المصدر / وكالات - هيا
تنذر العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا والتي تدخل يومها الخامس، بتداعيات سياسية واقتصادية وعسكرية محتملة على الأزمة السورية التي اندلعت في العام 2011 بعد احتجاجات شعبية شهدتها البلاد في منتصف شهر مارس للمطالبة بإسقاط رئيس النظام بشار الأسد، فما هي علاقة سوريا بالنزاع المسلّح بين موسكو وكييف؟ وكيف سيؤثر ذلك عليها؟
المحلل السياسي السوري كمال الجفا قال لـ"العربية.نت" إن "سوريا جزء أساسي من الحروب المتعددة والمتنقلة التي اجتاحت العالم مع بدء ما سمي بالربيع العربي وصولاً إلى ما حدث مؤخراً في كازاخستان وقبلها في أرمينيا، وبالتالي الصراعات الدولية في منطقتنا مرتبطة ببعضها بعضا إلى حدّ كبير وإن اختلفت الأولويات والأهمية والأهداف البعيدة والقصيرة المدى".
فرض واقع جديد
وأضاف أن "ما يحدث في أوكرانيا الآن هو بمثابة تنافس روسي مع الغرب لفرض واقع جديد وتدعم دمشق القيادة الروسية في الملف الأوكراني، ووضعت كل رهانها على انتصار موسكو في هذه الحرب، ولذلك أي انتكاسة روسيّة فيها ستدفع سوريا مقابله ثمناً باهظاً في ملفاتٍ عدّة، بينها مفاوضات سوتشي واللجنة الدستورية على خلفية وقوفها بالكامل مع موسكو".
كما تابع أن "الموقف التركي من العملية العسكرية في أوكرانيا أيضاً مهم للغاية، باعتبار أن أنقرة أحد أهم اللاعبين الثلاثة في سوريا عسكرياً وأمنياً وسياسياً، وهذا يعني أن انكسار موسكو في أوكرانيا سيدفع أنقرة لاحقاً لتصعيد مواقفها ورفع سقف أطماعها في الأراضي السورية، وربما تقدم على عملية اجتياح واسعة لمناطق شمال شرق البلاد، وفرض ما عجزت في تحقيقه خلال السنوات الماضية، وهو مشروع المنطقة العازلة على امتداد الشريط الحدودي مع أراضيها".
ضوء أخضر لأنقرة
أيضا رأى أن "وقوف أنقرة إلى جانب الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في الأزمة الأوكرانية سيمنحها الضوء الأخضر الذي تنتظره من واشنطن منذ سنوات، لبدء تطبيق فعلي لمخططاتها ضد الأكراد والجيش السوري، ومع ذلك لا يمكن لموسكو أن تقايض أنقرة في هذا الأمر، وسبق أن تمّ التفاوض معها لأجل ذلك لكنها رفضت باعتبارها ترى في سوريا مجالاً حيوياً لها على شواطئ المتوسط".
فلاديمير بوتين وبشار الأسد
فلاديمير بوتين وبشار الأسد
بحسب الجفا، تكسب الموانئ السورية أهميةً قصوى لدى روسيا، خشية من إغلاق تركيا لمضائقها البحرية وهو ما سيعيق مرور سفنها البحرية.
دعم صاروخي بعيد المدى
في هذا الصدد قال أيضاً: "قبل بدء الأزمة مع أوكرانيا، أرسلت روسيا أعداداً ضخمة جداً من أسطولها الحربي إلى الشواطئ السورية تحسباً لأي إغلاق لمضيقي البوسفور والدردنيل من قبل تركيا، حيث وضعت ميناء اللاذقية وشواطئ سوريّة كقواعد خلفية عُهِدت إليها تنفيذ مهام عسكرية فيما لو احتاجت الوحدات الروسية دعم ناري وصاروخي بعيد المدى".
مع ترجيح الجفا لتصعيدٍ تركي محتمل في سوريا حال تراجع موسكو في الأراضي الأوكرانية، استبعد سيف الدين أرول، رئيس مركز أنقرة للأزمات ودراسات السياسات (ANKASAM) حصول مقايضاتٍ حاليا بين مناطق النفوذ التركية والروسية وتلك التي تتواجد فيها قواعد أميركية على الأراضي السورية.
لا صدام بين روسيا وأميركا في سوريا
وقال أرول لـ "العربية.نت" إن "الولايات المتحدة لم تصطدم بشكلٍ مباشر مع القوات الروسية في سوريا حتى الآن رغم كل التوترات بين الجانبين، وقد تمكنتا رغم ذلك من إنشاء قوات اتصالٍ بينهما بخصوص سوريا، ومع وجود ساحات أخرى تتشابك فيها العلاقات التركية ـ الروسية كما في ليبيا وكاراباخ وأفغانستان وآسيا الوسطى وإفريقيا لا تعد سوريا المكان الوحيد للمقايضات المحتملة بين أنقرة وموسكو، علاوة على وجود تعاونٍ بينهما في مجالات طاقة، ناهيك أن أنقرة ليست طرفاً في الأزمة الروسية ـ الأوكرانية".
ومع ذلك، تعد الآثار الاقتصادية المحتملة التي قد تنجم عن استمرار العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، مباشرة أكثر مقارنة مع التداعيات السياسية على دمشق بعد دعمها لموسكو.
توريدات المواد الغذائية
في سياق الأمن الغذائي، اعتبر أن "الوضع الاقتصادي في سوريا مرتبط بشكل كبير مع روسيا ومع أوكرانيا بما يتعلق بتوريدات المواد الغذائية، خاصة القمح والمشتقات النفطية والمواد الأساسية المتعلقة بإعادة الإعمار كالحديد والإسمنت ومواد البناء، فالمواد المستوردة لا تأتي فقط من روسيا وإنما من أوكرانيا أيضاً، وسوريا تعيش تحت ضغوطٍ اقتصادية كبيرة، والاحتياطات الحكومية من القمح والنفط والمواد الغذائية لا تكفي سوى لعدة أشهرٍ مقبلة".
طوابير الخبز في سوريا
طوابير الخبز في سوريا
وتابع أن "أي ضغوط سياسية أو خسائر ضخمة لروسيا في معارك أوكرانيا أو خفض سقف الشروط التي وضعها الرئيس فلاديمير بوتين لإنهاء الأزمة مع أوكرانيا، سيعني دفع أثمان سياسية واقتصادية في الملف السوري لأن موسكو حتماً ستكون أولويتها الحفاظ على وضعها الاقتصادي في الداخل والتصدي للعقوبات الغربية وتأمين الأمن الغذائي للشعب الروسي أولاً والجاليات الروسية في أوكرانيا ثانياً لاسيما أن موسكو لا يمكنها أن تدخل في أتون حرب طويلة الأمد في أوكرانيا تستنزفها لعشرات السنين وتعيدها إلى حقبة التسعينات، حيث حدث الانسحاب من أفغانستان والذي تلاه تفكك الاتحاد السوفياتي".
إلى ذلك، قلل أكاديمي وخبير اقتصادي سوري من تداعيات الأزمة الأوكرانية على سوريا، معتبراً أن تأثيرها سيكون محدوداً للغاية، لاسيما على المدى القريب.
وقال المحلل الاقتصادي جلنك عمر إن "العلاقات الاقتصادية السورية الروسية لن تتأثر بشكل مباشر بعد العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، لكنها قد تؤثر على إمدادات بعض السلع الغذائية التي تعد مصدرها مثل القمح أو الزيوت. خاصة تلك المقدمة من قبل المنظمات الأممية مثل برنامج الغذاء العالمي، لذلك قد تشهد السوق السورية المزيد من الاختناقات في توفير السلع الأساسية قبل إيجاد مصادر بديلة".
خيارات النظام السوري
وأضاف لـ "العربية.نت" أن "خيارات دمشق في تأمين مصادر توريدات جديدة محدود مسبقاً نتيجة العقوبات، فهي تعتمد فيهما على موسكو وطهران، ومؤخراً كان هناك حديث عن شبه جزيرة القرم التي وقعت اتفاقيات اقتصادية مع النظام السوري. إلا أن ذلك سيواجه صعوبات إضافية في حال توسيع حزمة العقوبات الغربية على موسكو، وهو ما قد ينجم عنه مزيد من الصعوبات الاقتصادية بالنسبة للسوريين في أمنهم الغذائي، لاسيما مع التضخم القياسي في الأسعار وانهيار العملة الوطنية".
وتابع أن "السوق السورية ليست ذات أهمية كبرى بالنسبة إلى روسيا، فهي تستحوذ على كثير من المرافق الاقتصادية الحيوية في سوريا كالموانئ والمطارات وحقول النفط والفوسفات، وعلى الرغم من الأزمة الاقتصادية في سوريا لكن روسيا لم تلعب أي دور في مد يد العون للحكومة السورية والتخفيف من معاناة مواطنيها رغم أنها تعد من كبار منتجي الطاقة في العالم، بينما تعيش سوريا أزمة محروقات".