المصدر / وكالات - هيا
ما الذي يجري في اليمن؟ سؤال بدأ يأخذ طابعا دراماتيكيا، في الأسابيع الاخيرة، خاصة وان أسئلة كثيرة حول تماسك التحالف السعودي - الاماراتي واستمراره بدأت تظهر بكثافة وكثرت علامات الاستفهام والأسئلة حول الأمر في عواصم العالم و في الدول العربية، وبدأ يتردد صداها في اكثر من محفل، وفي الإعلام.
بداية لا بد من التذكير بان التحالف العربي الذي اطلقه ملك السعودية سلمان بن عبد العزيز وأسس له تفاهم محمد بن سلمان ومحمد بن زايد، كان اول تحالف عربي حقيقي منذ فشل محاولة الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر، تأسيس مشروع الوحدة العربية، انطلاقا من الوحدة مع سوريا في العام ١٩٥٨.
والجدير بالذكر ان التحالف العربي الجديد اطلق موجة سياسية وإعلامية ومعنوية عارمة ملأت زوايا الجدران الفارغة في عالم عربي متعطش لأي عامل قوة.
كان المشهد العربي يعاني من الخواء السياسي والوهن العسكري، والعرب يتوزعون بين نفوذ ايران التي استقطبت عددا من الدول العربية، ونفوذ تركيا التي دخلت من البوابة القطرية الى قلب الخليج، مشكلة خطرا داهما على حكام السعودية ومكانتهم في قلب العالمين العربي والإسلامي فيما كانت السعودية تعاني من حصار شبه مطبق، تمت تغذيته خلال عقدين من الزمن، وبلغ ذروته في آخر زمن الملك عبدالله بن عبد العزيز.
اما مصر فكانت تلملم جراحها، برعاية ودعم سعودي اماراتي غير مسبوق، غذاه الطموح الجامح لزعيمين شابين ( محمد بن زايد ومحمد بن سلمان) يملكان رؤيا لتغيير جذري، ولا احد يملك أي تأكيد على امتلاكهم القدرات الضرورية لتنفيذ رؤيتهم.
شكل تفاهم بن سلمان و بن زايد حجر الزاوية في مشروع استعادة العالم العربي لدوره في المنطقة، الأمر الذي استنفر، بشكل مبكر؛ القوتين الإقليميتين ايران وتركيا، في حين تراقب إسرائيل بكثير من الحذر، وتعمل على توسيع عمليات استطلاعها المصحوبة بمد جسور مع المشروع العربي الوليد.
من جهتها، قررت ايران مواجهة التحالف الصاعد مباشرة في اكثر من عاصمة عربية، واختارت اليمن لتكون الساحة الأكثر سخونة، كونها الخاصرة المؤلمة للسعودية التي تقود التحالف العربي.
اما تركيا وقطر فقد حاولتا الدخول الى الملف اليمني من باب دعم جماعات القاعدة، ضمنا، والاخوان المسلمين بشكل مباشر وعلني.
شكل الاداء التركي - القطري في اليمن حالة موازية للمشروع مشروع الايرامي وتكاملت المصلحة الايرانية مع المصالح التركية – القطرية، على قاعدة تقسيم اليمن بين نفوذ الاسلام الايراني الشيعي، متمثلا بالحوثيين والنفوذ الاخواني السني، متمثلا بحزب الإصلاح .
تنبه السعوديون والإماراتيون مبكرا للمشروع الايراني وواجهوه عسكريا بالتحالف مع قطر، ليكتشفو بعدها المشروع التركي القطري، الأكثر خطرا، إضافة الى تقاطعاته مع المشروع الايراني.
وما ان فصل السعوديون والإماراتيون المسار مع قطر وعزلوها، حتى خرجت من التحالف وعمل إعلامها بشكل مباشر على مهاجمة التحالف العربي وتغطية الحوثي عن طريق تكبير اي خطأ عسكري للتحالف واظهار أعماله على انها جرائم حرب فيما عملت عملت قطر بكامل طاقتها عبر اللوبيات الغربية لشيطنة التحالف العربي وكان ذلك واحداً من أسباب اصرار السعودية والامارات على الرفض القاطع لأي وساطة من اجل رفع الحصار عن قطر.
لم تكن ايران الشيعية قادرة على مواجهة التحالف العربي من الداخل، فتركز مشروعها على المواجهة العسكرية المكشوفة، في حين سعت تركيا وقطر الى التسلل لتقويض التحالف من داخله، وجرت محاولات عديدة كان آخرها قضيتي استقالة رئيس وزراء لبنان سعد الحريري، ومقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي التي واجهتهما الإمارات بوحدة وصلابة الى جانب حليفتها السعودية.
لكن قطر الخبيرة في خفايا الملف اليمني من خلال علاقتها المميزة بالإخوان هناك، تمكنت من ايجاد ثغرة في جدار الحكومة الشرعية الهشة، والتي تعاني من فساد كبير، فدخلت الدوحة من بوابة الاغراءات المالية، على كثير من أعضاء حكومة هادي، وتمكنت من بسط النفوذ الاخواني في مواقع القرار، فوقع بعض الوزراء الأساسيين في الحكومة الشرعية، وعلى رأسهم وزيري الداخلية والدفاع، تحت تاثير اخوان اليمن ومن خلفهم تركيا وقطر، فيما اسهم هذا المناخ في اطلاق مشروع جدي يحمل بذور نجاح مهمة، هدفه تقويض التماسك السعودي الاماراتي بكل السبل.
تنبهت الإمارات مبكرا عبر استخباراتها للحركة القطرية - الإخوانية، وحاولت تطويقها مع السعودية، الا ان أعضاء حكومة هادي نجحوا في مراكمة مجموعة من الملفات والعمل بشكل حثيث على خلق حالة عسكرية في اليمن ضد الإمارات حصرا.
وفي هذا السياق استهدفت جماعات الاخوان المسلحة بتغطية من بعض قوات الشرعية القوات الاماراتية في اليمن وتم اطلاق موجة سياسية وإعلامية معادية للإمارات وبلغت الأمور الى حدود إرسال معلومات حول تحرك القوات الاماراتية الى الحوثيين، وصولا الى شن هجمات عسكرية على مواقع القوات الاماراتية في عدن.
وفي تطور لافت جاء رد فعل الإمارات متدرجا من السياسة مرورا بالعالم، وصولا الى الرد العسكري الأخير، الذي استغلته حكومة هادي للعمل على احداث شرخ اماراتي سعودي من خلال تصوير الإمارات كمعتدية على الشرعية اليمنية، فيما قد عمل الإعلام القطري باحترافية كبيرة منذ اليوم الأول على تكبير حجم المشكل، والاستفاضة في خلق وتضخيم الهوة بين السعودية والامارات.
والسوأل الذي يطرح نفسه اليوم هل ستتمكن تركيا وقطر من تحقيق مساعيهما في فصل السعودية عن الإمارات، وانهاء التحالف السعودي - الاماراتي؟
الاجابة على هذا السؤال مرهونة بسلوك طرفي التحالف في الأيام القادمة ولكن الاكيد ان ايران تقف بموقع المتفرج، والمنتظر بفرح وأمل، نجاح المشروع التركي- القطري في تدمير آخر قلاع العرب، التي اعتادوا دائما ان تهدم قبل ان تنتهي عملية بنائها.
موقع ميدل ايست افيرز