المصدر / وكالات
شاعت وسط الطلبة والدراسين اليمنيين، نكتة مفادها أن سياسيا يمنيا تعرض إلى التعذيب بالصعق الكهربائي، كان يضحك وسط استغراب جلاديه وحين سألوه لم تضحك يا ابن..
أجاب مقهقها "أتعجب أن الكهرباء وصلت إلى عجيزتي قبل أن تدخل بيتا"!
واليمنيون معروفون بنكاتهم اللاذعة التي لا تقل أريحية عن كرمهم وطيب معاشرتهم وإخلاصهم للوطن وللصداقة. وحين كنا نتجول في صنعاء كانت المحلات المفتوحة، مضاءة فيما شوارع العاصمة معتمة بسبب انقطاع التيار الكهربائي منذ ما يزيد على العام، وتحديدا منذ انطلاق "عاصفة الحزم" التي يقول مناؤوها أنها السبب في تدمير البنى التحتية ومنها محطات الطاقة الكهربائية، وإغراق المدن اليمنية بالظلام .
وعلى الرغم من الوضع الاقتصادي الصعب أصلا؛ وازداد صعوبة بفعل الحرب، فقد وجد اليمنيون ميسورو الحال، وأصحاب المحلات التجارية، وشركات الفنادق في الطاقة الشمسية بديلا عن ظلام الحرب. فيما عاد فقراء البلاد إلى المصابيح واللمبات النفطية أو الزيتية أو الشموع ليس عشقا بالرومانسية في جلسات "القات" الطويلة، فليس باليد حيلة .
ولاتفارق الذين التقيناهم في صنعاء، ونحن نستعد لإجراء مقابلة مع الرئيس السابق علي عبد الله صالح، البسمة حين يتحدثون عن أحوالهم الصعبة وعن سوء الخدمات، وربما انعدامها إطلاقا. فهم يعتقدون أن الشدة لن تدوم، وأن الرهان على إضعاف المعنويات بالحصار، وقطع مستلزمات الحياة الطبيعية لن يجدي نفعا، ولن يفت في العضد كما سمعنا .
بالمقابل يرصد مسؤولون سابقون، اعتكفوا في بيوتهم؛ تعبيرا عن عدم الرضا على الانفلات الأمني في صنعاء، وعن غياب القرار السياسي المنتظم، النتائج الكارثية للحصار. ويشيرون إلى أن القائمين على السلطة، قد لا يجدون في وقت ليس بالبعيد المال لدفع رواتب الموظفين، عدا عن تعثر نشاط القطاع الخاص، وصعوبة الحصول على السيولة النقدية الكافية لإنجاز المعاملات التجارية مع العالم.
ورغم مرور عام وأكثر على الحصار فإن قيمة الريال اليمني لم تنخفض إلا بمقدار 16 بالمئة. نسبة يرى بعض الخبراء أنها ليست كارثية، وأن البنك المركزي يعالج الأزمة بنجاح الى الآن.
ويلحف من التقيناهم من ممثلي الانتلجنسيا اليمنية بالقول إن أخطر ما يواجه اليمن اليوم؛ إلى جانب ما يصفونه بالعدوان الخارجي، أن السلطة في بلادهم باتت متعددة الرؤوس، وأن حركة "أنصار الله" التي يختصرها الرئيس السابق علي عبد الله صالح بكلمة "حُوثة" قد يتمتعون بما يعرف "الشرعية الثورية" لأنهم انتزعوها بفعل "فرار" الرئيس عبد ربه منصور هادي، لكنهم غير مؤهلين لقيادة الدولة ولايعرفون أصول الحكم.
وقال لنا وزير سابق، إن غياب مركز موحد للسلطة، يهز الحوكمة إلى حد الإلغاء ، ويفقد الشارع المبتلى بالأزمة المعيشية، الثقة بمفهوم الدولة، الضعيف أصلا في بلد قبلي لم يتخلص من سطوة العشيرة على الدولة.
ويلفت النظر أن أهالي صنعاء ممن التقيناهم في تجولاتنا بالمدينة، متعطشون للحديث إلى وسائل الإعلام الأجنبية، علها توصل لوعتهم إلى العالم . وكان مدهشا أن المصلين في جامع صنعاء القديم الذي بني عام ستة للهجرة وقاوم عوادي الدهر، توجهوا نحونا مرحبين والصلاة قائمة. وأخذوا يحدثونا عن محنة بلدهم.
قد يختلف اليمنيون حول ملفات عدة، لكنهم يتفقون على أن الحرب لن تنهي الأزمة في بلادهم، وأن اليمن بحاجة الى العودة للحوار، ونبذ المزيدات السياسية. وقبل كل شيء ينتظر اليمنيون عودة السلم إلى بلادهم.
صحيح أن لافتة في سوق صنعاء تثير مشاعر مختلطة لمن يشاهدها لاول مرة، لكن اعلانا مثل "يوجد لدينا اكفان جاهزة" تعكس إلى حد بعيد التعامل الفلسفي للمواطن اليمني مع الموت والحياة. وكما قال لنا صديق ظريف، فإن اليمني لا يخاف الموت ليس من منطلق ديني، حسب؛ بل لأن نمط الحياة اليومية التي يبدا مساؤها مبكرا بجلسات "القات" تجعل الفرد اليمني المنخرط في الجماعة، لا يستوحش الحياة وأن كانت طرقها وعرة. وقال ضاحكا" لا كهرباء ولا ضوء في نهاية الأفق لكن الخيال يشتعل بالأحلام الجميلة"!
وقد تكون اليمن، أول من استخدم بين العرب الطاقة البديلة، الأمر الذي يبشر، بأن أرض بلقيس وسليمان وسبا والسد الشهير، ستكون بلدا نقيا بيئيا، لأنه تخلص مضطرا من عوادم النفط والغاز ومشتقاته واستدار نحو الطاقة الشمسية.
اليمن سعيد بأبنائه المتفائلين دوما!
سلام مسافر