المصدر / وكالات
لا تقف معاناة الأردن الرسمي السياسية هذه الأيام عند حدود الحجب السعودي الواضح والمقصود لأي معطيات أو معلومات لها علاقة بالاتصالات السعودية الإسرائيلية تحديدًا، بل بدأ الهمس يتكاثر في أروقة الحكومة الأردنية عن خلفيات وأسباب ودوافع التكتم الشديد الذي تظهره السلطة الفلسطينية حصريًا عن آخر تفاهمات حصلت بينها وبين ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان.
التكتم الشديد الذي يبديه الرئيس محمود عباس تجاه تفاصيل وقفته الثانية والأخيرة على محطة الرياض، بدأ يثير شهوة وفضول الأردنيين الرسميين في البحث عن معلومات، خصوصًا أن عباس اتفق مع عمّان سابقًا فيما يتعلق بملف أزمة القدس تحديدًا، على تشكيل خلية أزمة دائمة التواصل والتنسيق تتولى توحيد المواقف، لمواجهة تداعيات قرارات الرئيس الأمريكي بنقل السفارة.
لا يوجد اليوم ما يثبت أن هذه الخلية تعمل على أرض الواقع، مقابل التساؤلات الملموسة التي يطرحها سياسيون ومسؤولون حول ما يخفيه أركان السلطة الفلسطينية في جعبتهم، خصوصًا عندما يتعلق الأمر بتفاصيل وحيثيات الزيارة الثانية الغامضة التي قام بها للرياض الرئيس عباس، والتي لا يعرف الأردن الكثير عنها وما دار فيها. وهي الزيارة نفسها التي انتهت بتصريح شهير للرئيس الفلسطيني شكر فيه السعودية على موقفها وتضامنها. وهو شكر تؤكد مصادر «القدس العربي» الخاصة بروزه على سطح الأحداث بعد أن أبلغ ولي العهد السعودي الرئيس عباس بأنه قرر إعادة المعونة الشهرية التي ترسل للسلطة الى رقمها القديم وهو 20 مليون دولار شهرياً بعد أن انخفضت نحو عامين الى سبعة ملايين.
السلطة الفلسطينية بهذا المعنى تُخفي من وجهة نظر الأردنيين ورقتها السعودية، ليس لأن المعلومات محجوبة فقط عن التفاصيل، ولكن لأن الرئيس الفلسطيني خلافًا للعادة لم يزر عمّان ولم يُجرِ اتصالات هاتفية كما كان يفعل بين كل محطة وأخرى.
الجانب الأمني له دور أيضاً في توسيع رقعة الهواجس الأردنية السياسية من وجود برنامج تم التفاهم عليه بين الرياض ورام الله، ومن دون وضع الأردن بالصورة، خصوصًا أن رجل الولايات المتحدة القوي في المعادلة الفلسطينية اللواء ماجد فرج هو الذي رتب اللقاء الأخير مع ولي العهد السعودي وهو لقاء أعقب ما تسرب عن اللقاء الأول.
في نظر الأردنيين تكتم عباس على تفاصيل حواره الثاني مع القيادة السعودية، إجراء يدخل في باب حقوق السيادة، لكن يُخالف ما اتفق عليه مع نخبة السلطة الوطنية، بإدامة التنسيق ومنع حجب المعلومات، وقد استمعت «القدس العربي» مباشرة لمسؤولين اثنين في الإطار الرسمي يطرحان تساؤلات حول خلفيات وأسباب تكتم عباس، خصوصًا مع القنوات الأردنية المفتوحة معه والمتضامنة بالمطلق مع برنامجه.
طبعًا لا تريد عمّان المبالغة بمخاوفها، لكنها تنتظر تفصيلات وشروحات من حليف الشرعية الفلسطيني، وقد جرت فعلًا اتصالات مع قيادات قريبة من الأردن من بينها الدكتور صائب عريقات، بقصد الاستفهام والاستفسار، وتبين أن الحلقات القيادية الفلسطينية لا يوجد لديها أيضاً معلومات يمكن أن تنقلها، خصوصًا بعدما اعتبر حضور الوزير المنسق لما يسمى بالشؤون المدنية حسين الشيخ للقاء الرياض الأخير علامة فارقة يمكن أن تفسر في أكثر من اتجاه. بينما يقول الأردنيون في المقابل إنهم لا يمانعون الاتصالات بين العهد السعودي الجديد والجانب الإسرائيلي، ولا يريدون الاستسلام للمبالغة التي يتحدث عبرها الإعلام للاتصالات. لكن الأخطر في القياس الأردني أن البوصلة السعودية قررت في الميدان وعلى أرض الواقع حجب مختلف اتصالاتها مع الإسرائيليين عن الأردن الرسمي، ما ترك مجالًا بين البلدين للاشتباك على صعيد المعلومات، بحثًا عن تفاصيل، وهو أمر مستجد تمامًا ولم يكن بالعادة له دور بالماضي في العلاقات المفتوحة بين الأردن والشقيقة الكبرى السعودية. حتى الإعلام الرسمي الأردني يمنع كثيراً وغالبًا أية محاولة للاسترسال في التحدث عن توتر او أزمة او تقاطع في الاتجاهات والمواقف مع السعودية، وذلك لأسباب عدة أهمها الحرص على مصالح الأردنيين المقيمين في السعودية مع عائلاتهم، لكن بالمقابل؛ تبحث السلطات الأردنية عن آلية لمعرفة ما إذا كان شريكها الفلسطيني العلني في ملف القدس قد حجب المعلومات المحددة بناء على «رغبة سعودية».
هذه المسألة تخضع للنقاش الآن في أضيق قنوات القرار الأردنية خصوصًا أن التقارير الميدانية في الضفة الغربية في الأقل لا تزال مستمرة في الإشارة إلى التقدير الكبير في الشارع الفلسطيني لمواقف الملك عبد الله الثاني الجذرية مؤخرا في مسألة القدس، والشعبية الكبيرة التي يحظى بها وهو ما أقر به القيادي الفتحاوي الذي تربطه اليوم علاقات سيئة في الأردن اللواء جبريل الرجوب، عندما توقف ساعات في عمّان مؤخرًا قادمًا من الرياض ومشتكيًا مما سمّاه معاملة سيئة وعملية تأخير يتعرض لها في مطار عمّان.
بكل الأحوال يزداد مشهد الشراكة الأردنية السعودية العريقة تعقيدًا، والأرجح أنه بدأ يتسرب الى مناطق أخرى من بينها وأبرزها تلك المساحة التي كانت دائما محصورة في تضامن أردني كبير مع الرئيس عباس بصفته يمثل الشرعية الفلسطينية، في الوقت الذي يمكن القول فيه إن تعطيل خلية الأزمة ومن الجانب الفلسطيني في ملف القدس ثم التكتم على بعض التفاصيل فلسطينيًا أصبح من المؤشرات المقلقة للدوائر الأردنية.
المقلق أكثر هو أن العلاقة المتوترة مع السعودية يبدو أنها في طريقها للتأثير بتلك التفاهمات التي برمجت هجمة اردنية فلسطينية مشتركة من أجل القدس ابتداء من قمة اسطنبول التركية الشهيرة.