المصدر / وكالات - هيا
نشرت صحيفة "غارديان" (The Guardian) البريطانية تقريرا صحفيا رسم صورة قاتمة عن مستقبل لبنان، حذرت فيه من أن الدولة تسير ببطء نحو التفكك.
وذكرت أن أعدادا كبيرة ومتزايدة من اللبنانيين يرون أن الحلم الذي راودهم طويلا قد ذهب أدراج الرياح، وأن أسرع وسيلة للخروج من المأزق هو الهجرة إلى خارج البلاد التي ينفرط عقدها بوتيرة أسرع من أي مكان آخر في العالم.
وبحسب الصحيفة البريطانية ليس ثمة ما يجسد تحول لبنان إلى دولة فاشلة أكثر من الانفجار الهائل الذي وقع في مرفأ بيروت يوم 4 أغسطس/آب الماضي، والذي نجم عن شحنة من نترات الأمونيوم تقدّر بنحو 2750 طنا، موجودة منذ 6 سنوات في مستودع من دون إجراءات وقائية، مما أدى لمقتل 200 شخص وجرح آلاف آخرين وإلحاق أضرار بما لا يقل عن 7 آلاف منزل وبناية.
ويرى مارتن تشولوف، مراسل الصحيفة في الشرق الأوسط الذي أعد التقرير، أن مستودع البضائع والشحنات السائبة بمرفأ بيروت أصبح يمثل "صورة مصغرة" لمحن ومشاكل لبنان.
وينحي كاتب التقرير باللائمة على كل الكتل السياسية في البلاد، إذ يحمل كل منها جزءا من أوزار ما حدث فيها، مضيفا أن الدمار الذي طال بيروت أثار غضب الشعب المنهك أصلا.
وينقل التقرير عن حسين ترمس –وهو مواطن من قضاء مرجعيون بالجنوب يعيش حاليا في ضاحية بيروت الجنوبية- قوله إنه سيغادر لبنان "في غمضة عين" حالما يحصل على تأشيرة دخول لأي بلد في العالم.
وأضاف ترمس البالغ من العمر 36 عاما "كل ما اهتم به أن أكون قادرا على توفير كل الضروريات اليومية الخاصة بي من مأكل ومشرب وسجائر".
ويواجه كثيرون من أمثال ترمس انهيارا مستمرا في قيمة العملة اللبنانية (الليرة) وتضخما جامحا في السلع، وبطالة على نطاق واسع، ولم يعد مجرد العيش على الكفاف خيارا.
يقول ربيع خير الدين، وهو موسيقي من الطائفة الدرزية، إنه لا يرى أملا في تبدل الأحوال "وهذا ما تجلى بشكل واضح بعد أسابيع من الانفجار. فكل من أعرفه يريد المغادرة".
ووفقا للصحيفة البريطانية، فإن انتهاء الحرب الأهلية في لبنان والتي استمرت من عام 1975 حتى 1990، لم تكن سوى بداية سلسلة من الأحداث "الكارثية" في تاريخ البلاد الحديث.
وسرعان ما أعقب تلك الحرب احتلال إسرائيلي ووصاية سورية على البلاد قبل أن تتسبب اغتيالات سياسية في موجات جديدة من عدم الاستقرار، كان أبرزها مقتل رئيس الوزراء آنذاك رفيق الحريري.
ويزعم كاتب التقرير أن اغتيال الحريري عام 2005 ساهم في تغذية حالة عدم الاستقرار التي أعقبت الحادثة مما أدى إلى انسحاب سوريا من لبنان.
ثم اندلعت حرب جديدة مع إسرائيل عام 2006، تلتها الانتفاضة الشعبية في سوريا عام 2011 والتي أسفرت عن موجة لجوء إلى لبنان.
وووفق التقرير كان من المأمول أن يبشر انبثاق الروح المدنية والقومية العابرة للطائفية، التي عمت أرجاء لبنان من حدودها الشمالية مع سوريا حتى تخومها مع إسرائيل، بعهد يستطيع فيه سكان هذا البلد البدء، مجتمعين، بصياغة مصائرهم.
لكن تلك الروح ما لبثت أن أفسحت المجال لشيء أشبه ما يكون بحالة ما بعد الحرب الأهلية، ألا وهي "الشلل والتواكل".
ويتهم اللبنانيون قادتهم في تكريس انهيار الدولة برفضهم مطالب الإصلاح الاقتصادي والسياسي.
ففي العام المنصرم تضاعفت أسعار السلع الأساسية 4 مرات في بعض الحالات. ومن المنتظر أن يرفع الدعم عن الدقيق والدواء والزيوت خلال الشهور المقبلة.
وقد تكون محصلة ذلك كارثية في بلد يقترب زهاء 70% من سكانه من حدود الفقر. وبحسب تقرير غارديان، فإن العام الذي مضى منذ اندلاع الاحتجاجات طغت أحداثه حتى على أحلك أيام الصراع الطائفي الذي دمر لبنان وفتك بقرابة 115 ألف شخص. وكانت أحدث تلك الكوارث انفجار صهريج الوقود الجمعة الماضي داخل بناية في بيروت مما أودى بحياة 4 أشخاص وجرح آخرين.
وتطرق التقرير إلى الزيارتين اللتين قام بهما الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مؤخرا إلى بيروت ووقوفه على حجم الكارثة هناك. وأشار الكاتب في تقريره إلى أن لفرنسا مصالح في لبنان منذ حقبة الانتداب في أعقاب الحرب العالمية الأولى التي منحتها الحق في أن يكون لها رأي معتبر في كيفية بناء الدولة اللبنانية الحديثة.
لقد كان إصلاح النظام السياسي المطلب الأساسي للرئيس ماكرون كما لآخرين رأوا دنو انهيار الدولة، وأبدوا استعدادا بأن يلقوا طوق نجاة للبنان رغم نفاذ صبرهم الواضح من قادته.
وأعاد التقرير إلى الأذهان الاتفاق الذي أبرمه القادة اللبنانيون في مدينة الطائف السعودية بعد أن وضعت الحرب الأهلية أوزارها عام 1990. وتم بموجب الاتفاق توزيع المهام والمسؤوليات على مختلف الطوائف فيما عُرف بالمحاصصة في محاولة لتقاسم السلطة بينها.
وكان أن حصل الشيعة على منصب رئيس البرلمان، والمسيحيون على رئاسة الجمهورية، والسنة على رئاسة الحكومة.
غير أن تلك الأدوار الثلاثة أضحت جوهر ما أطلقت عليه غارديان "الأوليغاركية" أي حكم الأقلية الذي يخضع لهيمنة جماعة صغيرة همها الاستغلال وتحقيق المنافع الذاتية.
وبرأي كاتب التقرير، فقد تشكل حكم الأقلية على أنقاض الدولة حيث أحكم القائمون على الأوضاع سيطرتهم على مشاريع إعادة الإعمار. كما باتت تلك الأوضاع محل صراع مصالح إقليمية استحوذت على حصة كبيرة في لبنان منذ بواكير تأسيس الدولة الحديثة، بل ضاعفت من جهودها عقب إرساء وقف إطلاق النار.
وتناولت الصحيفة دور الولايات المتحدة في التطورات التي يشهدها لبنان، لافتة إلى أن واشنطن زادت من "ضغوطها القصوى" على إيران ظنا منها أن خنق اقتصادها سيضعف -في جانب منه- حزب الله في لبنان وسوريا الذي لعب دورا رئيسيا في بقاء الرئيس بشار الأسد في سدة الحكم.
ومع اقتراب موعد انتخابات الرئاسة الأميركية، سعى صقور إدارة الرئيس دونالد ترامب إلى توجيه الضغوط المفروضة على إيران نحو حزب الله بإنزال عقوبات على المزيد من قادته وشركاته وأعماله، والعمل على استصدار قرار من الكونغرس يقضي بعدم الاعتراف بحكومة لبنانية يكون الحزب جزءا من مكونات الائتلاف فيها.