المصدر / وكالات - هيا
منذ أسابيع، تستمر الاحتجاجات من قبل الطلاب والكادر التعليمي في جامعة بوغازيتشي (البوسفور بالعربية) في تركيا، بسبب تعيين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لعضو حزبه السابق "مليح بولو" كعميد للجامعة الشهيرة في إسطنبول، فما هي أسباب سعي الحكومة التركية للسيطرة على الجامعات؟ ولماذا حصلت هذه الاحتجاجات في جامعة البوسفور خلافاً مع جامعات أخرى تم تعيين عمدائها؟
لا شك أن محاولات الحكومة التركية السيطرة على المؤسسات الرسمية في تركيا في ظل النظام الرئاسي لا تقتصر على المجال التعليمي فقط، فمن القضاء إلى الاقتصاد، والتجارة والصناعة والإعلام، نجحت الحكومة التركية إلى حد كبير في السيطرة على تلك المؤسسات، أما المؤسسات التعليمية والجامعات فمنذ الانقلاب العسكري في تركيا في 15 يوليو 2016، وإعلان حالة الطوارئ، تم تطبيق قانون تعيين العمداء في الجامعات، ورغم الاحتجاج الشديد للمعارضة التركية، لم تتراجع الحكومة عن بدء تطبيق القرار في بعض الجامعات.
وفي السياق، رأى البروفيسور في جامعة البوسفور، رشيد جانبيلي، في تصريح تلفزيوني، أن محاولات السيطرة على الجامعات بدأت منذ مجيء حزب العدالة والتنمية إلى السلطة، وقال في هذا السياق: "بعد عام من مجيء حزب العدالة والتنمية إلى السلطة، أي عام 2003، حاولت الحكومة وضع قانون جديد ينص على تعيين المعاونين في الجامعات من قبل الحكومة المركزية في أنقرة، لكننا عارضنا بشدة القانون واستطعنا ثني الحكومة عن اتخاذه، حيث لم يكن الحزب الحاكم في تلك الفترة يستطيع استخدام القوة، لكنهم عاودوا طرح قانون مشابه عام 2012، واستطعنا ثنيهم عنه أيضا، إلى أن وجدوا ضالتهم في نهاية 2016 بعد الانقلاب العسكري الأخير".
مصدر خوف
وأكد أن الهدف من تلك المحاولات هو وصول أردوغان لنظام الرجل الواحد "الهدف هو تعيين شخص واحد لمن يريد من مقربيه، كعمداء في الجامعات، وإدارة هذه المؤسسات بجميع أجزائها من كليات وأقسام".
لماذا جامعة البوسفور؟
رغم تعيين الرئيس التركي 16 عميداً في رئاسة جامعات تركية مختلفة، إلا أن الاحتجاجات لم تتصاعد إلى هذا الحد إلا في جامعة البوسفور، فلماذا؟
للإجابة عن هذا السؤال، أوضحت البروفيسورة العاملة في الجامعة بيناز توبراك في حوار صحافي سابق، أن جامعة البوسفور لها تقاليدها الخاصة، مضيفة: "عدم السماح للسياسة بالتدخل في خصوصيات الجامعة والإدارة الذاتية من أهم التقاليد التي يتبناها الطلاب والخريجون والمدرسون والعمال في تلك الجامعة، وحفاظها على هذه التقاليد جعلها من أفضل الجامعات في البلاد".
كما أضافت: "يحزنني كثيراً إصدار قوانين مفاجئة ومحاربة لهذا المفهوم وهذه التقاليد، فالخاسر الوحيد من هذه القرارات هو بلدنا".
معضلة الحزب الحاكم والشباب
من جهته، اعتبر الصحافي والمحلل السياسي التركي، هشام غوناي، أن تعيين عمداء الجامعات في تركيا لم يبدأ به حزب العدالة والتنمية، إلا أن الوضع اليوم مختلف اليوم، بسبب الشرخ الحاصل بين الحزب الحاكم وشريحة الشباب.
وأضاف في تصريح للعربية.نت: "سابقا ً كانت تحدث مثل تلك الأمور، والآن يقوم حزب العدالة والتنمية بذات الخطوات، لكن هذا الأسلوب لم يحظ حتى الآن برفض كالذي شهدناه في جامعة البوسفور، أول مرة نشهد احتجاجات كبيرة بهذا الحجم في الجامعة، لأن تلك الجامعة لديها عرف خاص بها، وهو أن يكون رئيس الجامعة من خريجيها، وهذا لم يكن متوفرا بالنسبة لمليح بولو، الذي تم تعيينه من قبل أردوغان".
إلى ذلك، أشار إلى أن السيطرة على الجامعات من خلال تعيين الرؤساء، لن يكون سهلاً، ما دام حزب العدالة والتنمية بعيدا عن الشباب، ولن يكون مجدياً بالتالي أن يعين رئيساً للجامعة يفرض على الطلاب، بالعكس هذا يحدث شرخاً أوسع بين الطلاب والشباب والحزب الحاكم.
إلا أن غوناي استبعد توسع رقعة الاحتجاجات، قائلا: "لا أظن أن الاحتجاجات قد تتوسع لتشمل محافظات أو مدنا أخرى في الوقت الراهن، لم نر دعما من جامعات أخرى، ربما كان هناك بعض المجموعات التي عبرت عن رفضها للموضوع، ولكن في الوقت الراهن يصعب أن نقول إنَّ هذه الاحتجاجات ستتحول إلى مواجهات ساخنة في عدة مدن.
يذكر أنه في إطار المساعي المتواصلة للسيطرة على الجامعات، حظي مشروع أردوغان بإنشاء جامعات للنساء فقط، بمعارضة جمعيات نسائية وناشطات يدافعن عن حقوق المرأة، حيث قامت الشرطة التركية بتفريق احتجاج نسائي الأسبوع الماضي، واحتجزت نساء أردن قراءة بيان صحافي احتجاجاً على مبادرة الرئيس التركي لإنشاء أول جامعة نسائية في البلاد.
وبدأت العديد من المنظمات النسائية حملة على وسائل التواصل الاجتماعي، بعد أن أصبح مشروع أردوغان لأول جامعة نسائية رسمياً، ووجد مكانه في "البرنامج الرئاسي السنوي لعام 2021".
وترى مناهضات هذا المشروع (الجامعات النسائية) أنه "يغير من شكل التعليم الجامعي المستند إلى قيم الجمهورية والعلمانية التي تأسست عليها تركيا قبل نحو 100 عام".
وكان أردوغان أصدر أيضا في 30 من يونيو من العام الفائت، قراراً بإغلاق جامعة “اسطنبول شهير” التركية العائدة لرئيس الوزراء التركي السابق أحمد داوود أوغلو.
ورغم أن إغلاق "إسطنبول شهير" لم يندرج ضمن مساعي الحكومة للسيطرة على الجامعات، إنما كان قراراً انتقامياً ضد داوود أوغلو، وهو ما يثير المخاوف من إغلاق جامعات خاصة لا يتفق مُلاكها وأصحابها مع سياسات أردوغان أيضا.