المصدر / وكالات - هيا
تعددت أنظمة الحكم المحلي بالسودان ما بين النظام الولائي الساري ونظامي الإقليم والحكم الذاتي بموجب اتفاق السلام، وهو ما يثير أسئلة عن كيفية إدارة الخرطوم لهذه الأنظمة المتباينة، وإلى أي مدى يمكن أن تشكل بؤرا للانفصال؟
ونص المرسوم الدستوري الذي أصدره رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان يوم الأحد الماضي بمنح منطقتي جنوب كردفان (جبال النوبة) والنيل الأزرق حكما ذاتيا "دون المساس بوحدة السودان شعبا وأرضا".
وشمل قرار البرهان أيضا، وبحسب اتفاق السلام، ولاية غرب كردفان، على أن يحدد مؤتمر نظام الحكم بالسودان حدودها مع ولاية جنوب كردفان.
والشهر الماضي عين رئيس مجلس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك رئيس حركة تحرير السودان مني أركو مناوي حاكما لإقليم دارفور المكون من 5 ولايات.
وتبعا لقراري البرهان وحمدوك سيسري نظاما الحكم الإقليمي والحكم الذاتي في 8 ولايات من جملة 18 ولاية بالسودان، ويبقى النظام الولائي في 10 منها.
رئيس الحركة الشعبية-شمال مالك عقار أثناء مفاوضات جوبا التي أثمرت منح جنوب كردفان والنيل الأزرق حكما ذاتيا (رويترز)
هل ثمة مخاوف من تكرار تجربة انفصال جنوب السودان؟
دائما ما تثير مصطلحات كالحكم الذاتي والحكم الإقليمي حفيظة السودانيين، خاصة بعد تجربة استقلال جنوب السودان عن طريق تقرير مصير نصت عليه اتفاقية نيفاشا وانتهى بالانفصال في 2011.
ويقول وكيل أول وزارة الحكم الاتحادي الدكتور محمد صالح يس للجزيرة نت إن المادة (8) من اتفاقية السلام نصّت بوضوح على تمتع ولايات جنوب كردفان وغرب كردفان والنيل الأزرق بالحكم الذاتي بشرط أن لا يؤدي ذلك للانفصال بعدم المساس بوحدة السودان شعبا وأرضا.
ووقعت اتفاقية جوبا للسلام بين الحكومة الانتقالية السودانية والحركات المسلحة بدارفور ومنطقتي جنوب كردفان والنيل الأزرق في أكتوبر/تشرين الأول 2020.
لكن الخبير في مناطق التماس الدكتور محمد أحمد بابو نواي، لا يخفي مخاوفه من أن يؤدي نظاما الحكمين الإقليمي والذاتي لانفصال هذه المناطق.
ويرى بابو نواي أن نص "عدم المساس بوحدة السودان أرضا وشعبا" غير كاف لمنع وقوع الانفصال لجهة أن اتفاقية السلام الخاصة بجنوب السودان في 2005 نصت بدورها على العمل من أجل "الوحدة الجاذبة"، ورغم ذلك ذهب الجنوب.
كيف يفهم المواطنون الحكم الذاتي؟
ويعتبر الخبير في مناطق التماس أن الحكم الذاتي، في ظل هشاشة الدولة السودانية حاليا، غير مفيد وينطوي على مخاوف "لأن المواطنين في هذه المناطق لا يفهمونه، بل يقرر السياسيون نيابة عنهم لأن المتمرد هو من فرض الحرب والسلام وفكرة التهميش".
ويرى أنه كان من الأفضل طرح الحكم الذاتي بالمنطقتين أو نظام الإقليم بدارفور عبر الاستفتاء حتى يتحمل المواطنون نتائج اختيارهم، وحذر من أنه في غياب حرية الحركة وانعدام التجانس فإن الحكم الذاتي سيكرس لبؤر انفصال.
وأشار، في حديثه مع الجزيرة نت، إلى أن غالب تجارب الحكم الذاتي انتهت إلى انفصال، كما أن مطلب الحكم الذاتي لجنوب السودان طرح في اتفاقية كوكدام الإثيوبية سنة 1972 لينال الجنوب استقلاله في 2011.
بيد أن صالح يس يؤكد أن الحكم الذاتي لديه مبررات، وقد نجحت تجاربه لتسوية نزاعات الأقاليم كما حدث في إيطاليا.
ويقول إن الحكم الذاتي هو بمثابة استقلال لكن من دون رفع علم آخر، ويكفل للمواطنين أن يحكموا بأنفسهم ويضمن لهم محفزات للتنمية عبر قسمة الثروة والسلطة.
ومنح اتفاق السلام الحركات منصب حاكم ولاية النيل الأزرق ومنصبي نائب الحاكم بولايتي جنوب وغرب كردفان، على أن يذهب منصب حاكم جنوب كردفان للحركة الشعبيةـ شمال بقيادة عبد العزيز الحلو الذي يفاوض الحكومة حاليا.
وشدد على أن من أكبر مكاسب الحكم الذاتي استدامة السلام، وعدم العودة للحرب، وتحفيز الحركات المسلحة غير الموقعة للحاق بالسلام، وإغلاق باب تقرير المصير.
هل يتسبب تعدد أنظمة الحكم المحلي في إرباك المشهد؟
بحسب بابو نواي، فإن تعدد أنظمة الحكم المحلي يتسبب في إرباك لافت، فوجود أنظمة حكم ذاتي وإقليمي وولائي في دولة واحدة شيء لا يصدق، وفق تعبيره.
وتوقع نشوء تقاطعات في القوانين والصلاحيات بين حاكم إقليم دارفور وولاة الولايات الخمس بالإقليم.
من جانبه ينفي صالح يس حدوث إرباك جراء تعدد الأنظمة لأن النصوص أحكمت تنظيم العلاقة بين مستويات الحكم، حسب قوله.
ويشرح أن الحكم الذاتي منح الولايات الثلاث 61 سلطة حصرية والحكم الإقليمي بدارفور منح 28 سلطة حصرية، في حين هناك سلطات مشتركة بين الحكومة الاتحادية ومستويي الحكم الذاتي والإقليمي مما يؤكد على "ممسكات الوحدة".
ويشدد على أنه لا يوجد تعارض فلكل إقليم خصوصيته، والهدف وقف الحرب وتحقيق التوازن التنموي، ومستقبلا يمكن مواءمة القوانين واعتماد نظام حكم محلي بنسق واحد.
ما وضعية غرب كردفان؟
على الرغم من أن المرسوم الدستوري خص بمنح منطقتي جنوب كردفان والنيل الأزرق الحكم الذاتي، فإنه تحدث أيضا عن منح النظام ذاته لولاية غرب كردفان بوضعيتها الحالية، على أن يحدد مؤتمر نظام الحكم في السودان حدودها مع ولاية جنوب كردفان.
وألغيت ولاية غرب كردفان بناء على اتفاقية السلام الشامل في العام 2005، وجرى تذويبها في ولايتي شمال كردفان وجنوب كردفان، وبعد انفصال دولة جنوب السودان عادت مرة أخرى في 2013.
ويرى خبير مناطق التماس بابو نواي أن ثمة نية حاليا لإعادة تذويب ولاية غرب كردفان، وهو ما يمكن أن يقود لنزاع في المنطقة التي طالب أهلها بمنحهم هذه الولاية، لذا كان من الأفضل استفتاء المواطنين بين الإبقاء على ولايتهم أو ضمها لشمال أو جنوب كردفان.
ويوضح أن غرب كردفان لديها تداخل سكاني عميق في محليتي لقاوة وكيلك مع جنوب كردفان، في حين تتداخل مناطق أخرى بشدة مع ولاية شمال كردفان مثل الخوي والنهود.
هل من نصائح لإدارة الوضع الحالي لتعدد أنظمة الحكم المحلي؟
ينصح ياسر عرمان نائب رئيس الحركة الشعبية- شمال بعدم استخدام رؤية السودان الجديد بوصفها آلية لتمزيق السودان، بل يجب استخدامها بوصفها رؤية لتوحيد السودان في إطار الدولة المدنية الديمقراطية القائمة على المواطنة بلا تمييز.
وقال عرمان في حسابه على فيسبوك إن "نظام الحكم الذاتي يأتي في إطار تعزيز وحدة السودان، والعلاقة بين الحكم الذاتي ووحدة السودان علاقة عضوية لا انفصام لعراها".
يشير بابو نواي إلى أن نجاح أنظمة الحكم المحلي رهين بإلغاء سلطات الولايات والقوانين الحالية وعمل قوانين جديدة لإدارة الأقاليم بتقسيم جديد وصلاحيات جديدة، تضمن لمواطني الولايات امتيازات جديدة بعد نزع صلاحيات من ولاياتهم.
ويقول إن مواطني أقاليم السودان مطالبون بعدم التنازع وإعلاء قيم التعايش وعقد مؤتمرات للحكم المحلي يحددون من خلالها كيف سيحكمون أنفسهم.
المصدر : الجزيرة