المصدر / خير الله خير الله
مريضان لا يستطيعان إنقاذ مريض
هل يستطيع مأزومان، أو مريضان… إنقاذ مأزوم أو مريض؟ الجواب لا وألف لا. روسيا وإيران مأزومتان ومريضتان. أزمة البلديْن عميقة. لذلك لن يكون في استطاعتهما إنقاذ نظام بشّار الأسد، لا لشيء لأنّ هذا النظام غير قابل للإنقاذ مهما بلغ حجم التواطؤ الأميركي مع إيران، وهو تواطؤ جعل كلّ رهان باراك أوباما على توقيع الملفّ النووي الإيراني، لعلّ هذا الإنجاز يمكّنه من ترك بصمة في التاريخ، باستثناء أنه الرئيس الأسود الأوّل وربّما الأخير للولايات المتّحدة.
في الواقع، كان لقاء فيينا المخصّص لسوريا الذي جمع سبعة عشر وزيرا للخارجية، بمن في ذلك الوزير الإيراني محمد جواد ظريف مليئا بالدلالات. كان الدليل الأوّل على أهمّية اللقاء غياب النظام السوري عنه. حضرت إيران وغاب النظام السوري. هذا يؤكد أن مستقبل سوريا يُبحث في معزل عن النظام الذي جلس رئيسه، قبل فترة قصيرة، أمام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين كالتلميذ أمام المعلّم. لم يكن ينقص بوتين سوى حمل قضيب رفيع كي يقول لكلّ من يعنيه الأمر أنّه صار، من الآن فصاعدا، صاحب القرار السوري.
من الدلائل الأخرى المهمّة التي ظهرت من خلال لقاء فيينا الحضور الإيراني. تسعى إيران إلى أن تكون جزءا لا يتجزّأ من الدول التي تبحث جدّيا في كيفية إنهاء الأزمة السورية، ولكن بما يتفّق مع مصالحها طبعا. لم تستطع إيران تحقيق طموحها المتمثّل في المجيء إلى فيينا، إلا بعدما صارت الكلمة الأولى والأخيرة في سوريا، أقلّه في الجانب المتعلّق بالنظام في يد موسكو وليس في يد طهران.
لم يعد سرّا أن روسيا تدخّلت عسكريا في سوريا من أجل إنقاذ إيران التي اكتشفت أنّها عاجزة عن إيقاف بشّار الأسد على رجليه. تدخّلت إيران في سوريا منذ اندلاع الثورة الشعبية في آذار – مارس 2011. كان تدخلها بشكل غير مباشر في البداية قبل أن يصبح هذا التدخل مفضوحا، خصوصا مع مقتل جنرالات من “الحرس الثوري” دفاعا عن النظام العلوي الذي ورثه بشّار الأسد عن والده. هذا النظام الذي تحوّل، مع الوقت، إلى نظام عائلي مرتبط مباشرة بإيران أكثر من أي شيء آخر.
على الأرض، دخلت روسيا طرفا مباشرا في الحرب على الشعب السوري بعدما اكتشفت إيران أنّها عاجزة عن إنقاذ نظام سلّمها كلّ شيء. سلّمها سوريا وسلّمها لبنان. حلّت الوصاية الإيرانية مكان الوصاية الإيرانية – السورية على لبنان نتيجة مغامرة مشتركة استهدفت التخلّص من رفيق الحريري في شباط ـ فبراير من العام 2005.
هل في استطاعة روسيا التي تعاني من أزمات داخلية مستفحلة ناتجة عن هبوط أسعار النفط والغاز أوّلا حماية بشّار الأسد ونظامه؟ هل يكون حظ روسيا في سوريا أفضل من حظ إيران؟ الأرجح أن روسيا ستكون قادرة على إنقاذ إيران في سوريا، لكنّها لن تستطيع إنقاذ النظام الذي يعاني من غياب أيّ دعم شعبي له.
كان ملفتا ترافق الاجتماع المنعقد في فيينا مع تصعيد عسكري روسي على الأرض في كلّ الاتجاهات، خصوصا في محيط دمشق حيث تعرّضت دُومَا لمجزرة ذهب ضحيتها العشرات. شمل التصعيد درعا والجولان. كان الهدف تأكيد عمق التنسيق الروسي- الإسرائيلي في سوريا ومدى حرص إسرائيل على نظام بشّار.
من يتمعّن في العمق في الوضع الروسي يكتشف أن كلّ ما تفعله موسكو حاليا هو استغلال للغياب الأميركي لا أكثر. ليس في واشنطن إدارة تستطيع القول إن الحرب الباردة انتهت وأن لا طائل من التدخل الروسي في سوريا، لا لشيء سوى لأن مثل هذا التدخّل يحتاج إلى إمكانات ليست في حوزة ذلك الطرف الذي أرسل طائرات وقوات وأسلحة إلى منطقة الساحل السوري.
هل جاءت روسيا لإنقاذ النظام السوري أم جاءت لإنقاذ إيران في سوريا؟ حضرت إيران مؤتمر جنيف أم لم تحضره، لم تعد تلك هي المسألة. لا يمكن إنقاذ نظام مرفوض من شعبه أوّلا. ولا يمكن لقوتيْن مفلستيْن ومأزومتيْن جعل مثل هذا النظام يقف على رجليه يوما.
تحتاج روسيا إلى من ينقذها من أزماتها، بدءا بالاقتصاد المنهار وصولا إلى المجتمع المهترئ. روسيا من الدول القليلة التي يتناقص فيها عدد السكّان. روسيا، فوق ذلك كلّه، دولة لا حديث فيها سوى عن الفساد، خصوصا في الأوساط المحيطة ببوتين.
أمّا إيران فلا يشبه الوضع فيها سوى الوضع الذي كان سائدا في سوريا عشّية اندلاع الثورة الشعبية. هناك كره ليس بعده كره من الإيرانيين لنظام يصرف الأموال في لبنان وفلسطين واليمن، على سبيل المثال وليس الحصر، فيما نصف الشعب الإيراني تحت خط الفقر!
جاءت روسيا لإنقاذ إيران. جاءت إيران قبل ذلك لإنقاذ النظام. روسيا وإيران في حاجة الآن إلى من ينقذهما، خصوصا أنّ هناك نظاما لا يستطيع أحد إنقاذه. يستحيل إنقاذ النظام لأنّ السوريين يرفضون بأكثريتهم الساحقة، حياة الذلّ التي عاشوها طوال نصف قرن. الأهمّ من ذلك والأخطر، أن النظام لا يمتلك أي شرعية من أي نوع كان، فضلا عن وجود شرخ طائفي عميق يزداد اتساعا يوما بعد يوم، خصوصا بعدما أصرّ بوتين على إشراك الكنيسة الروسية في الحرب التي تستهدف الشعب السوري.
لا شيء ينقذ النظام السوري. حضرت إيران إلى فيينا أم لم تحضر. حضرت ربّما لسبب واحد. يتمثّل هذا السبب في أنها مصرّة على أن تكون من بين الذين سيشاركون في صلاة الغائب على روح النظام. إنّه النظام الغائب الذي أكّد لقاء فيينا أنّه صار في ذمّة التاريخ.
بين النظام السوري الراحل وإيران وروسيا والسياسة الأميركية التي تعكس حالا من الضياع الذي قد يكون مقصودا، هناك دوَران في حلقة مغلقة. مثل هذا الدوران في هذه الحلقة التي اسمها الحرب على الشعب السوري لا يمكن أن تقود سوى إلى نتيجة واحدة. هذه النتيجة هي الانتهاء من سوريا التي عرفناها.
من هذا المنطلق يبدو مدير الاستخبارات الفرنسية برنار باجوليه على حق عندما يقول إن الشرق الأوسط الذي عرفناه لم يعد موجودا. بدأ الزلزال في العراق في العام 2003. منذ ذلك التاريخ، بدأت عملية إعادة رسم خارطة الشرق الأوسط. من سيرسم خرائط الدول في النهاية هو الوقائع على الأرض، وليس أنهار الدم الذي سال وسيسيل. ليست إيران من سيتكفل برسم الخارطة الجديدة للمنطقة، حتى لو كان لديها شريك روسي وحتّى إن كان هناك تواطؤ أميركي معها. إيران، التي نصف شعبها جائع، ليست قوّة عظمى، وروسيا ليست سوى خليفة الاتحاد السوفياتي الذي كان قوّة عظمى لا أكثر ولا أقلّ. كان فعل ماض… إلى إشعار آخر.