المصدر / وكالات - هيا
أوغل رئيس المجلس العسكري بالسودان عبد الفتاح البرهان مؤخرا في لغة "الراندوك" النابعة من قاع المدن، منافسا في ذلك تجمع المهنيين السودانيين عندما استنهض فئات العوام باللغة نفسها للتظاهر منذ ديسمبر/كانون الأول الماضي.
ولم يكن قادة المجلس العسكري وحدهم من اختار لغة التصالح بعد اتفاق 5 يوليو/تموز الجاري لإدارة المرحلة الانتقالية، فقد سبقتهم إلى التهدئة قوى إعلان الحرية والتغيير.
وسارعت هذه القوى التي تقود الحراك السوداني لإلغاء الدعوة إلى موكب احتجاجي وعصيان مدني في 13 و14 يوليو/تموز، وحولت الموكب لإحياء ذكرى "شهداء الثورة"، وتضمنت برامجها حملة "حنبنيهو" بالأحياء والنوادي والمدارس والشوارع لرسم جداريات الشهداء فضلا عن برامج اجتماعية أخرى.
لكن هناك تساؤل بشأن هذه المواقف الجديدة التي تشكل نقيضا لما كان عليه الحال قبل اتفاق انتقال السلطة في الجمعة الماضية بين المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير، هل هي تكتيكية أم إستراتيجية؟ وقد تساعد الإجابة في تلمس مصير الحراك السوداني.
طمأنة الثوار
ويعزو الخبير الأمني الفريق حنفي عبد الله خطاب الطرفين المتصالح لمجموعة مؤثرات ودوافع أهمها أنهما توصلا لاتفاق غير متوقع بالنظر إلى تباعد الشقة.
ويرى حنفي في حديثه مع الجزيرة نت أن دافع رئيس المجلس العسكري عبد الفتاح البرهان ونائبه محمد حمدان حميدتي من وراء اللغة التصالحية التي استخدماها يوم السبت، طمأنة قوى الحرية والتغيير ودعم مطالب الثوار.
ويشير إلى أن هذه الأهداف اتضحت من العبارات الموغلة في العامية التي استخدمها البرهان، وكأنه يريد أن يقول إن تصلب العسكريين في الماضي كان مرده إلى خوفهم من حدوث ثورة أخرى ضد الإقصاء.
ومجّد كل من البرهان وحميدتي "شهداء الثورة"، ومضى البرهان في بيان إلى أن حيا "ناس الرصة والراصطات والسانات والناس الوقفت قنا".
كما قال حميدتي لدى مخاطبته حشدا بضاحية الحاج يوسف شرقي وسط الخرطوم، إن شباب المنطقة كانوا أول الثوار وأول الناس "الصابنها".
مهددات التصالح
وما لجأ إليه الرجلان من مصطلحات تعرف بلغة "الراندوك"، وقد اشتهرت بها شريحة الشباب في ميدان الاعتصام الذي كان مقاما أمام القيادة العامة للجيش في الخرطوم، قبل فضه بالقوة في 3 يونيو/حزيران الماضي.
ويرهن الخبير الأمني الفريق حنفي عبد الله استمرار لغة التصالح باستمرار الثقة محذرا من حزمة مهددات مثل احتمال نشوب صراع حول ترشيحات مجلس السيادة أو خلافات لدى استئناف المحادثات حول المجلس التشريعي فضلا عن مدى استمرار قوى الحرية والتغيير موحدة.
ويقترح حنفي استمرار السرية في تشكيل وتسمية الحكومة ومجلس السيادة، لأن الإعلام الكثيف والتصريحات الفضفاضة شوشت التفاوض في مرحلة سابقة حسب رأيه. ويقول إن تكرار المشاهد والمشكلات ذاتها التي وقعت أثناء انتفاضة أبريل/نيسان 1985 وثورة أكتوبر/تشرين الأول 1964 في السودان يحتم على الطرفين تجنب الإخفاقات التي حدثت سابقا.
ولئن كانت قوى تحالف الحرية والتغيير تتخوف مما تسميه نقض العسكر للاتفاقات فإنها وبحسب محمد الهادي عضو التحالف تتمنى من العسكريين أن تكون مواقفهم الجديدة إستراتيجية.
ويقول الهادي للجزيرة نت "رغم التجارب غير الحميدة مع العسكر الفترة الماضية لكن نأمل أن يرتفعوا لمستوى المسؤولية والوطن".
أما من جانب قوى التغيير فيؤكد الهادي أن "الأمر أمر وطن ولا يحتمل التكتيك"، ويحذر من أن الشارع في "المواكب المليونية" في 30 يونيو/حزيران الماضي "أثبت أنه معلم ومنح ثقته لقوى الحرية والتغيير، وهو الآن يتفهم المنطق الذي قاد للاتفاق لكن ذات الشارع جاهز لأي انتكاسة لأهداف الثورة من كائن من كان".
تحفظات الشارع
وظهر جليا أن ثمة تحفظات من الشارع وأنصار قوى الحرية والتغيير رغم حالة الفرح التي رافقت إعلان اتفاق 5 يوليو/تموز.
وحتى مساء السبت وخلال ديربي الهلال والمريخ في نهائي الدوري السوداني الممتاز هتف جمهور الناديين بمدنية السلطة في وجه والي الخرطوم لدى دخوله الملعب كضيف شرف ببزته العسكرية.
وربما كانت الهتافات نتاج الجراح التي تسببت فيها الانتهاكات التي صاحبت فض الاعتصام، وهو ما يقتضي بدايات جديدة سيجري اختبارها في الفترة المقبلة.
المصدر : الجزيرة