدولة الاغنى في العالم، عائلة ال ثاني بعشرات أمرائها، فعلوا كل شيء كل يشعر زوارهم بالراحة ولهذا فقد اقاموا فيها مطارا هو برأيي الاجمل في العالم. وصدقوني اني رأيتها جميعا تقريبا: من شنغهاي وبيجين، من سنغافوره وهونغ كونغ حتى لاس فيغاس.
المطار في الدوحة يفوق كل هذه المطارات جميعها. بالتخطيط، بالبناء الفاخر وبالنظافة. مئات العاملين ينظفون المكان 24 ساعة في اليوم. من الميناء الى المدينة شق طريق جميل. مئات عواميد الكهرباء على جانبيه تشع بالالوان المختلفة حسب المقاطع، من الاخضر وحتى الاحمر، من الاصفر وحتى البرتقالي، من البنفسجي وحتى الوردي. في سينفونية اضواء والوان. تكاد تكون كل المباني في الدوحة مضاءة طوال ساعات اليوم، وكذا في ساعات الليل حيث لا يعمل هناك أحد. الفنادق هي فاخرة، جميلة وجيدة على المستوى العالمي. والاسعار بما يتناسب مع ذلك. احد اصدقائي من الوفد التركي للكونغرس العالمي لمنظمة صحافيي الرياضة، اشار على مسمعي الى انه يجب أن ترفع عدد نجوم الفندق الذي نزل فيه الى أكثر من خمسة، وهو بالفعل محق.
إذن كيف يشعر الاسرائيلي في قطر هذه الايام؟ ممتاز. في رقابة جوازات السفر لم يرمش احد لرؤية جوازي الاسرائيلي. اجتزت الرقابة بشكل سلس دون أي سؤال. وقد كان هذا محبطا بعض الشيء. عندما عدت الى البلاد سألني الجميع اذا كنت شعرت باي خطر في اثناء الزيارة. ينبغي للمرء أن يكون في قطر كي يفهم كم هو سخيف هذا السؤال. العكس هو الصحيح. حقيقة أنه يقف حيالهم اسرائيلي كان جذابا لكل الاشخاص الذين التقيت بهم. معظمهم، بالمناسبة، بالطبع اجانب وليسوا قطريين. النزاع الاسرائيلي – الفلسطيني يبدو بعيدا عن قطر، تقريبا مثل الفجوة بين الابراج الفاخرة في الدوحة ومخيمات اللاجئين في غزة.
النفط لن يكون الى الابد
بشكل عام يعقد الكونغرس السنوي لصحافيي الرياضة في شهري نيسان – ايار، ولكن هذه المرة جرى في شباط في قطر التي نالت حق استضافة المونديال في العام 2020. ولما كانت درجة الحرارة في كل اشهر السنة تتراوح في الدولة بين 35 و 45 درجة، واضح أنه لا يمكن لعب كرة القدم فيها على مدى نحو شهر كامل. فكر القطريون وتوصلوا برأيهم الى حل. المونديال سيعقد في شهري كانون الثاني – شباط، ومن أجل ان يثبتوا ذلك للجميع، قرروا تنظيم كونغرس الصحافيين الرياضيين في هذه الفترة بالذات. فهل يمكن اذن لعب كرة القدم في شباط؟ من انطباعي يبدو أن لا. ولكن القطريين سيفعلون كل شيء كي يقنعوا العالم بان نعم.
وعليه، واضح ايضا لماذا استثمرت قطر جهودا هائلة كي تنظيم الكونغرس حتى قبل أن تتمكن دول اخرى من عرض نفسها. رئيس منظمة الصحافيين الرياضيين الايطالي جياني مارلو شرح لي بان قطر هي الوحيدة التي طلبت تنظيم الكونغرس، ولكن كان عندي انطباع بانه هو نفسه لا يصدق هذه الحجة.
فضلا عن ذلك، بعد تحقيقات الـ اف.بي.اي والسلطات السويسرية تبين ايضا بان كل اعضاء لجنة الفيفا الذين قرروا اين سيعقد المونديال تلقوا رشوة، وعليه يبدو أن احتمالات ان يعقد المونديال في الصحراء طفيفة للغاية.
ومن المونديال الى زاوية اخرى في قطر. يعيش في قطر نحو 270 الف قطري اصلي، والتي حتى اكتشاف الكميات الهائلة من الغاز الطبيعي والنفط في العام 1940، كانوا يرحلون من مكان الى مكان مع قطعان الجمال في الصحراء وكانوا يعيشون اساسا من الصيد وجمع اللؤلؤ في الخليج. ولكن منذ ذاك الاكتشاف اصبح القطريون الذين استقلوا في العام 1971، احدى الدول الغنية في العالم. وهم يجتذبون اليهم اكثر من مليون
وثلاثمئة الف عامل اجنبي من عشرات الدول في ارجاء المعمورة. بعضهم يعملون في ظروف عبودية. هؤلاء هم الذين اقاموا الدوحة الجديدة، شقوا الطرق، اقاموا المطار والان يقيمون الستادات الفاخرة للمونديال.
لقد فهم الامراء الحاكمون ايضا بان الغاز والنفط لن يبقيا الى الابد، ويجب الحرص على ضمان المستقبل وتثبيت سمعة قطر كاحدى الدول المتطورة في العالم. ولهذا فقد قرروا الاستثمار في سياحة الرياضة وتنظيم البطولات العالمية والمباريات الكبرى في مجالات الرياضة المتنوعة. وفي معظم الفروع الاقل شعبية، لم تكن لهم أي صعوبة في نيل استضافة المباريات، مثلما في التنس، حيث وزعت جوائز طائلة رغم أن المدرجات كانت شبه فارغة. وحتى سباق الدراجات في الحر الشديد الذي لا يطاق تمكنوا من تنظيمه.
ا
عيدوا لي الجواز
من يتأثر من كل المشاريع الضخمة في قطر هم اساسا العمال الاجانب. ينبغي أن نفهم بان القطريين غير مستعدين لان يعملوا في أي عمل تقريبا. وليس فقط في المهن كالنظافة والاغاثة لا سمح الله. حتى في رقابة جوازات السفر في المطار يعمل اجانب. الاجانب الذين يعملون في الفنادق وفي السيارات العمومية يعتبرون من الطبقة العليا من غير القطريين، وكلهم بالطبع يتكلمون الانجليزية. رواتبهم، وفقا للدرجة والمنصب تتراوح بين 1.200 و 1.550 ريال: نحو 350 حتى 500 يورو. وهذه ليست رواتب ضخمة بالضبط. اما بالنسبة للعمال البسطاء فيمكن لرواتبهم الشهرية ان تصل الى نحو 100 حتى 110 يورو وبدون أي حقوق اجتماعية. بتعبير آخر ليست شروط عمال بل شروط عبيد. ومن أجل الخروج من الدولة مثلا، فانهم ملزمون بان يستعيدوا جواز السفر الذي اخذ منهم عند الدخول وهذه ليست اجراءات سهلة على الاطلاق. وهم يعيشون في الغالب في احياء فقر مثلما في احياء الفقر في البرازيل. وعندما تسأل قطري غني عن وضع العمال الاجانب، يشرح لك بشبه اعتذار بان الظروف تحسنت وهي ستتحسن في المستقبل ايضا.
اخذنا منظمو الكونغرس الى واحدا من احياء الفقر: اكواخ مرتبة، محيط نظيف وعندما تسأل العمال الذين تلتقيهم عن شروط عملهم يقولون انهم جد راضون.
وقال احد زملائي ان هذه كانت مسرحية منظمة جيدا، على النمط الروسي في زمن القيصر. وسأل الزميل: “هل يظنوننا أغبياء؟ يحتمل جدا أن يكون امراء قطر لا يعرفون على الاطلاق بالقصة الشهيرة عن قرى روسيا القيصرية”، لاحظ بتهكم زميل آخر من فيلندا.
في الفندق تحدثت مع عامل كبير من الهند وبشرني بانه نجح في أن يحصل على دور للطبيب بعد ثلاثة اشهر. عندما كان رد فعلي مفاجئا ضحك وشرح بان هذا مجرد لقاء وليس علاج. “صدقني، في قطر ليس مجديا لك ان تمرض”. فماذا تساوي، إذن، في الواقع المشوه جدا بالنسبة للعمال الاجانب، المطار الفاخر والثراء الكبير للدولة.
يديعوت