المصدر / رضوان السيد
بعد التحالف العربي الذي خاض «عاصفة الحزم» و«إعادة الأمل» في اليمن، قدَّمت المملكة العربية السعودية مبادرةً استراتيجيةً أخرى هي «التحالف الإسلامي» للتصدي للإرهاب. ظهرت الجوانب الاستراتيجية لـ«عاصفة الحزم» بالتفكير في الوقت نفسِه بالقوة العربية المشتركة لصون الأمن القومي العربي. وكما سبق القول، فإنّ قوات عربية عدة من الخليج وخارجه شاركت وتشارك في قتال المتمردين باليمن. بيد أن المفاوضات بشأن البنية والوظائف والأعداد والمقرات والتسلح والتدريب؛ كل ذلك لا يزال موضوع تفاوضٍ ودراساتٍ للاستخدامات والجدوى. لقد جرى الحديث في الأسبوعين الماضيين عن إمكان إرسال قوات عربية خاصة إلى سوريا تقاتل على الأرض ضد «داعش»: فهل تكون هذه القوات الثمرة الثانية للقوات العربية المشتركة؟
أما التحالف الإسلامي، فيأتي من منطلقٍ آخَر، وإن كان يلتقي مع التحالف العربي في نقطة مكافحة الإرهاب. ذلك أنّ التحالف الأول (أي العربي) دفاعي ويلعب دور حائط الصدّ لحماية الدول والبلدان من الانشقاق الإرهابي، والتغول الإقليمي الإيراني والإسرائيلي والتركي. في حين تغلب الجوانب الاستراتيجية على التحالف الإسلامي، وذلك لعدة أسباب؛ أولها أنّ الانشقاق الحاصل والذي تطور إلى عنفٍ وإرهاب، هو انقسامٌ في الإسلام السني، وهو صار تهديدًا للعالم؛ لكنه في الأساس يخرّب ديننا وبلداننا. ولذا ورغم تهديده للعالم؛ فإنّ الأهل الأصيلين للإسلام هم الأولى بمكافحته دفاعًا عن دينهم وبلدانهم ومجتمعاتهم ودولهم. والثاني أنّ الدين في وجودنا الإنساني يلعبُ دورًا مهمًا جدًا، لأنه هو الذي يهبه المعنى العميق، وهو أهمّ بكثير مما يحاول الإحيائيون مُدّعو الجهاد والخلافة وتطبيق الشريعة إثباته. ولذلك، فإنه في النزاع عليه، يكون علينا أن نبادر نحن صونًا لديننا وإنسانيتنا لتحقيق ما طالب الماوردي الدولة الإسلامية بفعله قبل قرابة الألف عام؛ أي «حراسة الدين وصونه على أصوله وأعرافه المستقرة». والثالث أنّ هذا الأمر، أي أمر حراسة الدين يتخذ معنّى استراتيجيًا بارزًا في هذه الظروف لجهتين: جهة القيادة، والجهة الجيوسياسية. في مسألة القيادة، فإنّ المهمَّ أن تكونَ عربية، وليس في مواجهة إيران مثلاً، بل لأننا حماة الحرمين ولأننا كنا دُعاة الإسلام الأوائل، والله سبحانه وتعالى يقول في القرآن الكريم مخاطبًا النبي (صلى الله عليه وسلم): «وإنه لذكْرٌ لك ولقومك وسوف تُسأَلون». والمقصود بالذكر القرآن الكريم أو الإسلام، والقومُ قومُ النبي (صلى الله عليه وسلم)، والمسؤولية عن مصائر الدين والأمة مطلوبة من العرب. وقد حدث اختلالٌ كبيرٌ في القرن العشرين، لأنه عندما تخلَّى الأتراك عن حراسة الدين، فإنّ أحدًا ما اعتبر نفسه مسؤولاً أمام المسلمين، ولا مسؤولاً أمام العالم عن الإسلام. وبسبب ذلك، فإنّ إيران تقدمت لقيادة الإسلام، وقد كادت تنجح في ذلك لولا أنها تسرعت من أجل خَلْق مناطق نفوذ، باتخاذ سياسات طائفية. عندما كانت إيران تغازل العرب والمسلمين برفع راية فلسطين، بدا أنها أكلت رأس المسلمين والعرب. ثم إذا بها تهجم عبر ميليشياتها للتخريب في البلدان العربية، ومعظم المسلمين سُنّة فاختلّ عليها الأمر.
وقد تأهلت المملكة العربية السعودية لقيادة الإسلام منذ أيام الملك عبد العزيز، ليس من وراء خدمتها للحرمين فحسْب؛ بل ولأنها تصدت للقيادة أو تقدمت باتجاهها، فأظهرت حرصًا على مجلس التعاون الإسلامي (أمينه العام سعودي)، وعقد الملك السعودي عام 2005 مؤتمر قمةٍ إسلاميًا بمكة المكرمة، وأطلق عام 2007 حوار الأديان والثقافات. واهتمّت وزارة الداخلية السعودية بإطلاق مبادرة «المناصحة» لاستيعاب الشبان المتطرفين واحتضانهم ومنع تفاقم الانشقاقات. كما اهتمت المملكة بكل قضايا المسلمين، واعتبرت نفسها وكيل الدفاع عنهم وعن قضاياهم أمام المجتمع الدولي. وما كانت متحمسةً للتغيير من طريق الثورة، لكنها ما تخلت عن سوريا ولا عن العراق ولا عن مصر. ولا تزال تصارع في كل هذه القضايا. وقد اضطرت لاستخدام القوة في البحرين وفي اليمن. لكنها في كل الحالات ما اعتبرت التدخل العسكري حلاً، وهذا معنى ربط عملية «عاصفة الحزم» بعملية «إعادة الأمل». كما أن هذا معنى قبول الحلّ السياسي في سوريا وقبول قرار مجلس الأمن الأخير بشأنها، وإعادة سفيرها إلى العراق، والدخول على خطّ إعادة قضية فلسطين إلى رأس الأولويات، والدعم المنقطع النظير لاستقرار مصر ونهوضها، وإقامة أفضل العلاقات مع الدول الإسلامية في آسيا وأفريقيا.
إنّ «التحالف الإسلامي» بعد التحالف العربي، يقصد إلى استعادة الزمام، بعد تفاقم التدخلات الأجنبية، وتفاقم الانشقاق بداخل الإسلام. وإذا حصل تقدُمٌ، وهو حاصل؛ فإنّ الأمر كما سبق القول يصبح مبادرةً استراتيجيةً مكتملة الأركان. إنّ الذي أتصورُهُ أنه خلال شهورٍ، فإنّ الـ34 دولة التي أعلنت عن دخولها في التحالف الإسلامي، ستصبح أربعين وأكثر. وكذلك الأمر مع التحالف العربي الذي لن تشذّ عنه في النهاية غير دولةٍ أو دولتين عربيتين.
لقد ذكرتُ في مقالةٍ سابقةٍ بجريدة «الشرق الأوسط» أنّ التحالف العربي له قاعدتان هما المملكة العربية السعودية ومصر، أما المجموعة الاستراتيجية العربية، فتضمّ إليهما دولاً في الخليج وخارجه بحسب الإرادة والأعمال. أما التحالف الإسلامي، فأتصور أن يكون عمادُهُ القيادة السعودية، والمؤسسات الدينية السنية القوية، وفي طليعتها الأزهر والمؤسسة الدينية المغربية، والمؤسسة الدينية السعودية. وهناك نموذجٌ سابق لهذه القيادة وهذا التعاون، فقد اجتمعت كلٌّ من مصر والسعودية على إقامة الجامعة العربية في الأربعينات من القرن الماضي. وتقدمت في الستينات في مبادرة عدم الانحياز ومؤتمرات القمة العربية. وردًا على إحراق الأقصى، أقامت المملكة ومصر «منظمة المؤتمر الإسلامي». وحصل انقسامٌ في الحرب الباردة (العربية). لكنّ البلدين عادا للانسجام في السبعينات وما بعدها.
ولا تزال الأمور صعبةً، بل شديدة الصعوبة. هناك، كما قلنا، تحدي الانشقاقات بداخل الإسلام، ونحن محتاجون في تجاوزها إلى ثورةٍ فكريةٍ ودينيةٍ أشار إليها بيان التحالف الإسلامي. ومن خارج التطرف، يأتي تحدي النموذج الإيراني للإسلام الذي يفرض علينا معاركه في الوقت الذي نكافح فيه ضد الانشقاق الآخر. ثم هناك النموذج الثالث للتحدي والمتمثل في النموذج التركي لإدارة الدين أو استخدامه. فقد فشل الإسلام السياسي في العالم العربي، لكنه يبدو ناجحًا حتى الآن في تركيا. وهذا يقتضي، إلى جانب تجديد المؤسسات الدينية وتقويتها، التفكير الجدي في طرائق إدارة الدين أو تدبير شؤونه في المرحلة المقبلة.
وفي الجيوسياسي والجيواستراتيجي ليس لدينا التدخل الإيراني والإسرائيلي والتركي فحسب؛ بل لدينا أيضًا متغيرات المشهد الدولي بأطرافه التي صارت معروفة: الأميركي والروسي والصيني والأوروبي.
هناك تفكير متعاظم في التكامل العربي. ويبدأ الحديث الآن عن التكامل الإسلامي. ولا بد من السير إلى الأمام رغم الصعوبات. فيا للعرب!
* نقلا عن "الشرق الأوسط" اللندنية