المصدر / وكالات
لا شك في أن الولايات المتحدة تمتلك قدرات عسكرية أكبر من روسيا في الشرق الأوسط، ولها انتشار أوسع في المنطقة. ولكن زعماء المنطقة يتجهون حالياً نحو بوتين، لا أوباما، من أجل بحث قضايا تخص منطقتهم.
يقول روس أنه خلال رحلاته إلى المنطقة يسمع من العرب والإسرائيليين ما يوحي بأنهم تخلوا عن الرئيس الأمريكي، وبات زعماء شرق أوسطيون يدركون أيضاً حاجتهم لمحاورة الروس إن هم أرادوا حماية مصالحهم
وكتب دنيس روس، الديبلوماسي الأمريكي اليهودي، والمنسق الخاص لشؤون الشرق الأوسط في عهد الرئيس بيل كلينتون، عن هذه الظاهرة في مجلة بوليتيكو، الأمريكية، لافتاً إلى وجود 35 ألف جندي أمريكي ومئات الطائرات في المنطقة، مقابل 2000 جندي روسي وربما، 50 طائرة روسية فقط. ومع ذلك، يتجه زعماء الشرق الأوسط حالياً نحو موسكو، ومنهم الملك سلمان بن عبد العزيز الذي سيقوم بزيارة وشيكة إلى موسكو. كما التقى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وزعماء شرق أوسطيون بوتين في الأونة الأخيرة، ومنهم بنيامين نتانياهو، الذي توجه إلى موسكو، قبل أسبوعين.
تصورات
يقول "روس" إنه خلال رحلاته إلى المنطقة يسمع من العرب والإسرائيليين ما يوحي بأنهم تخلوا عن الرئيس الأمريكي، أوباما. وربما يعود السبب لأن التصورات أهم من استعراض القوة. ويُنظر اليوم إلى الروس بوصفهم مستعدين لاستخدام القوة للتأثير على ميزان القوى في المنطقة، فيما يمتنع الأمريكيون عن استخدامها. فقد ضمن قرار بوتين التدخل في سوريا عسكرياً بقاء الرئيس السوري بشار الأسد في موقعه، وقلل، بدرجة كبيرة، من شدة عزلة فرضت على موسكو بعد استيلائها على منطقة القرم، ومواصلتها التدخل في القتال في أوكرانيا.
اختلاف
كذلك، تختلف وجهات نظر بوتين العالمية عن أفكار أوباما الذي يعتقد بوجوب استخدام القوة فقط في حالة تعرض الأمن والأراضي الأمريكية لتهديدات. ويبرر أوباما سياسته باتخاذ إجراءات وقائية ضد إرهابيين، ومحاربة داعش. ولكن أوباما يعمل على استخدام القوة لدعم أهدافه في أضيق حدودها. ويعكس ذلك قراءته للدروس المستفادة من حربي العراق وأفغانستان، وتساعد في فهم أسباب امتناعه عن التحرك في سوريا، في وقت أدت الحرب هناك إلى كارثة إنسانية، وظهور أزمة لاجئين تهدد بنيان الاتحاد الأوروبي، وساهمت في ظهور داعش. كما يساعد ذلك الموقف في تفسير سبب اعتقاد أوباما أن بوتين لا يستطيع أن ينتصر، وأنه سوف يهزم نتيجة تدخله العسكري في سوريا.
التدخل السعودي في اليمن
ولكن يبدو، برأي روس أن الحال مختلف في الشرق الأوسط عما يراه أوباما. فقد تصرف السعوديون في اليمن لأنهم خافوا من عدم فرض الولايات المتحدة قيوداً على التوسع الإيراني في المنطقة، وشعروا بوجوب رسم خطوطهم بأنفسهم. فقد اتسم السلوك الإيراني في المنطقة، بعد الصفقة النووية، بعدوانية أوسع، لا أقل، مع انضمام مزيد من قوات الحرس الثوري الإيراني إلى الميلشيات الشيعية في سوريا، وتهريب السلاح إلى البحرين، والمناطق الشرقية من المملكة العربية السعودية، وإجراء اختبارات على صواريخ باليستية.
دون كلفة
ويقول روس إن التواجد الروسي لم يقلل من النفوذ الإيراني. فقد أدى التدخل العسكري الروسي في سوريا إلى تغيير الوضع، على عكس تصورات أوباما، ومكن الروس من الظهور في موقف أقوى، من دون تحملهم كلفات كبيرة. ولم يقتصر الأمر على عدم معاقبتهم لتدخلهم في سوريا، بل بات الرئيس الأمريكي ذاته اليوم يتصل ببوتين ويطلب منه المساعدة في الضغط على الأسد، مما يعني اعترافاً بمن يملك النفوذ هناك.
وفي الوقت نفسه، بات زعماء شرق أوسطيون يدركون أيضاً حاجتهم لمحاورة الروس إن هم أرادوا حماية مصالحهم. ولا شك، كما يقول روس، سيكون من الأفضل لو تمسك العالم بطبيعة القوة التي يدعو لها أوباما. وسيكون من الأفضل لو نظر العالم أجمع إلى بوتين باعتباره مهزوماً، لكن لا شيء من هذا القبيل يحصل اليوم.
حقيقة
وكل ما سبق ذكره لا يعني وفقاً لروس أن الأمريكيين ضعفاء، وأن روسيا باتت قوية، بل، ومن الناحية الموضوعية، روسيا تنهار اقتصادياً، ويزيد تراجع أسعار النفط من مشاكلها المالية، معتبراً انها حقيقة تفسر رغبة بوتين في دعم موقع روسيا على المسرح العالمي، وممارسته القوة في الشرق الأوسط. لكن زيارة أوباما الأخيرة لم تعدل من التصورات بضعف أمريكا، وامتناعها عن التأثير بميزان القوة في المنطقة.
4 خطوات
ويعدد روس سلسلة خطوات يمكنها قلب هذا التوجه، وهي:
- تشديد سياستنا المعلنة تجاه إيران حول عواقب التحايل على خطة العمل المشتركة الشاملة، والتهديد صراحة وبوضوح باستخدام القوة، لا العقوبات، في حال مخالفة الإيرانيين التزامهم بعدم السعي وراء أو إمتلاك سلاح نووي.
- بدء وضع خطة احترازية مع دول مجلس التعاون الخليجي وإسرائيل للتوصل إلى خيارات محددة لمواجهة استغلال إيران المتزايد للميليشيات الشيعية من أجل تقويض الأنظمة في المنطقة.
- الإستعداد لتسليح القبائل السنية في العراق إذا استمر الإيرانيون والميليشيات المهيمنة في منع رئيس الوزراء حيدر العبادي من القيام بذلك.
- التوضيح للروس في سوريا إنه إذا واصلوا دعم الأسد ولم يجبروه على قبول مبادئ فيينا، فإنهم لن يتركوا لنا خياراً سوى العمل مع شركائنا لإقامة ملاذات آمنة عن طريق مناطق حظر جوي.
ويخلص روس إلى أن بوتين وقادة الشرق الأوسط يفهمون منطق الإكراه "وحان الوقت لإعادة تأكيده".