المصدر / وكالات
تمارس قوات النظام وميليشيات الأسد سياسة روسية في الحصار والتجويع ضد مناطق المعارضة، مستغلة بذلك حاجات الإنسان الأساسية، خصوصاً الأطفال والمرضى الذين لا ذنب لهم سوى أنهم أبناء هذه المناطق أو نزحوا إليها هرباً من الموت والقصف، ليلحق بهم الجوع والألم والخوف من القادم المجهول.
معضمية الشام غرب العاصمة دمشق وحي الوعر جنوب غربي حمص، نموذجان لا يختلفان عن بعضهما من حيث سياسة الحصار المخطط لها والمتبعة ضدهما، فكلتا المنطقتين لا تتجاوز الخمسة كلم مربع يحاصر داخلها الآلاف من المدنيين من نساء وأطفال وشيوخ قد تصل أعدادهم إلى نحو 100000 مدني كما حي الوعر المحاصر بحمص.
حصار طويل ومعاناة كبيرة
تحدث أحمد المعضماني من المكتب الإعلامي داخل المعضمية لـ"العربية.نت" عن حصار قوات النظام لها بعد فرض الحصار عليها في منتصف عام 2012 وقد اشتد حصارها بعد فصلها عن مدينة داريا المجاورة لها واستمر حتى يومنا هذا، ليمر بثلاث مراحل يشتد بإحداها ويزداد بالأخرى، ففي عام 2013 ودعت المعضمية 11 قتيلا جلهم من الأطفال نتيجة سوء التغذية ونقص الدواء، وفي عام 2015 فقد 4 أطفال حياتهم لنفس السبب، وقد اشتد الحصار جداً على المعضمية بتاريخ 26 ديسمبر 2015، وهو مستمر حتى يومنا هذا، حاصداً أرواح 25 شخصاً معظمهم أطفال وشيوخ والعدد بازدياد، فبعد إغلاق المعبر واشتداد الحصار تدخل المعضمية حالة من الخطر الذي ينذر بموت العديد ممن يعانون من سوء التغذية ونقص الأدوية والمحروقات والكهرباء والماء والخبز والطحين الذي لم يدخل لها منذ 5 أشهر.
وقال محمد الحمصي من مركز حمص الإعلامي داخل حي الوعر لـ"العربية.نت" عن معاناة الأهالي والحصار الذي يفرضه النظام عليه منذ 36 شهراً، "يتبع النظام ضده سياسة "الجوع أو الركوع" الذي يُرسم على مراحل لا تدع من بداخل الحي يموت، لكنها تجعله يعاني الأمرين للحصول على لقمة عيشه، وقد اشتدت آخرها بتاريخ 10 مارس 2016، ووصلت إلى حرمان الحي من مادة الخبز ومنع دخول الأغذية والأدوية الإسعافية وأدوية العمليات وأكياس الدم والسيرومات ومنع دخول السيرنكات والإبر التي كانت تدخل بشكل قليل خلال فترة الحصار منذ أعوام، فأصبح كل مصاب مهدد بالموت، وقد مر الحي بالكثير من المجازر التي ازداد عدد القتلى بها بسبب الضعف الطبي الموجود من كوادر وأدوية أدت إلى ارتفاع عدد قتلى الأطفال إلى 24 طفلا في مجزرة حديقة الألعاب في عام 2015".
الهدن في المناطق المحاصرة
يتم في المناطق المحاصرة إبرام هدن إنسانية مع نظام الأسد تنبع من رغبة بوقف القتل وسيل الدماء، لتلبي حاجات الناس من الطعام بعد بدء الفتك بالأطفال والمدنيين.
يقول المعضماني لقد قامت معضمية الشام بإبرام هدنة بعد تعرض المدينة للقصف بالكيمياوي في 21 أغسطس من عام 2013، وقد أبرمت الهدنة بتاريخ 25 ديسمبر في نفس العام لتنص على فتح الطريق ورفع الحصار والكف عن اعتقال أهالي المدينة والبحث في قضية المعتقلين والإفراج عنهم وإعادة الحياة إلى المدينة وما يلزمها من كهرباء وماء وإغاثة ومحروقات وإعادة الموظفين إلى أعمالهم والجامعيين إلى جامعاتهم والطلاب إلى مدارسهم، لقاء تسليم السلاح بالكامل وخروج الثوار من المدينة وتسوية أوضاع المنشقين عن جيش النظام ونشر لجان من قبل قوات الأسد لتفصل بين المعضمية وداريا، ومنذ ذلك الوقت وحتى اليوم تتغير وجوه المفاوضين من طرف الأسد ويبقى العميد غسان بلال مدير مكتب الأمن عند ماهر الأسد في قيادة الفرقة الرابعة هو المسؤول الأول عن هدنة المعضمية، ويتم من خلاله التفاوض الذي لم يفضِ حتى يومنا هذا إلى نتيجة، فالأسد لم يلتزم بأي تعهدات حيال مطالب أهل المدينة لاسيما إخراج المعتقلين
بل قام بخروقات عدة للهدنة من قصف بكافة الأسلحة المحرمة وغير المحرمة كان أشدها خلال الهدنة بقصف المدينة بالبراميل المتفجرة.
سيناريو الهدنة في حي الوعر لا يختلف عن معضمية الشام وبنودها إلا بالتوقيت الذي بدأه في شهر أغسطس عام 2015 بعد وصول الحي إلى مرحلة الهاوية الحقيقية، ليبدأ بعدها تطبيق هذه الهدنة في نهاية العام.
ويفيد الحمصي عن الهدنة أنها نصت على وقفٍ لإطلاق النار وخروج للمقاتلين الذين رفضوا هذه الهدنة الإنسانية ويمر الحي بعدها بفترة من الراحة لا تتجاوز الشهرين لم يسمح خلالها النظام بدخول المواد الطبية، وقام بعرقلة عمل اللجان والمنظمات الأممية في تصوير واضح لعدم صدقه في تنفيذ هذه الهدنة التي وصلت أخيرا إلى طريق مسدود بعد نكث النظام لعهوده في إدخال المواد الطبية وإخراج المعتقلين ورفض ثوار الحي التخلي عن أشخاص تعبت أجسادهم داخل أقبية النظام الأمنية، ليلجأ النظام بعدها للضغط على جميع من في الحي من أجل الخروج منه في عملية تغيير ديمغرافي واضح كما حصل في 13 حياً من أحياء حمص القديمة قبل عامين.
الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية
نوه المعضماني إلى اقتصار دور الأمم المتحدة في معضمية الشام على إدخال المساعدات مع كل مناشدات نطلقها، وللأسف لا تدخل إلا بشكل متأخر، وذلك بعد أن تستفحل الكارثة، وتفقد المدينة أطفالها وشيوخها ونساءها واحداً تلو الأخر موتاً من الجوع، فتقوم بعملية تخدير لوسائل الإعلام والأهالي المحاصرين بتقديم بعض المواد الغذائية البسيطة، وقد قدمت الكثير من الطلبات للأمم المتحدة تنص على العمل بشكل جدي من أجل فك الحصار بشكل كامل، فإدخال المساعدات لن يوقف المعاناة والجريمة التي ترتكب ضد الإنسانية، والأمم المتحدة لا تعبر إلا عن عجزها وعدم استطاعتها العمل في مثل هذه الظروف التي خلقت لأجلها أصلاً أصحاب القبعات الزرقاء، واليوم قوات الأسد منذ تاريخ 2 مايو 2016 تسمح لمن حالتهم الصحية قد شارفت على الهلاك بالخروج من المنطقة شرط عدم العودة إليها مجدداً في سياسةٍ انتهجها الأسد حيال المدينة منذ أواخر عام 2013 من أجل إفراغها من أهلها وسكانها، والأمم المتحدة تسانده في تنفيذها بشكل غير مباشر.
أما في حي الوعر فدور الأمم المتحدة في العجز أكبر، فهي مشرف وراعٍ للهدنة المبرمة التي صرحت بها السيدة خولة مطر، رئيسة المكتب السياسي للسيد دي ميستورا، المبعوث الخاص إلى سوريا، من داخل حي الوعر في بداية انطلاقها، وهم يعلمون ماهية الهدنة، ومتابعون لأدق تفاصيلها.
يقول الحمصي إن نظام الأسد يبدل الحقائق وينكث بالعهود التي قطعها على نفسه، يترافق ذلك مع عجز كبير في الضغط وممارسة دور الأمم الحقيقي، إلا في عمليات التغيير الديموغرافي وإخراج أصحاب الأرض من أرضهم تجدهم أول الموجودين يعملون بجد ونشاط أمام وسائل الإعلام التي توثق كل أفعالهم، وتسجل كل ما تفضي إليها نتائج عجزهم عن مساعدة المدنيين، واليوم الهدنة معلقة من طرف النظام، وجمال سليمان رئيس اللجنة الأمنية في حمص يراوغ ويفضل أي تقدم للهدنة المبرمة في سبيل فرض التغيير الديموغرافي للحي.
يعيش المدنيون في كامل المناطق السورية المحاصرة في القرن الحادي والعشرين ينتظرون موتهم البطيء، أمام أقلام تخط أسماءهم وتوثقها، وأعين وكاميرات ترصد لحظات موتهم، وشاشاتٍ وأقنية تعرضهم للعالم الذي تخلى عن إنسانيته، والمنظمات التي اعتادت على رؤية إبادة الشعب السوري العظيم الذي يذبح بصمت بينما دول العالم تتسابق لوضع هذا الفصيل وذاك على قائمة الإرهاب متناسين الإرهابي الأول "سفاح دمشق" الذي ضرب المدنيين بالسلاح الكيمياوي ولم تصدر عنهم إلا التنديدات والامتعاض والأسف لقتل مئات آلاف الأبرياء، بل وانتظارهم له ليجد حلاً لحياة السوريين الذين ضاقت بهم سبل العالم أجمع.