المصدر / وكالات
وجّه خمسة من الباحثين الإسرائيليين والأتراك، رسالة مشتركة ومفتوحة إلى زعماء إسرائيل وتركيا لحثّهم على إقرار صيغة اتفاق المصالحة الذي توصّل إليه طاقمان من الدولتين لتطبيع العلاقات بينهما. ومعروف أنَّ تركيا وافقت على صيغة المصالحة، ولكن رئيس الحكومة الإسرائيليّة بنيامين نتنياهو لم يصادق عليها بعد. وطالبت الرسالة إسرائيل، خاصة، بعدم تضييع الفرصة والمسارعة إلى إقرار الاتفاق مع تركيا.
وأشارت الرسالة التي كتبها كلّ من البروفيسور منصور أكجون، والدكتور نمرود غورن، والدكتورة سيلفيا تيرياكي، وجبراييل ميتشل، ومحمد عماش، إلى أنَّ كلاً من إسرائيل وتركيا تقفان حالياً أمام فرصة حقيقية لترميم العلاقات بينهما بعد خمس سنوات من الجمود والتوتّر. وقالت «إنّنا، كباحثين كبار في مراكز أبحاث وسياسة من إسرائيل وتركيا، نعمل سويّاً منذ العام 2012 لترميم العلاقات، نبارك هذه التطورات وندعو زعماء الدولتين إلى استغلال الفرصة، والتوقيع على الاتفاق المتبلور».
وبحسب الرسالة، فإنَّه في منتصف كانون الأول الماضي، التقى في سويسرا ممثّلون عن الدولتين للتقدّم نحو اتّفاق يقود إلى تطبيع العلاقات. ووفق التقارير، فإنَّ الطرفين بلورا صيغة اتّفاق مصالحة رغم واقع بقاء بعض النقاط موضع خلاف، وعلى رأسها الحصار المفروض على قطاع غزَّة. وتقريباً سبق لإسرائيل وتركيا أن توصّلتا إلى اتّفاق مصالحة مرّات عدة منذ أزمة أسطول مرمرة في العام 2010. والمرّة الأخيرة كانت في ربيع العام 2014. ولكن، فيما أفلح الديبلوماسيّون في التوصل إلى صيغ حلّ وسط تجسر الفجوات بين الدولتين، تردّدت القيادتان السياسيةّ في أنقرة وتل أبيب، في تنفيذ الاتّفاق المقترح. وهذه المرة هناك تداخل مصالح مشتركة في ميادين الأمن والاقتصاد، وأيضاً رغبة سياسية لدى الطرفين في ترميم العلاقات.
وفي الأشهر الأخيرة، بتنا شهوداً على تكاثر إشارات الدفء المتواصل والمقصود في العلاقات الإسرائيليّة ـ التركيّة. واتّخذت الدولتان خطوات ترمي إلى خلق أجواء أفضل، وتمكينهما من توسيع نطاق التعاون بينهما. ونبع ذلك أساساً من مصالح تتعلّق بالغاز الطبيعي في حوض البحر المتوسط، ومن القلق من التطورات في سوريا.
وقبل أيام من اللقاء في سويسرا، قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إنَّ المصالحة الإسرائيليّة ـ التركيّة «ستكون جيدة لنا، ولإسرائيل، ولفلسطين وللمنطقة بأسرها». كما أنَّ المدير العام لوزارة الخارجية الإسرائيلية، دوري غولد، قال كلاماً مشابهاً، وشدّد على أنّ «إسرائيل تتطلّع دائماً وأبداً إلى علاقات مستقرّة مع تركيا، وهي تفحص طوال الوقت سُبُل الوصول إلى ذلك». ومثل هذه التصريحات كانت نادرة في السنوات الخمس الأخيرة.
وبعد اللقاء في سويسرا، استمر الميل لتصريحات إيجابية من جانب الطرفين. وقال نائب رئيس الحكومة التركيّة عمر تشليك: «لا ريب في أنَّ دولة إسرائيل والشعب الإسرائيلي هم أصدقاء لتركيا». وقال وزير الطاقة الإسرائيلي يوفال شتاينتس إنَّ «هناك فرصة جدّية وجوهرية لتدفئة وتطبيع العلاقات بين إسرائيل وتركيا»، وأنَّ هناك فرصةً هائلة للتعاون في موضوع الغاز الطبيعي.
وقالت الرسالة إنّه «محظور على زعماء إسرائيل وتركيا ترك الفرصة تضيع. بدلاً من ذلك، عليهم استغلال الإرادة الطيبة والزخم الإيجابي والتقدم بسرعة لتسوية نقاط الخلاف والتوقيع على اتّفاق المصالحة، واستئناف العلاقات الديبلوماسية الكاملة بين الدولتين».
وفي رأي كتّاب الرسالة، فإنَّ اتّفاقاً من هذا النوع سيخدم ليس فقط المصالح المباشرة لإسرائيل وتركيا، بل يمكنه أن يعزّز أيضاً الأمن والاستقرار الإقليميين عن طريق كبح التطرف والتعصب العنيف في الشرق الأوسط. وعلاوةً على ذلك، يمكن لهذه المصالحة أن تسمح لتركيا بالتحول إلى لاعب جوهري وأكثر إيجابية في مساعي إعادة إعمار قطاع غزَّة، وتحقيق مصالحة فلسطينية داخلية وتشجيع عمليّة السلام بين إسرائيل والفلسطينيين.
وكان الرئيس التركي قد أعلن «أنني لا أؤمن بأنَّ الجمهور الإسرائيلي راضٍ عن وضع العلاقات الحالي». وبالفعل، فإنَّ استطلاعاً للرأي أجريَ في تشرين الأول الماضي، بواسطة المعهد الإسرائيلي للسياسة الخارجيّة ـ الإقليميّة، أظهر أنَّ الجمهور الإسرائيلي يلحظ أسباباً لترميم العلاقات مع تركيا، وعلى رأسها إمكانيَّة التعاون الأمني بشأن سوريا وتنظيم «الدولة الإسلامية». كما يبدو أنَّ في تركيا قاعدة دعم واسعة لمصالحة قريبة مع إسرائيل.
إنَّ التوقيع على اتفاق المصالحة سيشكّل خطوة حيوية في الاتجاه الصحيح، لكنّه ليس كافياً. فمن أجل ترميم فعلي للعلاقات الإسرائيليّة ـ التركيّة، ثمة حاجة إلى خطوات أخرى تعزّز التفاهم المتبادل بين الدولتين وتساعد في بناء خطاب آخر للعلاقات بينهما. ولهذا الغرض، ففي فترة ما بعد التوقيع على الاتفاق، ستضطر الدولتان للتشديد الخاص على استعادة الثقة بينهما، وتسويق اتّفاق المصالحة إيجابا للجمهورين التركي والإسرائيلي، وترسيخ قنوات التواصل الرسميّة المتنوعة، وحث مبادرات اقتصاديّة جديدة، وإنشاء آليات لتحليل مشترك لما يجري في المنطقة وتنسيق السياسات، وتبادل المساعدة في سيرورات تسوية النزاعات التي للدولتين ضلع فيها، وتعزيز الحوار بين منظمات المجتمع المدني والنخب الإسرائيليّة والتركيّة.
وخلصت الرسالة إلى وجوب تشجيع منظمات المجتمع المدني ومراكز الأبحاث والجامعات والمنظمات غير الحكومية على المشاركة في العملية. وقالت إنَّ الأعمال المشتركة بين مراكز البحث التي يعمل فيها الباحثون، أثبتت أن بوسع جهود سياسيّة مستقلة وغير رسميّة أن تحدث تغييرات إيجابية في العلاقات الثنائيّة. وشدّدت على أنَّ بوسع زعماء الدولتين فتح مرحلة جديدة في العلاقات بين الدولتين، يمكنها أن تسهم في تحقيق السلام والأمن والازدهار، ولذلك ينبغي لهم أن يوقعوا على الاتفاق.