المصدر / وكالات - هيا
قاسم أحمد سهل-مقديشو
يعتبر العام 2020 حاسما بالنسبة للصومال مع اقتراب موعد إجراء الانتخابات البرلمانية الأولى من نوعها منذ العام 1967، إذ تفصلنا سبعة شهور تقريبا عن هذا الاستحقاق الانتخابي، وهو الحدث الأبرز لهذا العام، فقد مهد توقيع الرئيس محمد عبد الله فرماجو على قانون الانتخابات بعد تمريره في البرلمان الطريق لتنظيم انتخابات في البلاد عبر الاقتراع الشعبي المباشر، إلا أن شكوكا كبيرة تحيط بقدرة البلاد على إجراء هذا الاستحقاق.
وينص قانون الانتخابات على أن أعضاء البرلمان بمجلسيه النيابي والشيوخ ينتخبون عبر اقتراع شعبي مباشر، في حين ينتخب أعضاء البرلمان رئيس البلاد وفقا لدستور البلاد المؤقت، وتكمن أهمية القانون في أنه يطوي صفحة نظام المحاصّة القبلية الذي كان معيارا لتقاسم السلطة لما يقارب عشرين سنة، وهو معيار قائم على أسس غير عادلة همشت بعض القبائل في التمثيل السياسي.
ويقول القيادي في حزب هَلْدُور عبد القادر محمد عثمان إن القانون يكرس عودة التجربة الديمقراطية للصومال وممارستها في ظل نظام التعددية الحزبية كوسيلة للوصول إلى سدة الحكم، بدلا من خطفها بالعنف وقوة السلاح.
غير أن تنظيم الانتخابات في الصومال تكتنفه صعوبات كبيرة وتحديات في بلد غارق في دوامة عنف وحرب أهلية ونزاعات سياسية وقبلية دامية منذ 1991.
الحكومة والمفوضية
وتثار تساؤلات عن قدرة الحكومة الصومالية على تنظيم انتخابات عبر صناديق الاقتراع في الفترة القصيرة المتبقية، ويرى عثمان في تصريح للجزيرة نت أنه بعد إقرار القانون وتوقيع رئيس البلاد عليه فإن الكرة باتت في ملعب الحكومة الفدرالية والمفوضية المستقلة للانتخابات، فهما الطرفان المعنيان بإنجاز هذه المهمة.
وقد أعلنت المفوضية المستقلة للانتخابات في مرات عديدة جاهزيتها لإدارة الانتخابات بالشكل المنصوص عليه في القانون.
ويرى القيادي الحزبي أن على الصوماليين الانتظار حتى تعلن الحكومة الفدرالية ومفوضية الانتخابات تعذر تنظيم الانتخابات في الوقت المحدد أو تأجلها إلى وقت آخر نتيجة صعوبات فنية، غير أن المحلل السياسي حسن محمد حاجي يقول إن مجرد التفكير في تنظيم انتخابات يدلي فيها الشعب بصوته لاختيار ممثليه بالبرلمان فيما تبقى من العام الحالي هو "ضرب من الخيال نظرا لوجود معوقات كثيرة على أرض الواقع".
معوقات عديدة
ويضيف حاجي أن من هذه المعوقات غياب أي إحصاء سكاني، وعدم مراجعة الدستور حتى يخضع للاستفتاء الشعبي، فضلا عن وجود مناطق في الصومال خارج سيطرة الحكومة مثل إقليم أرض الصومال في الشمال والمناطق الخاضعة لسيطرة حركة الشباب المجاهدين، أضف إلى ذلك الصعوبات الأمنية التي لا توفر جوا آمنا لتصويت الناخبين وعدم تهيئة الأجواء للمنافسة بين الأحزاب.
وحسب المحلل السياسي، فإن استمرار وجود خلاف حاد بين الحكومة الفدرالية وبعض الولايات منذ أكثر من سنة يشكل مؤشرا قويا على أن تنظيم انتخابات شعبية مباشرة مستبعد وغير منطقي، ويخلص حاجي إلى أنه في حالة استحالة إجراء انتخابات في الصومال عبر صناديق الاقتراع فإن التساؤلات تثار بشأن الخيار البديل.
ويرى عضو مركز الآفاق للإعلام محمد عثمان سوداني أن من بين الحلول البديلة المطروحة لتعذر إجراء الانتخابات هو تمديد ولاية البرلمان الحالي التي تنتهي في أكتوبر/تشرين الأول المقبل لعامين إضافيين، ثم يتم انتخاب رئيس جديد البلاد، ويضيف سوداني أن هذا الخيار "أمر غير مقبول بالنسبة للمجتمع الدولي والأطراف السياسية المعارضة".
صيغ بديلة
ويضيف المتحدث نفسه أن الأطراف السياسية، حكومة ومعارضة، ستكون تحت ضغط المجتمع الدولي للبحث عن صيغ انتخابية توافقية وبديلة في غضون الأشهر المقبلة في حال تعذر إجراء اقتراع شعبي مباشر، والخيار الأكثر ترجيحا في نظر سوداني هو تنظيم انتخابات قائمة على نظام المحاصّة القبلية، وهو الخيار نفسه الذي لجأت إليه الأطراف السياسية في العام 2016 عقب فشل تنظيم انتخابات مباشرة.
وفي ذلك الوقت، انتخب 14 ألفا و25 شخصا يمثلون مختلف القبائل الصومالية أعضاء المجلس النيابي المكون من 275 مقعدا، في حين انتخب أعضاء مجلس الشيوخ المكون من 54 مقعدا من قبل ممثلين للولايات، وبعد ذلك انتخب البرلمان بمجلسيه رئيس البلاد، ويضيف عضو مركز الآفاق للإعلام أنه من المحتمل أن يرتفع هذه المرة عدد المنتخبين من ممثلي القبائل.
تجربة سابقة
وكان الصومال قد مارس التجربة الديمقراطية تسع سنوات تقريبا بعد نيله الاستقلال في العام 1960، وكان العام 1967 آخر مرة صوّت فيها الشعب في انتخابات بشكل ديمقراطي، وبعد أيام قليلة من اغتيال الرئيس عبد الرشيد علي شرماركي في العام 1969 حدث انقلاب عسكري بقيادة الجنرال محمد سياد بري، الذي عطل الدستور والتجربة الديمقراطية.
واستمر حكم العسكر 21 عاما قبل أن تتم الإطاحة به من قبل فصائل مسلحة في العام 1991، ثم انزلقت البلاد بعدها إلى حرب أهلية دامية، وقد نجحت مبادرات دولية وإقليمية في عقد مؤتمرات تصالحية للفرقاء الصوماليين ساهمت أخيرا بدءا من العام 2000 في تشكيل حكومات انتقالية حتى عام 2012، وحينها تمكن الصومال من الخروج من الفترة الانتقالية ونظّم عمليتين انتخابيتين لكن وفق نظام المحاصّة القبلية باعتباره حلا مؤقتا.
المصدر : الجزيرة