المصدر / وكالات - هيا
قالت مجلة "لوبوان" (Le Point) الفرنسية إن روسيا لعبت فجأة دور المثير للمشاكل، بعد أن اتفق ممثلو القوى العظمى على حل وسط يحد بشكل جذري من الأنشطة النووية للجمهورية الإسلامية مقابل رفع العقوبات الأميركية الخانقة لاقتصادها، إذ اشترطت لتوقيع الاتفاق إلى جانب الغرب تخفيف العقوبات المفروضة عليها بعد حربها على أوكرانيا.
وفي تقرير بقلم أرمين عريفي، أوضحت المجلة أن روسيا -بعد تعرضها لعقوبات أميركية وأوروبية شديدة فرضت عليها ردا على حربها على أوكرانيا- قررت الاستفادة من دورها الرئيسي في المحادثات لمحاولة تخفيف الخناق عن اقتصادها، وقال رئيس دبلوماسيتها سيرغي لافروف -خلال مؤتمر صحفي- "طلبنا من زملائنا الأميركيين تقديم ضمانات مكتوبة بأن العقوبات لن تؤثر على حقنا في التعاون التجاري والاقتصادي والاستثماري والفني العسكري الحر والكامل مع إيران".
أمر غير مسؤول
وقال دبلوماسي أوروبي "في البداية، اعتقدنا أن الطلب الروسي كان مقصورا على ضمان أن العقوبات لن تمنع تنفيذ الإجراءات التي تسمح بتنفيذ الاتفاقية"، حيث كانت موسكو على سبيل المثال، قد طُلب منها في الماضي تلقي مخزونات من اليورانيوم الإيراني عالي التخصيب، "لكن تم التأكيد لاحقا على أن مطالب الضمانات الروسية ترقى إلى حد التراجع عن العديد من العقوبات المفروضة، بسبب الحرب على أوكرانيا التي لا علاقة لها بالاتفاق النووي الإيراني".
وطلبت روسيا، على سبيل المثال، أن تتمكن بعض البنوك الروسية المستهدفة بالعقوبات بعد حرب أوكرانيا من الاستفادة من الإعفاءات بهدف معلن وهو القدرة على التجارة مع إيران في حالة توقيع اتفاقية نووية، وهي محاولة مبطنة للالتفاف على العقوبات أثارت حفيظة المستشارين الغربيين، في الوقت الذي اتخذوا فيه إجراءات عقابية جديدة عقب قمة الاتحاد الأوروبي في فرساي، كما يقول الكاتب.
ويقول الدبلوماسي الأوروبي "ليس لدينا سبب لتقديم مثل هذه الضمانات في إطار سياستنا تجاه روسيا"، وأضاف "تجد خطة العمل الشاملة المشتركة نفسها رهينة روسيا، موضحا أن "الفشل سيحرم الشعب الإيراني من رفع العقوبات كما سيحرم المجتمع الدولي من الضمانات بشأن برنامج إيران النووي وهو أمر غير مسؤول من قبل روسيا، خاصة عندما يكون الاتفاق ممكنا ويلزم التوصل إليه بشكل عاجل".
وتسبب هذا التقاعس الروسي، الذي تم تأكيده على أعلى مستوى، في تعليق المفاوضات، في حين تابعت روسيا وإيران -وهما دولتان حليفتان- مناقشة الأمور، وقد أكد السفير الروسي في طهران للسلطات الإيرانية موقف موسكو، الذي يثير استياء الإيرانيين المستعجلين على توقيع اتفاق قبل عطلة رأس السنة الإيرانية (النوروز) في 20 مارس/آذار الحالي، وأشار دبلوماسي آخر إلى أن "الروس عرقلوا المفاوضات، قائلين إن مصالحهم يجب أن تؤخذ في الاعتبار وإنهم لا يؤيدون اتفاقا ضدهم، متخذين ذلك ذريعة لهم".
وبعيدا عن مسألة العقوبات -كما يرى الكاتب- لن تكون روسيا سعيدة بعودة إيران إلى سوق المحروقات بعد الاتفاق النووي، في وقت يبحث فيه الغرب عن بديل للغاز الروسي، ويقول المصدر السابق إن "الروس لا يريدون وصول الغاز من إيران التي تحتوي على ثاني أكبر احتياطيات في العالم، إلى أوروبا لأنها ستصبح منافسا لهم. ولن يقبلوا أبدا أن يؤدي الاتفاق النووي إلى تحسن العلاقات بين إيران والولايات المتحدة وأوروبا، خاصة أنهم يعرفون أن الرأي العام الإيراني ليس معاديا للغرب. وهم يفضلون الوضع الحالي".
موسكو في موقع قوة
ومع أن العالم -بما فيه الصين التي أعرب كبير مفاوضيها وانغ كون عن "أسفه" على الموضوع- يقف بالإجماع ضد الموقف الروسي الجديد، فإن موسكو تبدو أكثر تشددا لأنها تعلم أنها في موقف قوة، لأنه من المستحيل الحصول على اتفاق من دون توقيع روسيا في التشكيل الحالي للمحادثات التي تضم الأعضاء الخمسة في مجلس الأمن وألمانيا، ويقول الدبلوماسي الأوروبي إن "الأولوية هي إيجاد اتفاق مع روسيا، ولكن إذا تعنتت في موقفها، فعلينا أن ننظر في خيارات أخرى، لأن هناك إلحاحا شديدا علينا كي ننهي الملف".
وخلص الكاتب إلى أن كل يوم يمر يجعل إيران أقرب إلى القدرة على امتلاك ما يكفي من اليورانيوم عالي التخصيب لإنتاج قنبلة ذرية، وكلما تم تأجيل توقيع الاتفاق زاد المخزون الإيراني، مما يقلل من الفوائد الفنية للتسوية الدبلوماسية، غير أن العثور بسرعة على بديل لروسيا ليس بالأمر السهل، لأنه "من الصعب -كما يعترف علي فائز، مدير مشروع إيران في مركز الأزمات الدولي- إيجاد بديل للدور الروسي في الاتفاقية، وبالخصوص سحب فائض اليورانيوم المخصب من إيران"، إلا أنه كما يرى ليس مستحيلا، إذا كانت إيران والولايات المتحدة تريدان حقا اتفاقا، ولن تستطيع روسيا منعه.