المصدر / وكالات
على التلال، إلى الشرق من القدس المطّلة على مدينة أريحا الفلسطينية وغور الأردن، توجد مستوطنة يهودية تعطي أسطح منازلها، التي يغطيها القرميد الأحمر، وحدائقها المنمقة، وملاعبها ذات الألوان الزاهية، الشعور بأنها ستظل موجودة دائماً.
تقبع مستوطنة متسبي يريحو على هذا الجرف قرب البحر الميت، النقطة الأكثر انخفاضاً على سطح الأرض، منذ عام 1978، وهي واحدة من أكثر من 230 مستوطنة بناها الإسرائيليون على الأرض المحتلة في الضفة الغربية والقدس الشرقية خلال السنوات الخمسين الأخيرة.
وتتزايد مخاوف دبلوماسيين ومراقبين دوليين من أن المسعى الذي شهد توطين إسرائيل أكثر من نصف مليون من أبناء شعبها بتكلفة تقدّر بعشرات المليارات من الدولارات ربما وصل إلى نقطة اللاعودة.
ويبدد التوسع المستمر الآمال في إحراز أي تقدم كبير، حين يجتمع وزراء خارجية 20 دولة في باريس هذا الأسبوع، لبحث كيفية إحياء جهود السلام نظراً لأن المستوطنات تشكّل عقبة رئيسية منذ 20 عاماً على الأقل.
ولو افترضنا جدلاً أن اتفاق سلام أبرم غداً، فإن الفلسطينيين سيتوقّعون رحيل الإسرائيليين الذين يعيشون في متسيبي يريحو. لكن سكانها البالغ عددهم ثلاثة آلاف، وكلهم تقريباً من القوميين المتدينين، ليست لديهم هذه النية. بالنسبة لهم فإن المستوطنة هبة من الله، ولا يمكن التخلي عنها.
وقال يوئيل مشعل (65 عاماً) الذي يعيش في المستوطنة منذ تأسيسها “إذا تم عقد سلام مع الفلسطينيين فإننا باقون، وإذا لم يعقد سلام فإننا باقون”.
وأضاف “إنها جزء من إسرائيل وفقاً للتوراة. إنها من الله”.
ويجتمع وزراء الخارجية يوم الجمعة بهدف تمهيد الطريق لقمة، تعقد في وقت لاحق هذا العام، يأملون أن يحضرها الزعماء الإسرائيليين والفلسطينيين.
وفي علامة على إدراكه للضغوط الدولية المتزايدة قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إنه يؤيد بعض بنود مبادرة السلام العربية التي طرحتها السعودية عام 2002، وتمنح إسرائيل اعترافاً بها، مقابل الانسحاب من الضفة الغربية والقدس الشرقية إلى جانب خطوات أخرى.
وربما يكون هناك قدر من قوة الدفع يتكوّن، لكن لا توجد مؤشرات تذكر على أن من الممكن وقف الأنشطة الاستيطانية، ناهيك عن التراجع عنها وهو ما يترك عقبة أساسية في طريق السلام.
استثمار هائل
بدأ المشروع الاستيطاني بعد أن احتلت إسرائيل الضفة الغربية والقدس الشرقية في حرب عام 1967. في السبعينيات، وبتشجيع من الحكومة، بدأت أعداد كبيرة من اليهود الانتقال إلى الأراضي المحتلة. يبلغ عددهم الآن 550 ألفاً.
يعيش كثيرون في كتل كبيرة قرب القدس، أو “الخط الأخضر”، الذي يفصل إسرائيل عن الأراضي الفلسطينية، بينما يعيش آخرون في عمق الضفة الغربية، في مستوطنات تخضع لحراسة مشددة، أو مواقع استيطانية مساكنها مبنية من الحوائط الجاهزة على قمم تلال. وبموجب القانون الدولي تعتبر كل الأنشطة الاستيطانية غير قانونية. وترفض إسرائيل ذلك.
ومن الصعب حساب التكلفة المالية التي تكبّدها المستوطنات لإسرائيل، فإلى جانب رأس المال اللازم للبناء هناك نفقات الدفاع والبنية التحتية وتكلفة الإعفاءات الضريبية للسكان الذين ينتقلون للعيش هناك.
لكن مركز ماكرو للاقتصاد السياسي، وهو مؤسسة بحثية إسرائيلية، يقدّر أن البناء وحده تكلف نحو 30 مليار دولار في السنوات الأربعين الماضية.
ونادراً ما يمرّ شهر دون أن تصدر الحكومة، أو أحد وزرائها، إعلاناً جديداً بأن أراضي من الضفة الغربية أصبحت من “أراضي الدولة”، وهو ما ينذر بالبناء الاستيطاني، أو اتخاذ قرار بالسماح ببناء ووحدات استيطانية جديدة.
في الوقت نفسه فإن الفلسطينيين الذين يعيشون في جزء من الضفة الغربية، يعرف باسم المنطقة (ج)، وتمثل 60 في المئة من الإجمالي، وحيث توجد معظم المستوطنات يضطرون لترك أراضيهم بأعداد متزايدة.
وخلال زيارة إلى جزء له حساسية من الضفة الغربية قرب مدينة نابلس الفلسطينية، حيث تحتل المستوطنات كل تل تقريباً، وتتوسّع باضطراد، درس دبلوماسيون من الأمم المتحدة كيف تنتشر المستوطنات الإسرائيلية شرقاً صوب غور الأردن.
وقال مسؤول “الأمر بدأ يبدو كأنه لا رجعة فيه”، وهي وجهة نظر أيّدها ستة دبلوماسيين أجانب كل على حدة.
وبموجب اتفاقات أوسلو، التي أبرمت في منتصف التسعينيات، تحتفظ إسرائيل بالسيطرة الكاملة على المنطقة (ج)، حيث أعلنت أجزاء كبيرة مناطق عسكرية مغلقة. نتيجة لذلك تميل المحاكم الإسرائيلية للموافقة على طرد الفلسطينيين من المنطقة، وهدم منازلهم، على الرغم من أن الاتفاقات لم تغيّر الوضع غير القانوني للمستوطنات هناك.
وفي الشهر الماضي قالت كاثرين كوك، المسؤولة بمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، وهي حجّة في شؤون المستوطنات “المستوطنات هي الأداة للسيطرة على الأرض”.
ولدى سؤالها عمّا إذا كانت تعتقد أن المشروع الاستيطاني لا رجعة فيه أجابت “يجب أن تكون بعض أجزائه قابلة للتراجع عنها”.
ضغوط من الداخل
وإذا أبرم اتفاق سلام فلا شك أن الكثير من المستوطنات ستظل كما هي. وبينما لا يعترف المفاوضون الفلسطينيون بذلك علناً، فإنهم يقبلون بأن يشمل الاتفاق مبادلة أراض يحتفظ فيها الإسرائيليون بالكتل الاستيطانية الكبرى على الخط الأخضر وقرب القدس بينما يحصل الفلسطينيون على مساحات مساوية من الأرض من إسرائيل في المقابل.
لكن سيترتب على هذا أن تظل هناك أكثر من 100 مستوطنة، بينها الكثير من المستوطنات الكبيرة التي تخضع لحراسة الجيش على مساحات واسعة من الضفة الغربية حيث يعيش 2.8 مليون فلسطيني في مدن كبيرة، مثل الخليل ونابلس ورام الله.
وليس هناك استعداد يذكر داخل الحكومة اليمينية الإسرائيلية لتقديم أي تنازلات للفلسطينيين. ويقول نتنياهو إن عدم اعترافهم بإسرائيل بوصفها دولة يهودية هو أكبر عقبة في طريق السلام وليس المستوطنات.
ووزير التعليم نفتالي بينيت من أقوى المؤيدين للمستوطنات، ويريد من إسرائيل ضم المنطقة (ج) بالكامل بدلاً من السماح بإقامة دولة فلسطينية. ويعيش وزير الدفاع أفيجدور ليبرمان في مستوطنة، ويساوره نفس القلق من قيام دولة فلسطينية، حتى وإن كان على غرار نتنياهو رحّب بعناصر من مبادرة السلام العربية.
وتعتقد هاجيت أوفران، وهي مسؤولة كبيرة في حركة “السلام الآن”، وهي منظمة إسرائيلية مناهضة للاستيطان، أنه يمكن رسم الخطوط بما يسمح بقيام دولة فلسطينية، حتى إذا احتفظت إسرائيل بالكثير من مستوطناتها. ولكن حتى حينئذ فإنها تقدّر أن ما يصل إلى 150 ألف مستوطن قد يضطرون للرحيل.
وفي حين أن البعض ربما يغادرون بإرادتهم إذا حصلوا على تعويض مناسب، فإن كثيرين غيرهم سيرفضون. وتسبّب سحب 8500 مستوطن فقط من غزة عام 2005 في موجة غضب وعنف
وكثير من المستوطنين في قلب الضفة الغربية من القوميين المتدينين، الذين يؤمنون بأن كل الأرض التي يطلقون عليها يهودا والسامرة منحت لإسرائيل وفقاً لما ورد في التوراة. وهم غير مهتمين بالحوافز المالية مقابل الرحيل.
على الطرف الشمالي لمستوطنة متسبي يريحو تتيح نقطة الإطلال على أريحا وغور الأردن. يقدم تسجيل صوتي للزائرين تاريخاً انتقائياً للمنطقة من خلال تعليق بالإنجليزية يستشهد بالتوراة لتأكيد أن الله منحهم هذه الأرض.
في النهاية يضيف الراوي “واليوم بعد أكثر من ثلاثة آلاف عام جدّدت المستوطنات الإسرائيلية هذه الخريطة المقدسة.. ونتمنى لكم زيارة ممتعة”.