المصدر / وكالات
عادت المواجهات العنيفة إلى الشرق من صنعاء بعد ثلاثة أيام على سريان مفعول اتفاق وقف إطلاق النار تمهيدا لمحادثات السلام اليمنية في الكويت.
بعد هدوء نسبي، عادت ضراوة المواجهات إلى شرق صنعاء، واشتعلت الجبهة من جديد، كاشفة عن هشاشة الهدنة، التي أبرمت منذ أربعة أيام كخطوة ممهدة لمحادثات السلام، التي ستستضيفها الكويت الاثنين المقبل (18 04 2016)؛ حيث قُتل أكثر من سبعة عشر من القوات الحكومية، بينهم أركان حرب اللواء 314. وعاد معها طيران التحالف للتحليق في أجواء العاصمة وضواحيها؛ وتبادل الطرفان - الحكومي والحوثيون وصالح - الاتهامات بالمسؤولية عن ذلك.
وفي ظل غياب فريق الرقابة الميدانية على الهدنة، وتحديد الطرف الذي اخترقها، تبادلت الحكومة والحوثيون الاتهامات بعدم الالتزام بالهدنة، ومحاولة تحقيق مكاسب ميدانية خلال أيام سريانها، كما جرى ذلك في المرات السابقة. وهو أمر يغلِّب نيات التصعيد على خيارات السلام، التي تؤكدها التصريحات المتتالية الصادرة عن الجانب الحكومي، أو عن قادة حركة "أنصار الله"، وحتى مضامين الاتفاقات الفرعية التي وقعت بين الجانبين برعاية سعودية.
وخلافا للهدنة القائمة على الحدود بين السعودية والمقاتلين الحوثيين، والتي لا تزال صامدة ولا تكاد خروقها تذكر، يشهد عدد من جبهات القتال الداخلية في اليمن تصعيدا للمواجهات بصورة تثير المخاوف من فتح الباب أمام قتال داخلي طويل الأمد بعد أن ضمنت المملكة تأمين حدودها عبر الاتفاقات التي عُقدت مع الحوثيين.
المصادر القبلية في شرق صنعاء تتحدث عن اشتباكات عنيفة بمختلف أنواع الأسلحة تدور في مديرية نهم بين قوات الجيش المدعومة بما يعرف باسم "المقاومة الشعبية" من جهة، والمسلحين الحوثيين وقوات الرئيس السابق علي عبد الله صالح من جهة أخرى؛ حيث تتهم القوات الحكومة الحوثيين وقوات الرئيس السابق بمحاولة التقدم نحو قرى آل عامر، في منطقة حريب، المحاذية لمحافظة مأرب.
هذه المصادر أوضحت أن الاشتباكات لا تكاد تتوقف، وأنها تدور بشكل شبه يومي في المنطقة منذ إعلان وقف إطلاق النار؛ حيث يتهم الحوثيون القوات الحكومية بالسعي للسيطرة على مواقع جديدة في الطريق إلى صنعاء. فيما أعلن عبد الله الشندقي، الناطق باسم المقاتلين المؤيدين للرئيس عبد ربه منصور هادي، عن توثيق أكثر من 40 خرقا للهدنة من الساعات الأولى لدخولها حيز التنفيذ، والتي نجم عنها مقتل وإصابة الكثيرين نتيجة قصف الحوثيين لتلك المواقع بقذائف الهاون والقذائف الثقيلة.
الشندقي اتهم الحوثيين أيضا بعد الالتزام بالهدنة بشكل مطلق، وقال إن هذه الهدنة تنفَّذ من جانب واحد هو الجيش الحكومي، وإن هذا الجانب يحتفظ بحق الرد على مصدر النيران للدفاع عن النفس استنادا إلى بنود اتفاق وقف إطلاق النار .
وخرقُ الهدنة لا يقتصر على المدخل الشرقي لصنعاء، بل يتعداه إلى تعز، حيث لم يتوقف القتال، وإن كان أقل مما كان عليه قبل الاتفاق على هذه الهدنة. فالقوات الحكومية تتهم الحوثيين وأتباع صالح بمهاجمة معسكر اللواء 35 في محاولة لاستعادة السيطرة عليه. كما أن الجبهة الشرقية للمدينة تشهد مواجهات مستمرة. فيما يتهم الحوثيين القوات الحكومية بعدم الالتزام باتفاق وقف إطلاق النار. كما يتهمون طيران التحالف بخرق الهدنة والعودة إلى التحليق في أجواء المحافظة.
وكذلك الأمر في محافظتي شبوة والجوف، حيث تستمر المواجهات بين الجانبين؛ ومعها تتواصل الاتهامات بعدم الالتزام بالهدنة. فيما لم يصدر عن اللجنة المشرفة على تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار، والتي تشرف عليها الأمم المتحدة، أي تعليق. كما أن اللجان المشكَّلة للإشراف على هذا الاتفاق في الميدان لم تبدأ بممارسة مهماتها لأسباب غير واضحة، رغم وصولها إلى مناطق المواجهات. وهو ما يثير مخاوف اليمنيين من تكرار فشل هذا الاتفاق كما حصل مع الاتفاقات السابقة، وفشل محادثات السلام المرتقبة فيما بعد، والتي يعولون عليها في إنهاء الحرب وإنهاء معاناتهم.
وخلافا لما هو الحال في ميادين القتال، يتبارى السياسيون في إطلاق التصريحات المتفائلة بأن محادثات السلام في الكويت ستؤدي إلى إنهاء القتال وتحريك المسار السياسي في اليمن. وهو أمر تدعمه تصريحات القيادة السعودية؛ حيث أكد العاهل السعودي الملك سلمان، في كلمته أمام منظمة التعاون الإسلامي، أن بلاده تدعم المحادثات المرتقبة في الكويت لإحلال السلام في اليمن.
وقبل هذا الموقف، تمكنت الرياض وبعد محادثات سرية طويلة من الاتفاق مع الحوثيين على وقف المواجهات على طول الشريط الحدودي، وأن ترعى اتفاقا للسلام في اليمن وتدعم المصالحة السياسية بين الأطراف المتحاربة. وهي خطوات تحظى بدعم كبير من الدول الكبرى، التي تخشى من أن يؤدي استمرار القتال في اليمن إلى تعاظم قوة ونفوذ الجماعات الإرهابية، بعد سيطرة تنظيم "القاعدة" على مساحات شاسعة من جنوب البلاد وتمدده إلى مناطق القتال في وسط البلاد.
محمد الأحمد