المصدر / وكالات
كان الليبيون يأملون في أن يجسد الاتفاق الذي أبرم مع مقاتلي مدينة مصراتة للسماح لسكان تاورغاء بالعودة إلى مدينتهم، مثالا حيا للمصالحة الوطنية.
لكن هيهات هيهات، إذ لا تزال الدفعة الأولى المكونة من ثلاثمئة عائلة من تاورغاء عالقة منذ الأول من فبراير/شباط الحالي على مشارف مدينتهم التي تحولت إلى مدينة أشباح، وذلك في ظروف قاسية، بحسب صحيفة لوموند الفرنسية.
كان المفترض -بموجب اتفاق المصالحة- أن تعود هذه العائلات إلى مسقط رأسها، للبدء في علاج أحد جراح الثورة الليبية المؤلمة التي لم تندمل منذ اندلاع هذه الثورة عام 2011.
تعود بداية المشكلة إلى أعمال عنف وعنف مضاد بدأتها فصائل من تاورغاء ضمن دورها في كتائب العقيد الليبي الراحل معمر القذافي، إذ قامت بأعمال بشعة في مصراتة. وبعد أن آل الأمر لمقاتلي مصراتة قاموا هم بدورهم بأعمال انتقامية شديدة القسوة ضد سكان تاورغاء، بل أفرغوها كليا من سكانها البالغ عددهم أربعين ألف نسمة، وغالبيتهم العظمى من ذوي البشرة السوداء، في عملية وصفت بــ"التطهير العرقي الشامل".
لكن اتفاقا تم التوصل إليه في يونيو/حزيران 2017 بين ممثلي الطرفين بعث آمالا كبيرة، إذ نص على عودة سكان تاورغاء إلى ديارهم مع دفع الحكومة الوطنية -التي يقودها فائز سراج- تعويضا لأهالي مصراتة يبلغ 380 مليون دولار، في مقابل 113 مليون دولار لأهالي تاورغاء.
وبناء على طلب ممثلي مصراتة، تم استثناء مناصري نظام القذافي السابق من هذه التعويضات، كما مُنع الذين ارتكبوا جرائم في حق سكان مصراتة من العودة إلى تاورغاء.
لكن بعد النشوة الأولية من هذه الاتفاقية، توقف زخمها، ونظرا لبطء التنفيذ، أطلق أهل تاورغاء النازحين حركة احتجاج في أواخر ديسمبر/كانون الأول 2017 في طرابلس؛ ولذلك قرر السراج الإسراع في تنفيذ الأعمال التحضيرية للعودة، وتم تحديد الأول من فبراير/شباط لذلك.
وبحسب هذا الوعد بدأت أعمال إزالة الألغام وإعادة الكهرباء وما إلى ذلك من خدمات تمهيدية، ومع ذلك، عندما وصل النازحون قرب تاورغاء، تم حظر دخولهم كليا من قبل الجماعات المسلحة في مصراتة التي تحتج على عدم حصولها على التعويضات المالية المتفق عليها.
كما أن هذه الجماعات ترى أن العودة يجب أن تكون بوتيرة بطيئة جدا حتى لا يتسلل مناصرو القذافي إلى المنطقة.
ولا تبعد تاورغاء عن مصراتة إلا ثلاثين كيلومترا، وهو ما جعل صقور مقاتلي مصراتة يرون فيها خاصرة أمنية رخوة ينبغي التعامل معها بكل حزم، ويبقى صراع تاورغاء مصراتة من أخطر مخلفات الثورة الليبية لما شابه من أعمال بشعة شملت الاغتصاب، هذا فضلا عن بعده العنصري.