المصدر / وكالات
كتب الاعلامي المصري طارق حسن*: مادام أصبح «للعين السخنة» موقعة تستحق أن تخاض من جانب بعض الشخصيات الفلسطينية. بالتهم الباطلة وأدوات التشهير لمجرد لقاء أكاديمى مصرى- فلسطينى يبحث فى موضوع مصر والقضية الفلسطينية. نظمه خلال الأيام القليلة الماضية مركز مشهود له بالنزاهة العلمية والوطنية هو «المركز القومى لدراسات الشرق الأوسط».
بودى كمصرى أن أقول للرئيس الفلسطينى الأخ أبومازن ما يلى:
■ لا أرتاح مطلقاً لأى ريح خلاف أو سوء تفاهم بين مصر والسلطة الفلسطينية. لنا ما لنا مع حماس إنما لم يمنعنا هذا ولا مرة عن فلسطين. حدث مرات فى الماضى أن تباعدت مسافات السياسة الفلسطينية عن نظيرتها المصرية إنما لم يحدث، ولا مرة أن توقفنا أو تخلينا كمصريين عن تحريك ودعم استقلال فلسطين ومساندة قيادتها الشرعية. وإحاطتها بكل ما يجب من اعتبار.
■ أعرف كل ما يثار. لن أقول لك كما هو معتاد: ابحث عن المستفيد. إنما أقول لك بصراحة: ابحث عن المفيد. فى كل الأحوال، وأيا ما كان الوضع لا غنى عن مصر. لا يجوز أبداً مجرد التفكير فى وضع مصر موضع المقارنة مع أى طرف آخر. مصر لا تستبدل ولا تعوض، ولا يمكن الذهاب بعيداً عنها. ما بيننا وفلسطين. ارتباط جغرافى وحقائق اجتماعية قبل الأخرى السياسية والتاريخية والاستراتيجية.
■ كل ما دون الجليل الأعلى شمالا حتى غزة جنوبا وما بينهما، به مكون مصرى ونسب مصرى ونسل مصرى. إنه التشكيل التاريخى الذى يرقى إلى مستوى حقائق الطبيعة. فلسطين امتداد أهلى لمصر على وجه الخصوص. لطالما وصفت فلسطين بأنها قضية عربية. إنما هى فى الحقيقة قضية فلسطينية مصرية بجدارة. بقت وتبقى قضية فلسطين مكوناً راسخاً فى العقيدة الوطنية المصرية. الدولة الفلسطينية مصلحة وطنية مصرية- فلسطينية.
■ الوطنية المصرية هى الحاضنة الوحيدة للوطنية الفلسطينية. لم تتزعم منظمة فتح حركة التحرير الوطنى الفلسطينى إلا بالحاضنة المصرية. لم تقم للفلسطينيين على مدى التاريخ دولة بلا أرض هى منظمة التحرير ولم تقم لهم سلطة على أرضهم كالسلطة الوطنية، إلا بالحاضنة المصرية.
■ فى كل مراحل الجور العربى، ناهيك عن الدولى والإسرائيلى، على الفلسطينيين لم تجد الوطنية الفلسطينية بيتاً سوى مصر، ولا نجدة تحرر رقبتها سوى من مصر.
لم يطق الراحل الرمز ولو لحظة واحدة أى سوء تفاهم مع مصر. لست عرفات إنما أرجوك كن كما عرفات فى كل ما يتعلق بمصر وفلسطين. لا تغادر بيتك. فأنت إن غادرت البيت لن تغادره فلسطين. وأنت إن استبدلت البيت فلن تستبدله فلسطين.
■ اذهب كما شئت إلى الدوحة لن تجد فلسطين. تجد إمارة غزة أو دويلة غزة لا فرق لن تجد طريقاً لمصالحة مع حماس. تجد طريقاً لاستبدالك بحماس. اذهب كما شئت إلى أنقرة أو إسطنبول يعيدون إرسالك مباشرة إلى إسرائيل. سمحت إسرائيل لتركيا بإرسال مساعداتها لدويلة حماس فى غزة عبر ميناء أشدود الإسرائيلى، وكان لشمال الضفة الغربية التى تحكمها فقط نصيب من الصفقة التركية- الإسرائيلية الجديدة بمشروع تركى فى جنين.
■ اسمح لى بما أننا أهل: كيف تغادر إسرائيل إلى إسرائيل؟ تل أبيب على بعد خطوات من مقرك فى رام الله، صدقنى لا أريد صراحة اختصارك فى مسألة من هذا النوع ولا أقبلها فى حقك. ولا بحق رئيس فلسطين أياً كان. إنما يا سيادة الرئيس أتساءل بجد، وربما تساءلت مثلى ولديك إجابة:
لماذا تنشط الدوحة وأنقرة، التى تدور عليها هذه الأيام، فى تدعيم وضع حماس كدويلة منفصلة فى غزة، وابتسار سلطة الفلسطينيين الوطنية فى صورة دويلة ممزقة الأوصال فى الضفة الغربية، على رأسها أنت بشخصك الكريم.. كيف هذا؟
■ أعد لسلطة الفلسطينيين الوطنية اعتبارها ومكانتها. ضع تمرد حماس فى حجمه الطبيعى كتمرد. لك قضية ولأهلنا الفلسطينيين قضية وقد صار لكل العرب قضية مع هؤلاء القابعين فى الدوحة وأنقرة ومواليهم من كل جنس ولون غير عربى. قضية لا تقبل المسامحة أو الغفران. قسموك وقسموا العرب، ويقتسمون مع من يقتسمون كل العرب أين تذهب مع مثل هؤلاء يا سيادة الرئيس. لم يعد فى العرب «قطعة» صاروا «فتافيت».
■ ما يخصك مباشرة وبالأحرى صار يضرك أن كل ما حول إسرائيل انهار. لم يبق لفلسطين سوى مصر. قل معنا ربنا يحفظها ويقويها. ما يخصك أيضا وما قد ينصر قضية وطنك أنه لم يبق فى محيطك المتاخم عرب إلا مصر وأغلب دول الخليج. لا تستبدل العرب بالمستعربين. لا تشرد بعيداً عن العرب، فيشردك المستعربون أنت وشعبك كما شردوه أول مرة وبعد أن صار الطبع الحاكم الآن تشريد العرب بالجملة.
■ الصراع على السلطة صار القضية الأولى فى فلسطين على حساب القضية الوطنية فى التحرر من الاحتلال. ماذا تبقى لتصدر أمراء الحرب الساحة؟
أعد للقضية الوطنية اعتبارها ومكانتها. اطرد صراع السلطة من الساحة بأقصى درجات الاتحاد. وبأقصى سرعة.
■ لا شأن لنا فى خصومة لك أو معك من هذا الطرف الفلسطينى أو ذاك. أتساءل فقط: أين فتح التى نعرف؟ أين فتح التى صاغت مبدأ: إن وحدة العرب تبدأ من الوحدة حول فلسطين، وإن ما تفرقة الأيديولوجيات والمصالح توحده فلسطين؟ وهل يمكن أن تتحد فلسطين دون اتحاد واستنهاض فتح؟
■ أخيراً سيادة الرئيس، وأحسبك من الصادقين فى منهجهم. وأنك ممن يحسبون بحكمة أن للتاريخ اعتباره. من قبلك ترك عرفات لأهله الفلسطينيين سلطة وطنية وكياناً واحداً على الأرض الفلسطينية، وقضية حية فى العالم. فماذا تارك أنت لهم؟ لست أراك سوى متطلعاً لترك إنجاز لا يقل عن إنجاز عرفات، إنما أخشى إن أمهلت المسألة وقتاً إضافياً أن يسرقك الوقت، فتبقى سيرتك حبيسة الانقسام والتمزق الفلسطينى.
آسف جداً سيادة الرئيس. أثقلت عليك.
شكراً لسعة صدرك.
*اعلامي مصري ورئيس تحرير الاهرام المسائي سابقا