المصدر / وكالات
مدينة جميلة، يحدها «الفرات» من جهات ثلاث، يحتضنها كما الوليد إلى صدره، فيما يحاول الإرهاب الأسود انتزاعها ولو أشلاءً بوضعها تحت قصف المدافع، وزخات البنادق المتقدة فوهاتها بتواصل الرصاص، وبتوالى الهجوم عليها بالمفخخات.
ثمانية شهور، قضتها مدينة «الضلوعية» تحت القصف والحصار من قبل «داعش» الجيش الأسود الذى يبذر الكراهية ويسقيها الدماء يوماً بعد آخر لينبت الخراب أينما حل، ثمانية شهور، ترفض المدينة السُنية الخضوع أو الاستسلام، تأبى إلا الصمود أمام المتسترين بقناع «الدين» ولو ادعوا أنهم على نفس المذهب.
المدينة رفضت التفاوض مع التنظيم فدخلت حرباً شرسة شارك فيها النساء والشيوخ
ملحمة عظيمة فى بلاد الرافدين، رسمها أبطال تلك المدينة رجالاً ونساءً وشيوخاً وأطفالاً، للتأكيد على أن أرضهم غير قابلة للمساومة، كل شىء يهون حتى تبقى أرضهم حرة أبية، حتى الدماء تهون.
«الوطن» أخذت على عاتقها مهمة نقل صورة «الضلوعية» إليكم.. تلك المدينة التى كان النهر يحتضنها من جهات ثلاث، فسميت لذلك بهذا الاسم، وهى تتبع قضاء بلد بمحافظة صلاح الدين، إلى أن قرر أهلها من المسلمين السنة أن يسطروا فى صفحات التاريخ أكبر ملاحمهم ضد «داعش» فى العراق، لتكون الغصة فى حلق الإرهاب، وأكبر عقاب لمن ظن نفسه خليفة المسلمين، فكسرت شوكته ودهست جيشه تحت أقدامها، فقط بزغاريد النساء على الجبهات وبرصاصهن من داخل بيوتهن على جيش المرتزقة الذى جاء إلى مصيره المحتوم، تحت أقدام نساء المدينة المهيبة. عبرنا الجسر لينقلنا إلى هذه المدينة المحصنة بأهلها من قبيلة «الجبور» الذين رفضوا التفاوض مع «الدواعش» وقرروا مواصلة الحرب حتى النهاية بنسائهم وأطفالهم وشيوخهم، فى مواجهة لا تتسم إلا بقسوة الضرب وحدة القتال والإنهاك، وكأنها «ستالينجراد» العراق، بعد أن رفعت منذ اللحظات الأولى لمحاولات غزو داعش لها شعار «إما النصر أو الفناء» وانتصروا بالفعل.
انطلقنا من بغداد باتجاه الشمال، كان يرافقنى ثلاثة من أبناء مدينة «الضلوعية»، لم يكن مناسباً أن أسألهم إذا كانوا من المشاركين فى الحرب على «داعش» أم لا، فكل أبناء المدينة قاتلوا وقتلوا جنود التنظيم الإرهابى خلال هذه الحرب التى دامت 8 شهور كاملة.
شيخ الجبوريين: المدينة كلها سنية ورفضنا بث الفتنة وهذا جعل الدواعش يمارسون العناد الانتحارى لإخضاعنا حتى جلبوا تعزيزات من الرقة السورية
قطعنا 90 كيلومتراً إلى الشمال من «بغداد» لكى نصل إلى المدينة التى يحتضنها نهر دجلة من جهات الجنوب والشرق والغرب، وكأنها شبه جزيرة، وهو ما جعل الدواعش يدمرون الجسور على نهر دجلة لمحاصرتها من جميع الجهات، فأتوا من الشمال، إلا أنهم فشلوا فى دخول المدينة المليئة بالزراعات والبساتين.
كان معى صديقى «أبوسجى»، فهو مَن تواصل مع سكان المدينة الذين تحركوا معنا من بغداد حتى المدينة، وكانت أعمارهم تتراوح بين الـ25 و35 عاماً، وهم: وائل، ونور، وعبدالرحمن، شاركوا فى معارك خارج «الضلوعية» فقد خرج بعض أبناء الضلوعية لمطاردة الدواعش حتى الشمال.
جرى نقاش بيننا حول تكتيكات «داعش» فى مهاجمة المدينة ومحاولات جنوده ومقاتليه دخولها، ليؤكد لى براعتهم فى القنص والتفخيخ، وأنهم اشتهروا بأساليب عبقرية فى التفخيخ ولديهم مهندسون ومقاتلون من جميع الجنسيات.
يقول «وائل» إن المهندس المسئول عن التفجيرات كورى الجنسية، ويبتكر طرقاً من الصعب الكشف عنها، موضحاً أن مدينته لم يكن بها خبير مفرقعات لأنها تدافع عن نفسها وليست فى موقف المهاجم، لذا اعتمد الدواعش على عمل مناورات خلال الاشتباك لإجراء تفجيرات مروعة، وكان من بينها أن يجرى الاشتباك ثم يتظاهروا بالانسحاب ويتركوا بندقية جرينوف أو «بى كى سى» -سلاح رشاش قوى يسمى عروس الجبهات لأهميته- مع ربط مؤخرتها بأحد الأسلاك الشفافة المتصلة بقنبلة كبيرة، لتنفجر لحظة سحب أحد المقاتلين من أبناء المدينة السلاح فينهار المنزل على كل من دخله، كما أنهم استخدموا «المصاحف» فى التفخيخ، فكانوا يلقون بها على الأرض خلال المعركة وهى متصلة بأسلاك شفافة، وعند سحبها يحدث تفجير هائل.
تابع: «كانوا يلقون المصاحف على الأرض، فنأتى خلال المعركة نقول حرام المصحف حتى لا ندهسه بأقدامنا فنسحبه بسرعة من على الأرض فتنفجر المصاحف المفخخة».
الأهالى دفنوا شهداءهم فى منازلهم بعد سيطرة التنظيم على القبور.. وبينهم «نجار مصرى»
يشير ابن «الضلوعية» إلى أن قناصى «داعش» كانوا بارعين، باستطاعتهم قنص أبناء المدينة من على مسافة كبيرة، حتى إن أحدهم تمكّن من اصطياد أحد قناصى المدينة من فتحة فى أحد الجدران لا يتعدى قطرها 8 سنتيمترات فقط، وأصابه من مسافة تقارب الـ500 متر، مضيفاً: «أطلق الرصاصة من فتحة الجدار التى تخرج منها فوهة البندقية فأصابت الطلقة المنظار الذى يبصر منه قناصنا فأصيب فى عينه وتشوه وجهه، والدواعش فى كل مدينة يدخلونها يرفعون سعر السلاح ويشتروه من الأهالى حتى يتأكدوا من خلوّ المدن التى يسيطرون عليها من أى أسلحة قد تُستخدم ضدهم فى المستقبل، فوصل سعر البندقية الكلاشينكوف 10 أضعاف ثمنها لتتراوح ما بين 10 إلى 15 ألف دولار فى بعض المناطق».
تتوافر لنا الخبرة الكافية لتحديد مواقع الخطر وكشف جبهات القتال من خلال المشاهدة الأولى دون أن يكون معنا دليل يرشدنا عن مواقع التماس واختباء المقاتلين، وباقتراب سيارتنا من البلدة وجدنا أكواماً من التراب والحصى غير المبررة فى مواقع غريبة، ثم بدأت تلازم هذه الأكوام أو السواتر الترابية الطريق من على الجانبين، أدركت حينها أنها جبهة قتال وأن السواتر وُضعت على جانبى الطريق لتؤمّن مرور السيارات من نيران البنادق، لم يراودنى القلق لأن تلك المنطقة محررة وأعلم أن «الدواعش» يبعدون عنا بمسافة كبيرة.
أشرت بيدى تجاه البنايات القليلة والزراعات المقامة على بعد200 متر من جانبى الطريق وسألت المرافقين: «ماذا كان يجرى هنا؟»، يجيب «نور»: إن الدواعش رابطوا على جانبى الطريق لاصطياد بقايا الجيش العراقى المهزوم والمنسحب من صلاح الدين، وجرى القتال على أشده على هذا الطريق «بغداد - سامراء»، حتى إن أحد الأهالى ترك منزله بعد أن تراكمت جثث الجيش العراقى فى محيطه بسبب الرائحة النتنة التى كانت تفوح من عدد القتلى الهائل.
اقتربنا من «الضلوعية»، وهى مدينة خصبة مملوءة بالبساتين والزراعات لوفرة مياه دجلة التى تحيطها من الجوانب الثلاث، تحدها قرى تسكنها قبائل استسلمت لـ«داعش» من اللحظات الأولى خوفاً من التنظيم، يبلغ عدد سكان كل المدينة حوالى 60 ألف نسمة أغلبهم عشائر عربية سنية، وأكبر العشائر هم «الجبور» الذين ينتمون إلى قبيلة «زبيد» أكبر القبائل فى الوطن العربى ومركزها فى الجزيرة العربية، أما باقى العشائر فهم «الخزرج» و«البوجوارى» و«البوفراج» و«الدليم» و«العبيد» و«السوامر».
«تركى»: حاربناهم شهراً ببنادق قديمة.. ووصلنا السلاح من بغداد فى لحظة نفاد ذخيرتنا
مع دخولنا قضاء «بلد» انحرفنا يميناً للوصول إلى الجسر الذى أقامته الحكومة العراقية على نهر دجلة بعد تفجير جسور قديمة كانت تربط المدينة بالضفة الثانية، وكأى مدينة عراقية توجد على مداخلها سيطرة أمنية، إلا أن الفرق الوحيد فى هذه البلدة أن كل من يتولى تأمين المدينة هم من أبنائها، حيث تستقل قبيلة «الجبور» بمنطقة كبيرة فيها 36 ألف نسمة من تلك القبيلة ويعرفون بعضهم ويكشفون الغريب والدخيل من بينهم، حيث تُعد تلك المدينة من أكثر المدن التى يستهدفها داعش ويحاول إرسال الجواسيس إليها.
«الضلوعية» مدينة مليئة بالبساتين الجميلة والمنازل الكبيرة، وداخل كل منزل حديقة فى محيطها أشجار لثمار البرتقال والفواكه الأخرى، انتقلنا للقاء «إسماعيل تركى خلف»، 45 عاماً، أحد أبناء المدينة الذى تواصل مع المسئولين لإنقاذ «الضلوعية» وإمدادها بالسلاح والذخيرة لمواصلة القتال.
قال لنا: «فى الشهر الأول من الحرب لم يأت أى دعم من أى مسئول لا من داخل الضلوعية ولا من خارجها، فطلبت من رئيس المجلس خلف تركى خلف أن ينسق مع قائد عمليات بغداد عبدالأمير الشمرى ليدعموا المعركة ويناصروها، لأن الذخيرة كانت تنفد فى أواخر الشهر الأول من القتال»، لم يكن فى الضلوعية سوى الأسلحة الشخصية التى كان الأهالى يقاتلون بها الدواعش، وكانت عبارة عن بنادق «هجومة» وقليل من يوجد لديه أسلحة متوسطة، وبحلول نهاية الشهر الأول من هجوم داعش كان الجنود يقتسمون الطلقات مع بعضهم.
النساء كنّ يحملن البنادق ويحاربن على الجبهات ومن داخل منازلهن كنّ يزغردن لتشجيع الرجال
يضيف «تركى»: «كنا نقسم العتاد بيننا، هذا 10 طلقات، وهذا 50 طلقة، وهذا 100، كل حسب منطقته وحكم الهجوم عليها، إلى أن تلقينا اتصالاً من مسئول فى بغداد، وقال اصمدوا هذا الليل وفى الصبح أنا مقبل بالعتاد، صمدنا حتى الساعة 12 ظهراً، ثم خاطبناه: أين أنت تحديداً؟ قال أنا آت إليكم بالسلاح، لكن هناك عطل فى (اللورى)، ووصل فى الليل فى وقت لم نعد نمتلك فيه أى ذخيرة».
يؤكد الرجل الذى قاتل الدواعش على الجبهة أن الأسلحة التى كانوا يقاتلون بها بسيطة مثل بندقية «سيمنيوف» و«برناو» وهى بندقية أحادية تطلق 5 طلقات، يتابع: «أنا بإيدى الطلقة تحشر فأجيب حديد من سيخ البيت المعمارى وأطلع الطلقة وأعاود أضرب، وموقف الضلوعية المشرف دفع المسئولين فى العراق إلى التعاون معهم وإرسال مساعدات طبية وأسلحة وغيرها، وحضرت قوات من الحشد الشعبى لمساعدة الأهالى فى مواجهة داعش، ولم تكن هناك أى مشكلات طائفية يمكن أن تؤثر على طبيعة الحرب، حتى إن النساء من الشيعة فى منطقة (بلد) والقرى المجاورة تبرعوا بالدماء للمصابين مع بقية المواطنين السنّة، لإنقاذهم والأغانى كانت تُردد لإثارة حماسة المقاتلين على الجبهات حتى إن بعض المجموعات التى كانت تغنى والنساء اللاتى يزغردن أرسلن مكبرات صوتية على خطوط الجبهة حتى يسمعها المقاتلون فتزداد حماستهم».
القتال فى هذه المدينة صعب جداً، لا توجد جبهات مفتوحة وسواتر ترسم مناطق السيطرة والنفوذ، بل شوارع لا يزيد عرضها على 10 أمتار وحقول وبساتين كثيرة، ما يجعل المسافة بين الطرفين المتقاتلين لا تتعدى 50 متراً، وهو ما أكده لى «نور»، حيث تحدثت معه وأبلغته أن المدينة ليس بها مناطق مفتوحة، فكيف كانت تدور المعارك وتتخذون سواتر، فيجيب بأنه فى بعض المناطق كانت المسافة بين الطرفين تصل إلى 20 متراً فقط.
انتقلنا إلى المنطقة التى كانت تفصل بين عشيرة «الجبور» وعشيرة «الخزرج» وهى الجبهة الأكثر خطراً، وقف «نور» ليشرح لى كيف استولى الدواعش على كل مناطق العشائر الأخرى لكنهم وقفوا عند بداية منطقة عشيرة الجبور، يقول: «المعارك هنا كانت طاحنة، وتحولت إلى العناد الانتحارى الذى دفع بالدواعش إلى الانتحار أمام مقاتلى المدينة بالسيارات المفخخة، بعد أن كثفوا جهودهم لدخول المنطقة وكانوا يعتقدون أن دخولها ممكن فى يومين فقط باعتبارها مدينة سنية لن تقف فى وجههم، لكنهم فوجئوا بقتال عنيف من رجال وسيدات وأطفال أعمارهم 12 عاماً، حتى إنهم حصلوا على تعزيزات من الموصل فى العراق ومن الرقة فى سوريا وما قدروا علينا، وسقط فى تلك المعركة 135 شهيداً و900 جريحاً من أبناء الضلوعية، فيما سقطت أعداد أكبر بكثير فى صفوف الإرهاب».
يتابع «نور»: «الشىء المؤلم أن كل من عنده شهيد يدفنه معه فى المنزل أو حديقة المنزل لأن داعش كان يسيطر على منطقة المقابر، فتخيل رجلاً يدفن ابنه فى منزله على بعد أمتار منه، ولأن الحرب لا تسمح بأى شىء كان الرجل يدفن ولده ويذهب للجبهة، وبعد انتهاء المعركة تم جمع رفات الشهداء ووضعها فى مقابر مخصصة لهم».
ذهبنا إلى شيخ «الضلوعية»، حيث كان فى انتظارنا ليتحدث معنا عما كان يخفى على بقية الأهالى، وكيف اتخذ هو وكبار الشيوخ قرار الصمود بدلاً من الاستسلام كبقية المدن والعشائر الأخرى.
داخل منزل فسيح استقبلنا الشيخ ذاكر حسين الثامن الجبورى، شيخ عشيرة الجبورية، الذى أكد رفضه للمشروع الداعشى من البداية وأنه قاومهم حتى قبل إعلان خلافتهم، حيث دار قتال بين المتشددين من تنظيم القاعدة فى 2008 حينما كان زعماء داعش مجاهدين صغاراً لم يبلغ نفوذهم هذا الحد، وبعد سقوط الموصل واستيلائهم على صلاح الدين واقترابهم من مدينته، اجتمع بالشيوخ واتخذوا قراراً بالقتال ورفض الخضوع والاستسلام لداعش، يقول: «تحدثنا مع السيد عمار الحكيم وقيس الخزعلى ومقتدى الصدر والحكومة العراقية فقالوا قاتلوهم ونحن معكم، فيما كان هدف الدواعش بث الفتنة بين السنّة والشيعة وحاولوا تفجير مسجد سيد محمد على أطراف المدينة لإشعال الفتنة، ولكنا رفضناها»، موضحاً أن الجبوريين بالضلوعية كلهم من الطائفة السنية ومع ذلك رفضت دخول داعش وقاومتها بالأطفال والنساء، حيث يوجد فيها 36 ألفاً يعرفون بعضهم البعض ولا يستطيع أحد أن يندسّ بينهم.
يشير شيخ «الضلوعية» إلى أن ثلاثة أرباع العراق من الجبور لكن عشيرة الضلوعية اختارت هذا الطريق فى مواجهة داعش لتأخذ مكانتها فى العراق وفى المنطقة العربية كلها: «إحنا اللى قاتلنا الدواعش، أما بقية القبائل ما قاتلوا، عندك قبيلة الخزرج والبوجوارى والعزة والجنابين، لم يقاتل أحد، وأنا قاتلت القاعدة فى 2008 وكتبوا رقم واحد على بيتى، أى أنه مطلوب قتلى».
يستطرد: «أنا قلت أقاتل داعش حتى النهاية حتى آخذ صفحة بالتاريخ، لأنى مقتول مقتول، وهم أتوا إلى بابى وقالوا مطلوب وكتبوا عليه رقم واحد، بعد أن أجروا اتصالات معى وجعلوا شيوخاً من الموصل تتوسط بألا خلاف معنا وأنهم يريدون أن يعبروا ويفرضوا سيطرتهم فقط، إلا أننا رفضنا، فكلنا فى خندق واحد شيعة وسنّة، وهم يبثون الطائفية، ويشوهون الإسلام ويصيحون بأن دولة الخلافة الإسلامية باقية، فقلنا لهم ليست باقية».
يشير «ذاكر» إلى أن الدواعش أطلقوا أكثر من 4 آلاف قذيفة هاون من أعيرة مختلفة 120 مللى، و60 مللى و80 مللى، وأن السواتر كانت هى بيوت الأهالى، ومقاتلى المدينة تمكنوا من أسر 40 أو 50 داعشى، ولكن كان يتم قتلهم فى الحال، حتى إنه فى خلال الـ8 شهور، أسقط الأهالى أكثر من 2500 داعشى، وهذا العدد تم إحصاؤه، بعد كل معركة كان يرسل الشباب يتسللون ويحصون ضحاياهم.
اصطحبنا شيخ الجبوريين إلى موقع مقابر «حماة الديار» التى دفن فيها شهداء الضلوعية الـ135، أشار «ذاكر» بيده باتجاه النهر، حيث توجد ملاه عملاقة، وأسطوانة حديدة كبيرة معلق على أطرافها المقاعد، بينما يُجرى التروس لتلف ويلهوا الأطفال، كانت متوقفة، لكنه أخبرنى أن رجال الضلوعية كانوا يختبئون فى المقاعد المعلقة فى الأعلى لاصطياد الدواعش وقنصهم، وبعد عشرات الأمتار تنتشر صور الشهداء المزينة بالورود، حيث يتراوح الشهداء فى هذه البقعة ما بين أطفال وحتى شيوخ أكبرهم شيخ يُدعى أبوعادل، استشهد عن عمر يناهز 85 عاماً وهو يقاتل مع أبنائه على الجبهة.
يقف «ذاكر» ويشير إلى أن هذا الموقع اختير بجانب المقابر القديمة ليضم شهداء الضلوعية ويُدفن فيه أحد المصريين الذين رفضوا الهروب وقرروا قتال الدواعش إلى جانب الضلوعية، وهو محمد شحاتة عبدالمعبود المصرى، وهو فلاح من صعيد مصر كان نجاراً فى الضلوعية منذ سنوات طويلة، لافتاً إلى أن رجالاً من الحشد فى كربلاء والبصرة ومن كل محافظات العراق أتوا لمساندة الضلوعية بعدما انبهروا بصمودها وأوصوا بأن يتم دفنهم بالضلوعية إذا اسشهدوا خلال الحرب، فتم دفنهم فيها كما أوصوا، وسيجرى عمل متحف لهم يضم متعلقاتهم فى موقع المقابر، أما جثث الدواعش فكان يتم ردمها باللودرات أو تركها للكلاب والحيوانات تتغذى عليها.
الوطن المصرية